تقرير حديث لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية حذر من سقوط العراق في حرب أهلية شرسة بين الفصائل المسلحة الشيعية.
حذر تقرير حديث لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية من سقوط العراق في حرب أهلية شرسة بين الفصائل المسلحة الشيعية.
وذكر التقرير أن العراق ما زال عرضة للتهديد، لأن النخبة الحاكمة أخفقت في معالجة الكثير من الأمور، ومنها تلبية أبسط الاحتياجات الأساسية للسكان الذين يعانون من الفقر المدقع وانعدام الأمن والخدمات، ومعالجة الانقسامات السياسية والاجتماعية.
يظهر لنا التنافس بين القوى الشيعية المختلفة على موارد الدولة، بما في ذلك عملية تشكيل الحكومة، وهذا التنافس يتحول بسرعة إلى لعبة خطرة، كما أن الفصائل الشيعية في العراق لا تستطيع الاستمرار في تقاسم موارد الدولة في الوقت الذي تقدم فيه وعودا فارغة لسكان ساخطين
يمكن إضافة معلومات أخرى؛ حيث إن المليشيات الشيعية أقوى من الجيش والقوات المسلحة العراقية، التي انهارت في مواجهة هجوم داعش في عام 2014 في سويعات بسيطة، وكذلك تهريب زعماء القاعدة وداعش من السجون العراقية إلى إيران أيام نوري المالكي رئيس حزب الدعوة الحاكم ورئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة لمدة ثماني سنوات عجاف، في أسوأ ما مر على تاريخ العراق ظلما وفسادا ومليشيات وطائفية وتبعية لإيران وجرائم مروعة يندى لها جبين الإنسانية.
إن دراسة واقع المليشيات يكشف عن كون المليشيات الشيعية لا تخضع لسيطرة الحكومة، لكنها متحصنة داخل مؤسسات الدولة وتستغل مواردها، بل هي أقوى من الحكومة وتتبع قاسم سليماني والقيادة الإيرانية، وهي أشبه بدولة داخل الدولة مثل حزب الله اللبناني المتحكم بدولة لبنان، ويتحركان (المليشيات العراقية واللبنانية) في الخارج مثل سوريا، تبعا للأوامر الإيرانية ويعلن قياداتها ذلك مثل نصرالله في لبنان، وفي العراق مثل هادي العامري زعيم مليشيات بدر، وقيس الخزعلي زعيم مليشيات عصائب أهل الحق، وأبومهدي المهندس (القيادي في حزب الدعوة) زعيم مليشيات حزب الله والمتهم بالإرهاب عالميا.
مثال ذلك مليشيات بدر (التي تم تشكيلها في الثمانينيات في إيران) وحاربت العراق مع القوات الإيرانية الغازية، والذي يتولى قيادة الشرطة الاتحادية ويسيطر على وزارة الداخلية العراقية، والمعروف أن وزير الداخلية قاسم الأعرجي من مليشيات بدر.
ويظهر لنا التنافس بين القوى الشيعية المختلفة على موارد الدولة، بما في ذلك عملية تشكيل الحكومة، وهذا التنافس يتحول بسرعة إلى لعبة خطرة، كما أن الفصائل الشيعية في العراق لا تستطيع الاستمرار في تقاسم موارد الدولة في الوقت الذي تقدم فيه وعودا فارغة لسكان ساخطين فاقدين لأبسط الخدمات والحقوق، حتى الماء والكهرباء في بلد غني ينعم سياسيوه بسرقة المليارات وتهريبها للخارج كما هو معروف.
المشكلة اليوم هي قوة الحشد الشعبي والمليشيات الطائفية، ليس فقط كقوة عسكرية بل سياسية أيضا، لدرجة دخولها الانتخابات الأخيرة وفوزها بالقائمة الثانية "الفتح" برئاسة هادي العامري لمليشيات بدر التابعة لولاية الفقيه، بعد قائمة "سائرون" بل ترشيحها محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان وفوزه رئيسا للبرلمان العراقي بدعم من إيران وقطر وتركيا فضلا عن دعم الإخوان المسلمين "الحزب الإسلامي" للحلبوسي.
وكان في تاريخ القوى الشيعية صراعات كثيرة، منها صراعات التيار الصدري مع القادمين مع الاحتلال الأمريكي-البريطاني، لا سيما عبدالمجيد الخوئي بن أبي القاسم الخوئي المرجع الفارسي في مدينة النجف، وتم قتل عبدالمجيد قرب مرقد الإمام علي بن أبي طالب من قبل تيار شيعي معروف. وصراعات التيار الصدري مع القادمين من إيران لا سيما المجلس الأعلى للحكيم، حيث قتل محمد باقر الحكيم في النجف عام 2003، وحزب الدعوة حيث كان الفرقاء في إيران يتهمون المرجع العربي "محمد الصدر" والد مقتدى بتبعيته للنظام البعثي وأسموه (الحكيم والدعوة والشيرازيون) في كتاباتهم لمحمد الصدر بـ"مرجع السلطة" وكانوا سببا في قتله عام 1999 والتخلص منه رغم إقامتهم مجالس العزاء عليه بعد شهادته، كما يقول العراقيون "يقتل البريء ويمشي في جنازته".
