من الناحية الإقليمية لا يمكن إهمال ضغوطات إيران على قرار اختيار رئيس الجمهورية العراقي كما فعلت في ضغوطاتها في اختيار رئيس مجلس النواب.
يحدد الدستور العراقي حسب الفقرة 2 من المادة 72 مهلة انتخاب رئيس الجمهورية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ انعقاد أول جلسة لمجلس النواب، وعليه فإن فهذه المهلة ستنتهي في 3 أكتوبر، وعلى المرشح الفائز الحصول على أغلبية ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، وإذا لم يتم هذا الانتخاب، فإن مجلس النواب يدخل في مخالفة قانونية. لكن هذا الانتخاب يسير وفق معادلة عرجاء ابتُلي بها العراقيون منذ 2005 وهي المحاصصة الطائفية، التي تنص على أن يكون: رئيس الوزراء من الشيعة، ورئيس مجلس النواب من السنّة، ورئيس الجمهورية من الأكراد. وقد أثبتت هذه الصيغة في الحكم أنها كما أثبتت السنوات الماضية، العقبة الكأداء أمام أي تطور أو تنميته للعراق، لأن المرشحين لهذه المناصب يعملون على خدمة كتلهم وأحزابهم التي رشحتهم وليس على خدمة بلدهم. لذلك خرجت التظاهرات على أعقاب مشكلة المياه المالحة وانعدام الخدمات في البصرة وأنحاء العراق مؤخراً، رافعة شعار العودة إلى النظام الرئاسي وإلغاء النظام البرلماني ومجالس المحافظات، لأنه يديم الفساد الإداري والمالي والأخلاقي.
من الناحية الإقليمية، فلا يمكن إهمال الضغوطات الإيرانية على قرار اختيار رئيس الجمهورية، كما فعلت في ضغوطاتها في اختيار رئيس مجلس النواب. ولهذا قام قاسم سليماني، بزيارات مكوكية إلى إقليم كردستان، من أجل التفاوض على اختيار مرشح لرئاسة الجمهورية.
ما يخص ترشيح رئيس الجمهورية، كان الأكراد في السنوات الفائتة، يقدمون مرشحاً واحداً ليحظى بموافقة الكتلة السياسية الأكبر وينتهي الأمر حسم الموضوع على الفور، أما اليوم فقد اختلف الموضوع، وسط غليان الواقع وانقسامات الأحزاب، ما أدى إلى إقدام الأكراد على تقديم 7 مرشحين، في منافسة ضارية على هذا المنصب: منهم فؤاد حسين، وبرهم صالح، ولطيف رشيد، وعمر البرزنجي، وسروة عبد الواحد (أول امرأة تترشح للرئاسة في تاريخ العراق) وسردار عبدالله، بالإضافة إلى مرشح كردي آخر. ولكن التصفيات والتفاهمات الأخيرة خلصت إلى تصفية مرشحين اثنين من الحزبين الأساسيين، وهما الحزب الديمقراطي وحزب الاتحاد الوطني. يتمثل الأول بفؤاد حسين، والثاني يتمثل ببرهم صالح. ولكن هذا الترشيح يعكس الخلافات العميقة بين الحزبين الحاكمين في الإقليم الكردي، وأبرزها الاستفتاء وحصة كركوك وحصص النفط وغيرها.
مع تشتت الأحزاب والكتل الكردية، أصبح منصب رئيس الجمهورية العراقية ليس حكراً على حزب معين، بل تتقاسمه كثير من التيارات والأحواب الكردية الصغيرة والمهمشة، لذلك بدأ الصراع على هذا المنصب على أشده. وفي حقيقة الأمر، إن هذه الخلافات تجعل عملية الاختيار بالنسبة للكتل الشيعية والسنيّة صعبة المراس، ولذلك حاول مرشحا الحزبين الرئيسين زيارة الكتل السياسية ورؤسائها، من أجل التوصل إلى تفاهمات واتفاقيات علينة وسرية، ومن هؤلاء القادة: مقتدى الصدر، وعمار الحكيم، وحيدر العبادي، ونوري المالكي، وهادي العامري، لبحث الاستحقاقات الانتخابية وتشكيل الحكومة.
