الدينار العراقي ضحية الصراعات.. بغداد تتحرك بخطة إنقاذ أمريكية
على إيقاع ضغط شعبي واقتصادي مضطرب تتحرك حكومة العراق في اتجاهات عدة للسيطرة على تدهور العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي.
وتسبب ارتفاع قيم صرف الدولار أمام الدينار العراقي في إصابة الأسواق المحلية بحالة من الركود وتراجع كبير في القدرة الشرائية بعد تسجيل غلاء في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بنحو 20%.
أسباب انهيار الدينار العراقي
وتأتي أزمة تهاوي الدينار أمام الدولار عقب قرارات فرضها البنك الفيدرالي والخزانة الأمريكية في الثلث الأخير من العام الماضي، تضمنت مطالبة سلطات بغداد المالية بتطبيق آليات كان حتى وقت قريب مستثنى منها النظام المصرفي في العراق.
وكانت الخزانة الأمريكية قد دعت وفي أكثر من مرة السلطات العراقية المختصة بضرورة وضع لوائح وضوابط تحد بموجبها عمليات غسل الأموال وتهريب العملة الأجنبية نحو إيران .
الخبيرة الاقتصادية العراقية، الدكتورة سلَامة سميسم، قالت لـ"العين الإخبارية"، إن "الولايات المتحدة وعبر البنك الفيدرالي والخزانة الأمريكية لجأت إلى الدخول بشكل مباشر لحماية عملتها من الاستنزاف والتهريب في العراق بعد لم لمس القدرة والجدية من سلطات بغداد في تطبيق إجراءات من شأنها تحصين المصارف والبنوك من عمليات بيع الدولار وتهريبها نحو الخارج".
هل سقط الدينار العراقي بفعل فاعل؟
وأضافت: "الأزمة الحالية تتطلب جهودا كبيرة على مستوى العلاقات الاقتصادية الدولية بما يؤسس لتفاهم وحوار بناء بين بغداد وواشنطن بشأن تطبيق إجراءات بيع العملة ومسار الحوالات الخارجية حتى يستطيع العراق ضبط أنظمته دون إحداث أي أزمة جديدة".
وتفرض إجراءات الخزانة الأمريكية على البنوك العراقية أن تقدم طلبات التحويلات بالدولار عبر منصة إلكترونية جديدة مع البنك المركزي، ثم يقوم البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، بمراجعتها.
وتتطلب المنصة الإلكترونية تقديم تفاصيل كاملة عن العملاء ممن يرغبون بتحويل الأموال والجهات المستفيدة في نهاية المطاف والتي كان من غير الممكن تحقيقها أو كشفها قبل اعتماد تلك الآليات.
ربط الحوالات
المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أكد أن الضوابط التي وضعتها السلطات المالية في الولايات المتحدة (الفيدرالي والخزانة)، ربطت الحوالات الخارجية بالدولار الامريكي بطلبات العملة الأجنبية للمصارف الأهلية والتجار من خلال نافذة البنك المركزي العراقي وتحديداً الحوالات الخارجية.
ونوه صالح خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، إلى أن أكثر من 80% من طلبات تمويل التجارة الخارجية للقطاع الأهلي قد تم رفضها من قبل الفيدرالي الأمريكي بعد مراجعتها لعدم تكامل البيانات المطلوبة وعدم الإفصاح الكامل عن المستفيدين منها.
وضمن سياساته المالية يتم ضخ العملة الأجنبية من الدولار إلى الأسواق العراقية من قبل البنك المركزي عبر ما يسمى بـ"نافذة البيع"، من خلال تعاملاتها مع المصارف والبنوك والشركات والأشخاص.
وتتجه الاتهامات نحو "نافذة بيع العملة"، بالسيطرة عليها من قبل سماسرة وجهات سياسية نافذة تستخدمها لتمويل المليشيات والأنشطة المشبوهة ما يؤدي إلى استنزاف الدولار.