ولا ننسى صولة الفرسان لنوري المالكي ضد التيار الصدري في جنوب العراق، في أكبر صراع دموي شيعي-شيعي، كما لا يفوتنا ذكر الخلافات بين المرجعيات الفارسية التابعة لولاية الفقيه الإيرانية وبين المرجعيات العربية ذات الولاء الوطني والبعد عن إيران وولاية الفقيه، وتنافسا في الهيمنة وأخذ الأخماس، علما بأن أهمية العراق تفوق إيران كثيرا في تاريخ التشيع وأئمته وتاريخه وقيادته.
فهناك نظريتان في التشيع: الأولى هي التشيع العربي، حيث قادته من أئمة أهل البيت، لا سيما علي بن أبي طالب وولداه الحسن والحسين وأولاد الحسين، وهم عرب أقحاح من بني هاشم يتحابون ويتعايشون ويتزاوجون مع السنة دون تكفير أو لعن أوإفراط أو غلو، حيث تعايش الخلفاء الراشدون بتعاون وتآلف ومحبة حتى كانت المصاهرات وتسمية الأبناء بأسمائهم في محبة الصحابة والآل، بينما التشيع الفارسي الصفوي طارئ دخيل على التشيع ويحمل تراثا كبيرا في الكراهية والغلو والبدع والطقوس والثارات والانتقام حتى أن مرجعا عربيا معاصرا مثل "محمد حسين فضل الله" صدرت الفتاوى ضده من المراجع الإيرانيين مثل جواد التبريزي ووحيد الخراساني وفاضل النكراني وعلي السيستاني وتقي القمي ورضا الكلبيكاني وكاظم الحائري ومحمد الشاهرودي وحسين الهمداني ومحمد سعيد الطباطبائي وغيرهم مما تزيد على مائة فتوى، كونه "ضال مضل" وحرمة تقليده وأن كتبه ضلال، كما صدرت من قبل فتاوى المراجع الفرس ضد المراجع العرب مثل هاشم معروف الحسني ومحسن الأمين العاملي ومهدي الحيدري ومهدي الخالصي ومحمد الصدر ومحمد مهدي شمس الدين ومحمد جواد مغنية ومحمد رضا المظفر وغيرهم عشرات، راجع كتبنا "التشيع العربي والتشيع الفارسي" و"إيران من الداخل" و"الإمبراطورية الفارسية صعود وسقوط" و"التنوير والإصلاح الاجتماعي بين علي الوردي في العراق وعلي شريعتي في إيران".
لقد سعت إيران من خلال نفوذها في العراق الهيمنة على القرار العراقي، خصوصا القرار الشيعي واحتواء الخلافات الشيعية-الشيعية واستثمارها في مشروعها الإمبراطوري التوسعي، لكن بات العراق اليوم مستنقعا لا تقدر عليه حتى انتفضت البصرة وبغداد ضد الهيمنة الإيرانية لدرجة حرق قنصليتها في البصرة وكذلك حرق مقرات الأحزاب والمليشيات الطائفية التابعة لإيران، رافعين شعار "إيران برة برة"، وتغير المعادلة الدولية لتصنيف المليشيات الإيرانية كمليشيات إرهابية، فضلا عن مجيء إدارة أمريكية تؤمن بأن النظام الإيراني هو أكبر نظام إرهابي، وتقوم بإلغاء الاتفاق النووي وفرض العقوبات من الخزانة الأمريكية، إضافة إلى ضعف النظام الإيراني داخليا وخروج المظاهرات والاعتصامات ضده حتى انحدرت العملة الإيرانية إلى أدنى مستوياتها وبات الغلاء فاحشا، وتصارعت قيادات النظام على تقاسم المناصب وسرقة البلاد والعباد وفضح بعضهم بعضا، لينعكس ذلك على دول النفوذ ومنها العراق الذي لا بد من عودته إلى الحضن العربي الطبيعي، ولكن بعد ثمن باهظ ربما صراع بين القوى الشيعية التابعة لولاية الفقيه والقوى الشيعية العربية المعادية لولاية الفقيه، وهنا لا بد أن نعي جميعا أن العراق عربي وليس فارسيا وسيبقى عربيا رغم كثرة الاحتلالات عليه بين الفرس والترك، لكنه يعود عربيا وأقوى من السابق بل هو عمق العرب وبوابته الشرقية كما هو معروف.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة