السوداني و«الإطار التنسيقي».. طريق وعر لولاية ثانية في العراق
في معركة حول ولاية ثانية برئاسة وزراء العراق هي الأكثر تعقيدًا منذ عام 2003، يجد رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد شياع السوداني نفسه في لحظة بالغة الحساسية.
فالسوداني، زعيم ائتلاف الإعمار والتنمية الفائز بالأكثرية في الانتخابات البرلمانية، تتقاطع طموحاته بالحسابات المعقدة لتحالف الإطار التنسيقي الذي قاده إلى السلطة في الولاية الأولى.
ورغم إعلان السوداني من دهوك شمال العراق استعداده لتحمّل "مسؤولية الولاية الثانية"، فإن الطريق نحو التجديد يبدو محفوفًا بالتعقيدات، خلافًا لما كان يُروّج له مقربون منه قبل الانتخابات. فنتائج الاقتراع، وما تلاها من تحالفات داخل البيت الشيعي، أنتجت خريطة سياسية جديدة لا تمنح أي طرف القدرة على فرض خياراته منفردًا.
قبضة على الزمام
وعلى الرغم من تصدّر تحالف "الإعمار والتنمية" بقيادة السوداني نتائج الانتخابات بـ46 مقعدًا، فإن هذا التفوق لا يكفي وحده لضمان قيادة الحكومة الجديدة، إذ نجح الإطار التنسيقي في توسيع نفوذه إلى ما يقارب 120–140 مقعدًا عبر تحالفات تشمل ائتلافات وتيارات أبرزها "بدر"، و"صادقون"، و"الحكمة"، و"دولة القانون"، إضافة إلى قوى حليفة أخرى.
هذا التراكم العددي يجعل الإطار الطرف الأكثر تأثيرًا في صياغة شكل الحكومة المقبلة، لا سيما وأن تجربته في انتخابات 2021، حين امتلك 84 مقعدًا فقط، أثبتت قدرته على تعطيل الفائز الأكبر وإعادة هندسة المشهد السياسي لصالحه. وبذلك، يجد السوداني نفسه بحاجة إلى إعادة هندسة علاقته بالإطار نفسه قبل التفكير في أي تفاهمات خارجية.
ورقة قوة أم نقطة ضعف؟
وأثار إعلان السوداني عودته رسميًا إلى الإطار التنسيقي نقاشًا واسعًا حول أثر هذه الخطوة على حظوظه في الولاية الثانية. فبينما يرى بعض المراقبين أنها تعزز موقعه داخل الكتلة الأكبر، يرى آخرون أنها أنهت فعليًا فرصه في التجديد.
وقال الأمين العام لحركة "نازل آخذ حقي" الديمقراطية المتحالفة مع السوداني، مشرق الفريجي، إن تحالف "الإعمار والتنمية" جزء من الكتلة الأكبر التي أعلنها الإطار التنسيقي، مؤكّدًا تشكيل لجان مشتركة لاختيار رئيس الوزراء. وأضاف الفريجي في حديثه لـ"العين الإخبارية": "حتى الآن، يبقى السوداني الأكثر حظًا، ولا يوجد أي حديث رسمي عن مرشح بديل".
وأعلنت كتلة الإطار التنسيقي، ذات الأغلبية الشيعية، قبل يومين أنها أصبحت رسميًا الكتلة الأكبر داخل البرلمان، بعد اجتماع ضمّ جميع أحزابها. وشكّلت الكتلة لجنتين: الأولى لإعداد رؤية وطنية موحّدة للحكومة، والثانية لمقابلة المرشحين لمنصب رئيس الوزراء. وأكدت أنها ستمضي في اختيار مرشح لرئاسة الحكومة وفقًا للإجراءات الدستورية.
وأشار الإطار إلى أن اجتماعه بحث أيضًا "المعايير المعتمدة لاختيار رئيس الوزراء، وطبيعة البرنامج الحكومي المطلوب بما يتناسب مع التحديات السياسية والاقتصادية والخدمية التي يواجهها العراق، وبما يلبي تطلعات المواطنين في الإصلاح والاستقرار والتنمية".
في المقابل، يرى المحلل السياسي عادل الجبوري في حديثه لـ"العين الإخبارية" أن عودة السوداني إلى الإطار أنهت دوره في سباق الولاية الثانية، لأن قادة الإطار – بحسب قوله – قد حسموا موقفهم قبل الانتخابات برفض التجديد له. ويضيف الجبوري أن السوداني "أخلّ بالاتفاق" الذي سبق تشكيل الحكومة الحالية، بعد أن ترشّح للانتخابات وأسّس كيانًا سياسيًا، وهو ما دفع الإطار إلى التفكير بترشيح شخصية جديدة لرئاسة الوزراء ضمن الشروط القديمة نفسها.
"ليس طموحًا شخصيًا"
في خطاباته الأخيرة، قدم السوداني دفاعًا واضحًا عن سعيه للولاية الثانية، معتبراً أن بقاءه في المنصب "ليس طموحًا شخصيًا، بل استحقاقًا انتخابيًا". وأكد خلال ندوة في منتدى السلام والأمن في دهوك أن فوز تحالفه بالمرتبة الأولى "يضعه أمام مسؤولية استكمال مشروعه الحكومي"، مشيرًا إلى تقدم ملموس في الملفات الاقتصادية، خصوصًا خفض البطالة من 17% إلى 13%، وتوسيع مشاركة القطاع الخاص.
كما شدّد على أن الحكومات العراقية السابقة لم تُشكّل وفق وزن النتائج الانتخابية، لكن "المعادلة تغيرت هذه المرة بفعل تفاهمات البيت الشيعي".
ورغم التكهنات بأن الإطار قد يدفع برئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي كرئيس محتمل للحكومة، فإن ائتلاف النصر نفى بشكل قاطع وجود أي ترشيح رسمي. وقال المتحدث باسم الائتلاف، أحمد الوندي، إن النقاشات داخل الإطار تدور حول "معادلة الحكم" وليس حول أسماء المرشحين، موضحًا أن المرحلة المقبلة تواجه تحديات مالية وجيوسياسية كبيرة تتطلب إدارة منسجمة ورؤية شاملة، لا "تجريبًا أو مغامرة غير محسوبة".
سيناريوهات تشكيل الحكومة
وفي سياق متصل، كشف مصدر سياسي مطلع لـ"العين الإخبارية" أن المشاورات الجارية داخل الإطار التنسيقي ومع القوى الحليفة أفرزت ثلاثة سيناريوهات محتملة لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، وذلك بعد ساعات من إعلان الإطار نفسه تشكيل "الكتلة النيابية الأكبر" داخل البرلمان الجديد.
وقال المصدر إن النقاشات ما زالت في مراحلها الأولى، إلا أن ملامح الخيارات بدأت تتضح على النحو الآتي، موضحًا أن تجديد الولاية للسوداني يبقى خيارًا مطروحًا من قبل تيار قوى الدولة الوطنية بزعامة عمار الحكيم، لكنه "ليس السيناريو الأقوى"، مشيرًا إلى أن تحقيقه مرتبط بثلاثة شروط رئيسية: "قبول قادة الإطار التنسيقي بترشيحه مجددًا، وتقديم السوداني ضمانات بعدم تكرار الخلافات التي رافقت فترة ولايته الأولى، خاصة ما يتعلق بخوض الانتخابات وتأسيس كيان سياسي، وحصوله على دعم سني وكردي متماسك داخل البرلمان". وأضاف المصدر أن "المعطيات الحالية لا تشير إلى تماسك داخل الإطار حول هذا الخيار"، رغم احتفاظ السوداني بشعبية سياسية وانتخابية لدى بعض القوى.
السيناريو الثاني: شخصية توافقية جديدة
وبيّن المصدر أن هذا السيناريو يعد "الأكثر ترجيحًا" داخل الدوائر السياسية للإطار، موضحًا أن المرشح الجديد يجب أن يلتزم بضوابط سبق الاتفاق عليها عام 2022، وهي: عدم المشاركة في الانتخابات الأخيرة، وعدم تأسيس أو تبنّي كيان سياسي، والالتزام بإدارة الحكومة ضمن منهج "الإجماع الشيعي" وعدم الانفراد بالقرار. وأشار إلى أن "عدداً من أسماء القيادات السياسية مطروح داخل الكواليس، لكن لم يُحسم أي منها حتى الآن".
السيناريو الثالث: صفقة ثلاثية
وبحسب المصدر، فإن هذا السيناريو يقوم على التوصل إلى اتفاق شامل يضمن "اختيار رئيس وزراء يحظى بدعم الإطار والقوى السنية والكردية، والإبقاء على رئاسة الجمهورية بيد القوى الكردية، ومنح القوى السنية أدوارًا أوسع داخل الوزارات السيادية والخدمية بالإضافة إلى منصب رئاسة البرلمان". وقال المصدر إن "الضغوط الإقليمية والدولية قد تدفع نحو هذا الخيار لضمان تشكيل حكومة مستقرة وقادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية المقبلة".
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTU4IA==
جزيرة ام اند امز