واشنطن ومليشيا الحشد الشعبي.. من الغزل إلى العزل
تصريحات أمريكية تتوالى للمطالبة بإنهاء وجود مليشيا الحشد الشعبي في العراق تتناقض مع دور واشنطن في صناعتها خلال عهد بوش وأوباما
تحمل ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مفاجآت غير سارة لـمليشيا الحشد الشعبي المدعومة من إيران في العراق، تنتقل فيها العلاقة بين واشنطن وهذه المليشيا من مرحلة التحالف إلى الصراع على الوجود.
وتجلى الأمر بشكل مباشر في تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناورت، الخميس الماضي، التي وصفت فيها نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس بـ"الإرهابي".
وكشفت أن المهندس "تم إدراجه على قوائم الإرهاب من قبل الولايات المتحدة عام 2009".
وتأتي تلك التصريحات متسقة مع وصف مسؤولين بالإدارة الأمريكية مليشيا الحرس الثوري الإيراني (المسؤولة عن تدريب مليشيا الحشد الشعبي) بأنها إرهابية، مع مطالب بملاحقة الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري.
وأبومهدي المهندس أقام في إيران فترة طويلة، وانخرط خلالها في صفوف الجيش الإيراني في الحرب ضد جيش بلده العراق في حرب الثمانينيات، وما زال يفاخر بهذا الأمر وبانتمائه لمرشد إيران علي خامنئي، معتبرا أن وقوفه في صف طهران هو "الجهاد" المطلوب.
والمهندس، واسمه الحقيقي (جمال جعفر إبراهيم) نفذ تفجيرات في الكويت استهدفت السفارتين الأمريكية والفرنسية 1983 لصالح إيران.
من ناحيته، قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تليرسون الأسبوع الماضي إن الوقت حان كي تعود "الفصائل المدعومة من إيران إلى ديارها"، وكذلك مستشاروها الإيرانيون بعد أن أوشك تنظيم داعش الإرهابي على نهايته في العراق.
ومحاربة تنظيم داعش وغيره من تنظيمات إرهابية أبرز حجج مليشيا الحشد الشعبي لاستمرار وجودها في العراق.
وطالبت مليشيا الحشد على لسان المتحدث باسمها أحمد الأسدي من تيليرسون الاعتذار عن تصريحاته.
ودخل على الخط وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قائلا في تغريدة على تويتر 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري: "أي بلد بالضبط يعود إليها العراقيون الذين انتفضوا للدفاع عن ديارهم ضد "داعش"؟".
وسبق أن قال السفير الإيراني السابق في العراق حسن كاظمي قمي إن "الحشد الشعبي هو نموذج واضح للحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي العراقية".
ووصف قاسم سليماني، يوليو/تموز الماضي، الجيش العراقي بأنه صار "جيش حزب الله" بعد انضمام مليشيا الحشد الشعبي إليه، في إشارة إلى المدى الذي وصلت إليه هذه المليشيا التي صنعها.
الغزل القديم
هذه المواقف المتأزمة بين واشنطن ومليشيا الحشد الشعبي التي تجلت في عهد ترامب بداية من 2017 تتناقض صراحة مع المواقف الأمريكية قبل ذلك التاريخ، في عهدي سلفيه باراك أوباما وجورج بوش الابن.
فالعام الماضي كشف زلماي خليل زاد، السفير الأمريكي الأسبق في العراق في الفترة من 2005-2007، في كتبه ومنشوراته بعض أسرار تحالف الولايات المتحدة وإيران للإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وتهيئة العراق لعهد جديد يسمح فيه لطهران بحرية الحركة داخل البلد الجريح.
ومما جاء في مذكرات خليل زاده أن الإدارة الأمريكية في عهد جورج بوش الابن سمحت لقاسم سليماني بالدخول للعراق عام 2006، والمشاركة في ترتيبات ملف رئاسة الحكومة لتعيين شخصيات موالية لإيران، عبر تعيين نوري المالكي بدلا من إبراهيم الجعفري.
ونوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، من أبرز حلفاء إيران التي عاش فيها سنوات طويلة وشارك معها في الحرب ضد بلده العراق، وعقب عودته بعد الاحتلال الأمريكي أسهم في صناعة مليشيا الحشد مع قاسم سليماني، وأعطاها "شرعية" بأنها تحت إشراف الحكومة.
ويقول خليل زاده إنه شخصيا كان قلقا من تزايد نفوذ طهران، خاصة مع مشاركة الإيرانيين في التفجيرات التي تسببت في إشعال الفتن الطائفية بالعراق؛ في محاولة منها لتقديم نفسها للعراقيين الشيعة على أنها الحامي الوحيد لهم، وأن المليشيات (التي يصنعها الحرس الثوري الإيراني) هي المدافع عنهم.
وكانت فترة الاحتلال الأمريكي للعراق فترة خصبة لنمو المليشيات الموالية لإيران، وعودة معارضين عراقيين كانوا يعيشون في إيران في عهد صدام؛ ومنهم من أسهم في تشكيل مليشيا الحشد الشعبي مثل نوري المالكي وهادي العامري.
وفي مارس/آذار 2016، زار القنصل الأمريكي ستيف ووكر مصابي الحشد الشعبي في مستشفى الصدر التعليمي بالبصرة.
وخلال الزيارة، قال ووكر إن حكومة بلاده "تشيد بما قدمه الحشد الشعبي من جهد إلى جانب الجيش العراقي في تحرير المدن والمناطق العراقية من سيطرة تنظيم داعش". وفق ما نشرته فضائية "الحرة" الأمريكية.
وزاد على ذلك أن سلم المصابين هدايا، وقال إن واشنطن لا تضع أي فيتو (اعتراض) على مشاركة الحشد في تحرير مدينة الموصل من داعش، ردا على مطالب بعض المكونات العراقية آنذاك، مثل الأكراد، بعدم إشراك مليشيا الحشد في المعركة.
ودافع السفير الأمريكي في العراق ستيوارت جونز في يونيو/حزيران 2016 عن مشاركة الحشد الشعبي في الفلوجة، قائلا "إننا نحترم مساهمات الحشد في مواجهة داعش، إلا أنه يجب أن يكون وفق آلية تحت سيطرة الجيش".
وسيحدد مدى قدرة ترامب على الوفاء بوعوده في التصدى للخطر الإيراني شكل العلاقة القادمة بين واشنطن ومليشيا الحشد، وما إن كان الخلاف الحالي بينهما عابرا، أم سيتأصل تمهيدا لمرحلة ما بعد داعش، التي كانت أبرز حجج نمو هذه المليشيا.