من الواضح أن مرشح الحزب الديمقراطي، فؤاد حسين لديه حظوظ أكبر بالمقارنة مع مرشح حزب الاتحاد برهم صالح، حتى أن حزب البارزاني فوجئ بمرشح الحزب المناوئ له. بينما ترغب بغداد بمرشح واحد، لأن وجود مرشحين يربك الأحزاب والكتل السياسية ويثير التجاذبات والخلافات بينها. ويبدو أن الكفة ترجح لصالح فؤاد حسين، لأن كثيراً من الكتل الشيعية والسنيّة تدعمه، خاصة محور خميس الخنجر، وذلك لإرضاء مسعود البرزاني ومكافأته. وتنطلق هذه التحليلات من أن فؤاد حسين، رجل متمرس في المناصب، وقد تسلم مناصب مهمة في السابق مثل: الإشراف على وزراة التربية العراقية، وعضوية مناوبة في مجلس الحكم، ورئاسة ديوان إقليم كردستان، وهذه قد تؤهله إلى تبوأ منصب رئيس الجمهورية، رغم أن بعض الأصوات في الكتل السياسية تطالب مسعود بارزاني بالاعتذار عن إجراء الاستفتاء قبل الشروع بتقديمه مرشحاَ يمثله للرئاسة.
هناك لغط كثير وشائعات عديدة حول شخصية فؤاد حسين، منها أنه كان يعمل لصالح الموساد، وهذا ما نفاه كلياً، وقال إنه كان يعمل مترجماً في هولندا التي تزوج منها، ولكن أكثر هذه الشائعات تأتي من أعدائه من أنصار حزب الاتحاد الوطني، المنافس لحزبه. إضافة إلى ذلك، أنه غير عراقي أي يحمل الجنسية الهولندية، وهناك تساؤل: "هل هناك فقرة في الدستور العراقي تمنع الترشح إلى منصب رئيس الجمهورية العراقية مَنْ أدى ولاء القسم والعهد إلى بلد أجنبي! علماً أن غالبية الطبقة الحاكمة يحملون جنسيات أجنبية أثناء ما كانوا يعيشون على المساعدات المالية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة والعاطلين عن العمل في الدول التي كانوا يحملون فيها صفة لاجئ. وكان من المتوقع أن يرشح مسعود البرزاني خاله، ومدير مكتبه، وزير الخارجية السابق هوشيار زيباري، لكنه أختار فؤاد حسين، لأسباب عديدة، منها كونه كان من المتحمسين للاستفتاء الانفصالي الفاشل الذي قاده مسعود البرزاني.
وكما حصل في اختيار رئاسة البرلمان، ضمن اتفاقات ومصالح، سينطبق الأمر على اختيار رئاسة الجمهورية، لأن هذا الاختيار يعتمد على المحاصصة والتخنذق الطائفي. لذا تتضمن الورقة السرية في جعبة الأكراد على فقرات تلزم الحكومة ومجلس النواب المقبلين بإجراء تعداد سكاني، وتشكيل مجلس الاتحاد، وضمان حضور الكرد في الهيئات الاقتصادية والمالية ذات الطابع الفيدرالي، واقتسام حصص أموال النفط المخصصة للإقليم والتي يطالبون بزيادتها.
أما من الناحية الإقليمية، فلا يمكن إهمال الضغوطات الإيرانية على قرار اختيار رئيس الجمهورية، كما فعلت في ضغوطاتها في اختيار رئيس مجلس النواب. ولهذا قام قاسم سليماني، بزيارات مكوكية إلى إقليم كردستان، من أجل التفاوض على اختيار مرشح لرئاسة الجمهورية، وقد أبدى تأييده لترشح برهم صالح، لانتمائه إلى حزب الاتحاد الوطني، المعروف بقربه من إيران، مع وعود للحزب الديمقراطي بمناصب أخرى.
لا بد من التذكير إلى أن منصب رئيس الجمهورية يبقى بروتوكولياً لا أكثر. ولن يستفيد الأكراد ولا العرب من هذا المنصب لأنه من دون صلاحيات، والمستفيدون الوحيدون هم أفراد عائلته، والمحيطون به من الأجهزة والحرس والمستشارين والطاقم الضخم الذي يعمل في رئاسة الجمهورية التي لا تمثل أي ثقلٍ في صناعة القرار السياسي في العراق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة