هناك من بين الأعضاء المقترحين في هذا التحالف من يرى إيران حليفا ويتعامل معها على هذا الأساس.
يبدو أن التحركات الأمريكية الساعية لتشكيل تحالف دولي ضد إيران قد وصلت إلى مرحلة متقدمة، بعد أن بدأت تتكشف بعض الأفكار الرئيسية الناظمة للرؤية الأمريكية حول هذا التحالف المزمع تشكيله، سواء فيما يتعلق باسمه أو أعضائه الرئيسيين أو أهدافه أو موعد إطلاقه.
هناك من بين الأعضاء المقترحين في هذا التحالف من يرى إيران حليفاً ويتعامل معها على هذا الأساس، والحديث هنا دون مواربة عن قطر التي وصلت علاقتها مع نظام الملالي إلى مرحلة "التحالف الاستراتيجي" التي لم تعد تفاصيلها خافية على أحد.
فبعد 4 أشهر من إعلان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناورت، في مايو الماضي، أن بلادها بصدد تشكيل "تحالف دولي لهدف محدد هو مراقبة النظام الإيراني من خلال منظور أكثر واقعية، ليس من خلال منظور الاتفاق النووي فقط، بل من خلال كل أنشطته المزعزعة للاستقرار التي لا تشكل تهديداً للمنطقة فحسب بل للعالم أجمع".
وصلت الجهود الأمريكية لتشكيل هذا التحالف إلى محطة جديدة بإعلان نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج العربي، تيم ليندركينج، تفاصيل حول بنية التحالف وأهدافه بعيدة المدى.
ففي حواره مع صحيفة ذا ناشيونال الإماراتية يوم الأربعاء الماضي، كشف ليندركينج عن أن الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والأردن بالإضافة للدول الأعضاء الست في مجلس التعاون لدول الخليج العربية ستكون ضمن أعضاء التحالف الذي سيحمل اسم (تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي "ميسا")، متوقعاً أن يتم الإعلان عن إطلاق هذا التحالف خلال قمة تستضيهفا بلاده خصيصاً لهذا الأمر في يناير المقبل، مؤكداً أن فكرة تحالف "ميسا" هي بناء درع قوية وجيدة ضد التهديدات في منطقة الخليج العربي، واصفاً إيران بأنها تعتبر "التهديد الأول" على قائمة "ميسا"، وهو نفس ما ذهب إليه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أثناء استضافته، أمس، اجتماعاً في نيويورك مع نظرائه في دول مجلس التعاون ومصر والأردن، فبعد الاجتماع خرجت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية لتقول إن الاجتماع ناقش مسألة إقامة "تحالف استراتيجي شرق أوسطي" لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ومواجهة أنشطة إيران الخبيثة الموجهة ضد المنطقة والولايات المتحدة.
الرؤية الأمريكية التي بدأت تتبلور حول شكل هذا التحالف وفلسفته تطرح بدورها بعض التساؤلات المشروعة التي قد تقدم الإجابة عنها تصوراً مبدئياً حول فرص نجاحه من عدمه، ولعل التساؤل الرئيسي هنا يتعلق بأعضاء هذا التحالف ومدى انسجام سياساتهم مع الأهداف المبتغى تحقيقها من وراء تشكليه، وبالنظر إلى أن الهدف الرئيس لهذا التحالف كما هو معلن هو مواجهة إيران وسلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة، فإنه يبدو مثيراً للاستغراب أن يشمل هذا التحالف دولاً لا ترى في إيران خطراً أو تهديداً يستوجب مواجهته ولا ترى في سلوكها ما يستوجب الدخول في تحالف لتقويمه، فهناك من بين الأعضاء المقترحين في هذا التحالف من يرى إيران حليفاً ويتعامل معها على هذا الأساس.
والحديث هنا دون مواربة عن قطر التي وصلت علاقتها مع نظام الملالي إلى مرحلة "التحالف الاستراتيجي" التي لم تعد تفاصيلها خافية على أحد، وبالتالي فإن الإصرار الأمريكي على وجود حليف لإيران في تحالف ضد إيران يبدو أمراً غريباً ومناقضاً لأهداف هذا التحالف وربما يكون سبباً رئيسياً لفشله، لأن سلوك النظام القطري سبق اختباره في مواقف مشابهة انضم فيها شكلياً إلى تحالفات تتناقض مع قناعاته لكنه حاول فعلياً إفشالها وتقويض أهدافها، فلا أحد ينسى أن الدوحة أعلنت رسمياً انضماها إلى التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن فور إطلاق عملية عاصفة الحزم في 2015 لكن بعد مرور وقت قصير بدأت تظهر على السطح مساعيها لتقوية المتمردين الحوثيين بالتنسيق مع النظام الإيراني، وتكشف ما قدمته قطر لإيران ومليشياتها في اليمن لتلحق الضرر بالتحالف العربي وتقوض أهدافه، وهو ما كان سبباً في استبعادها رسمياً من هذا التحالف في يونيو 2017. إذن فإن قطر الحالية بسياساتها ونظامها ليست مؤهلة للانضمام إلى هذا التحالف، ربما تكون مؤهلة في مرحلة لاحقة اذا تغير نظامها أو تغير سلوكه، لكن في هذه المرحلة سيكون انضمامها لهذا التحالف سبباً كافياً لفشله، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن من بين الأهداف المعلنة الأخرى لهذا التحالف هو هزيمة تنظيم داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى، فيما تحظى قطر بسجل طويل تدعمه الأدلة في دعم وتمويل الإرهاب وتنظيماته المختلفة، وكان هذا سبباً كافياً لمقاطعتها منذ أكثر من عام من قبل 4 دول رئيسية مشاركة أيضاً في هذا التحالف المزمع.
في المقابل هناك دول لم يشملها التحالف المقترح لكنها أكثر انسجاماً مع أهدافه من بعض أعضائه، فبعيداً عن منطقة الخليج كانت الرباط قد استبقت قرار واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي بقطع علاقاتها مع إيران في الأول من مايو الماضي، نتيجة لما قالت إنه دعم وتدريب من "حزب الله" لجبهة البوليساريو، وفي أوروبا وآسيا أيضاً يبدو أن هناك دولاً لا تمانع من الانضمام لهذا التحالف.
خلاصة القول إن الفيصل في نجاح أو فشل هذا التحالف، وأي تحالف، ليس في الإعلان عن تدشينه، لكن في مدى فاعليته واستمراريته وقدرته على تحقيق أهدافه، وهو أمر يرتبط بالأساس بمدى تناغم أعضائه وانسجام سياساتهم ووحدة رؤيتهم لعدوهم ولمكامن الخطر وطبيعة التهديدات ومصادرها التي استدعت تشكيله، حتى موعد القمة المرتقبة في يناير المقبل لإطلاق هذا التحالف تتبقى 3 أشهر، وهي فترة كافية لإعادة النظر في كل ما من شأنه أن يعلي من فرص فشل هذا التحالف على فرص النجاح.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة