«المجلس السياسي الوطني».. مظلة لسنة العراق على غرار «الإطار التنسيقي»
تطور بارز شهدته الساحة السياسية العراقية بإعلان القوى السنية الفائزة في الانتخابات عن تشكيل "المجلس السياسي الوطني".
الكيان الجديد يُنظر إليه باعتباره مظلة جامعة تهدف إلى إعادة تنظيم البيت السني وتنسيق المواقف بين مكوناته خلال المرحلة المقبلة.
وجاء الإعلان عقب اجتماع موسع عقد في بغداد بدعوة من زعيم "تحالف السيادة" خميس الخنجر، حضره قادة الكتل والأحزاب السنية الرئيسية، من بينها تقدم، السيادة، العزم، الحسم الوطني، وحزب الجماهير، إضافة إلى قيادات سياسية بارزة مثل محمد الحلبوسي ومثنى السامرائي وأحمد الجبوري.
ومن خلال مراجعة قوائم نتائج الانتخابات، فإن الأحزاب السنية المعروفة عدا التحالفات مع القوى الأخرى، حصلت على 77 مقعداً من أصل 329، وتصدر حزب "تقدم" والقوائم الرديفة بزعامة الحلبوسي المركز الأول بين القوى السياسية السنية بحصوله على 33 مقعداً.
وحصل تحالف العزم على 15 مقعداً واحتل المركز الثاني بين القوى السنية، فيما حصل تحالف "السيادة" على 9 مقاعد، وتحالف "الحسم" بزعامة وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي على 6 مقاعد، وحزب "الجماهير الوطنية" بزعامة أحمد الجبوري على 3 مقاعد.
كما حصلت أحزاب أخرى منها " تحالف نينوى لأهلها" على 3 مقاعد، حزب التفوق 3 مقاعد، الجبهة التركمانية حصلت على مقعدين، أما التحالف العربي والمشروع العربي والهوية الوطنية فحصل كل منها على مقعد واحد.
ويُعد تشكيل هذا المجلس خطوة تعكس رغبة واضحة لدى القوى السنية في تجاوز حالة التشتت التي رافقت عملها خلال الدورات السابقة.
وبحسب البيان الصادر عن المجتمعين، فإن الدافع وراء هذه المبادرة هو استشعار حجم التحديات التي يمر بها العراق، وضرورة توحيد الرؤية والمواقف إزاء الملفات الوطنية، ولا سيما تلك التي تمس المحافظات ذات الغالبية السنية التي ما تزال تواجه تحديات أمنية وخدمية وسياسية متراكمة.
ووفق ما جاء في البيان، فإن المجلس السياسي الوطني سيكون بمثابة الإطار التنظيمي الذي ينسق القرارات ويوحد المواقف بين القوى المختلفة، ويهدف إلى تعزيز التمثيل السني في مؤسسات الدولة والحفاظ على الحقوق الدستورية للمكوّن.
كما أكد المجتمعون أن المجلس سيكون منفتحًا على جميع الشركاء الوطنيين، ضمن رؤية تؤكد الالتزام بوحدة العراق واستقراره وحماية حقوق جميع مكوّناته.
ويُنتظر أن تعقد مكونات المجلس اجتماعات دورية ومنتظمة طيلة الدورة النيابية السادسة، في محاولة لترسيخ العمل المؤسسي المشترك وعدم الاكتفاء بالتحالفات الظرفية.
ويحمل هذا الإعلان رسائل متعددة في هذا التوقيت، فالمجلس الجديد يُنظر إليه على أنه يشكّل النسخة السنية الأقرب إلى الدور الذي يلعبه "الإطار التنسيقي" داخل البيت الشيعي، بما يعزز موقع القوى السنية في التفاهمات السياسية المقبلة، سواء المتعلقة بتشكيل الحكومة أو توزيع المناصب العليا.
وأكدت القيادات المجتمعة أن تشكيل المجلس يمثل خطوة مسؤولة نحو مرحلة جديدة من التنظيم السياسي، داعيةً جمهورها إلى دعم هذه المبادرة بوصفها مساراً يعزز الاستقرار ويرتقي بالأداء السياسي، ويتيح للمكوّن السني حضوراً أقوى في مسارات صنع القرار الوطني.
وبذلك يفتح المجلس السياسي الوطني فصلاً جديداً في مسار التمثيل السني، وسط توقعات بأن يكون لاعبًا رئيسيًا في رسم ملامح التفاهمات السياسية خلال المرحلة المقبلة.
كما يعكس التوجه الجديد رغبة في التخلص من الصراعات بين الزعامات السنية التي أثرت في السنوات الماضية على وحدة القرار وعلى قدرة ممثلي المكوّن على التفاوض من موقع قوة.
خطوة لافتة
وقال المراقب السياسي هلال الأنباري لـ"العين الإخبارية"، إن إعلان القوى السنية عن تشكيل المجلس السياسي الوطني يمثل «خطوة لافتة» في توقيتها ودلالاتها، خصوصاً بعد اجتماع قادة الكتل السنية الفائزة في الانتخابات.
وأوضح الانباري أن أهمية هذه الخطوة تكمن في قدرتها على توحيد الموقف السياسي وتنسيق الرؤى بين القوى الفاعلة، بما يضمن حضوراً أكثر انسجاماً داخل البرلمان وخلال مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة.
وأضاف أن المجلس الجديد، في حال نجاحه في ترسيخ آليات عمل مشتركة ومنتظمة، يمكن أن يتحول إلى رافعة سياسية تحمي الاستقرار والحقوق الدستورية للمكوّن السني خلال الدورة النيابية السادسة.
ورأى الجميلي أن التوجه نحو بناء مظلة جامعة "يُحسب للقوى التي فضّلت جمع الصف على حساب استمرار حالة التشتت التي أثرت في السنوات الماضية على فاعلية القرار السياسي السني"، لافتاً إلى أن المرحلة المقبلة ستختبر قدرة المجلس على التحول من بيان تأسيسي إلى ممارسة سياسية عملية وموحدة.
إطار مرجعي
من جانبه، رأى الباحث السياسي مهند سالم الراوي، أن تشكيل المجلس السياسي الوطني للقوى السنية يمثل "إعادة هندسة للبيت السني داخل نظام توافقي طائفي راسخ في العراق".
واعتبر الراوي في حديثه لـ"العين الإخبارية"، أن هذه الخطوة تعكس محاولة واضحة لبناء إطار مرجعي سني موازٍ لـ"الإطار التنسيقي" لدى القوى الشيعية، بما يعزز تموضع المكوّن السني في معادلة الحكم.
وأشار إلى أن بروز مثل هذه المظلات الجامعة يؤكد تعمق منطق الديمقراطية التوافقية في البلاد، حيث تتجه القوى السياسية إلى إنشاء مراكز قرار متوازنة تشرف على إدارة العملية السياسية من خلال مجالس فوق حزبية تتولى تنسيق المواقف وصياغة القرارات الكبرى.
وأضاف أن نجاح "المجلس السياسي الوطني" سيعتمد على قدرته في الانتقال من إطار جامع رمزي إلى مؤسسة سياسية فاعلة تملك تأثيراً قابلاً للقياس في مسار تشكيل الحكومة وصناعة القرار التشريعي خلال المرحلة المقبلة.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI0IA== جزيرة ام اند امز