وكانت الخزينة الأمريكية أصدرت لائحة "سوداء"، في أواخر العام الماضي، حملت أسماء 4 مصارف عراقية بمنعها من دخول مزاد بيع العملة بعد رصد عمليات غسل أموال وتهريب للعملة.
ونتيجة لغياب الرقابة وضعف الآليات والإجراءات المتبعة في مختلف المؤسسات الحكومية يصنف العراق ومنذ سنوات ضمن قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم.
الدولار في العراق.. الوجه الآخر للفساد
وتمثل قضية العملة الأجنبية، أحد أبرز وجوه ذلك الفساد بما يسهم في تمويل الكثير من الأنشطة المشبوهة والجهات ذات الارتباط الإقليمي المسلح ضمن عمليات ماتعرف بتهريب وغسل للأموال.
وأمس الأثنين، وعلى وقع الحشد لتظاهرة بالعاصمة بغداد احتجاجاً على الارتفاع المتصاعد للدولار، أصدر رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، موافقة على طلب محافظ البنك المركزي بالإعفاء من المنصب وكذلك إحالة مدير المصرف التجاري TBI، إلى التقاعد.
قرارات مؤثرة
وسبقها قبل ذلك إصدار 7 قرارات خلال اجتماع مع أصحاب الغرف التجارية، من بينها فتح نافذة بيع جديدة للتجار الصغار من خلال تمويل البنك المركزي للمصرف العراقي للتجارة (TBI) بمبلغ إضافي قدره 500 مليون دولار أمريكي لغرض فتح الاعتمادات المستندية الخاصة بذلك الأمر.
ويرصد مراقبون ومختصون بالشأن الاقتصادي الإجراءات الـ7 التي اتخذها السوداني بأنها غير قادرة على تثبت سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي كون أن الأمر بات خارج السيطرة الداخلية.
وخلال الأسبوع الماضي، قامت السلطات العراقية عبر قوة من الأمن الاقتصادي بمداهمة البورصات الرئيسية في بغداد وعدد من المحافظات بهدف اعتقال المضاربين من تجار العملة.
تزامن ذلك مع نصب أجهزة الأمن كمائن على الطرق الخارجية التي تربط بين المحافظات لرصد حالات تهريب العملات الأجنبية ومحاسبة المضاربين، بحسب بيان رسمي لوزارة الداخلية العراقية.
عضو لجنة الاستثمار والتنمية النيابية، محمد الزيادي، أكد أن "المعالجات لإيقاف التدهور الحاصل للدينار العراقي تجري على قدم وساق من بينها ضبط رؤوس الأموال، وضبط عمل المصارف والبنوك، ولكن الأمر يتطلب المزيد من الوقت".
وأضاف الزيادي لـ"العين الإخبارية"، أن "ما يحدث من تخبط واضطراب يأتي نتيجة لسياسات خاطئة ورثناها ما بعد 2003، وتجذرت بشكل كبير لذا فعملية الاستئصال لها ارتدادات كبيرة بفقدان السيطرة على حركة الصرف ولكن لوقت قصير جدا".
منافذ بيع العملة في العراق
وبشأن الضوابط التي دخلت حيز التنفيذ على منافذ بيع العملة في العراق، يؤكد الزيادي، أن "ذلك ليس بجديد كون الإجراءات المنصوص عليها من قبل الخزانة والفيدرالي الأمريكي كانت أوجدتها قبل سنوات ولكن الجديد في الأمر أن حكومة السوداني ارتأت المضي بها لتحصين اقتصاد البلاد ومنع منافذ الفساد".
ومن المتوقع أن يجري رئيس الحكومة محمد السوداني، زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في غضون الأيام القليلة المقبلة حيث ستتضمن مناقشة أسعار صرف الدولار واتفاقية الإطار الاستراتيجي بحسب وزارة الخارجية العراقية.
aXA6IDUyLjE1LjIyMy4yMzkg جزيرة ام اند امز