نداء مليشيا الحشد الشعبي في مدن العراق: "دمروها تدميرا"
البعاج مثال جديد لنظام مليشيا الحشد الموالية لإيران في تدمير المدن لإجبار معظم السكان على عدم العودة تمهيدا لتغيير تركيبة السكان
تكاد تخلو مدينة البعاج من السكان، وعلامات الحياة الأبرز فيها لمليشيات الحشد الشعبي، فوسط الأطلال وركام المنازل المهدمة والمحلات المغلقة والسكون البارد ترفرف أعلام المليشيا التي شاركت في الاستيلاء عليها تحت شعار تحريرها من داعش.
هذا الوصف ما يظهره التقرير الميداني الذي أجرته صحيفة الجارديان في البعاج غرب الموصل وعلى الحدود العراقية مع سوريا، والتي أعلنت مليشيا الحشد الشعبي الطائفية الموالية لإيران سيطرتها عليها ضمن عشرات المدن والأقضية والقرى في الأشهر الأخيرة.
وأعلنت المليشيا سيطرتها على البعاج بالكامل أوائل يونيو/حزيران الجاري، معتبرة أن هذا "نصر استراتيجي" واحتفلت به؛ كون البعاج نقطة هامة في خطة إيران لتأمين طريق بري من طهران إلى لبنان عبر العراق وسوريا.
وقال أبو مهدي المهندس، نائب رئيس مليشيا الحشد الشعبي، للجارديان في مقابلة نادرة مع صحيفة أجنبية "إن البعاج هي آخر معقل لداعش... إنها كانت نقطة عبور عناصر داعش من تركيا إلى العراق في 2013-2014، دخلوا إلى البعاج وتلعفر.. إنها نقطة استراتيجية لقادتهم".
والمهندس من أبرز من شاركوا في حرب الخليج الأولى وكان في صف إيران ضد بلده العراق، وهو يفخر بذلك، كما يفخر بموالاته لثورة الخميني.
وتأكيدا على أهداف الحشد الشعبي في السيطرة على الأراضي والمدن التي يستولي عليها تحت ستارة الحرب على داعش قال قيادي آخر بالحشد: "لن نترك البعاج.. ستكون قاعدتنا الرئيسية في المنطقة".
وفي مطلع مايو/أيار قال قادة من الحشد إن الممر البري الإيراني سيوفر لطهران خط إمداد عبر العراق وسوريا وحتى داخل لبنان، والبعاج مركز رئيسي فيه، فمنها يعبر الطريق إلى منطقة الميادين بدير الزور السورية.
ومرت حافلات كبيرة تحمل جدرانًا أسمنتية متجهة لتحصين مبنى حكومي، قد يكون تابعًا للحشد أيضًا.
ووصف مراسل الجارديان الدمار شبه الكامل الذي وجد فيه محيط البعاج، وهو ما برره أبو مهدي المهندس بقوله: "هزمت القاعدة لكنها ما لبثت أن عادت باسم داعش، وإن لم ندمر كل هذه المنطقة لعاد التنظيم مجددا باسم جديد".
وفي جنوب البعاج بشكل خاص تظهر القرى والمدن وكأنها خرائب بعد أن تم إفراغها على عجل بحجة عدم إعطاء فرصة لعودة داعش، أي بنظام حرق الأرض.
ونظام تدمير المنازل وتفريغ المدن والقرى من السكان سمة أساسية في عمليات الحشد الشعبي الموالي لإيران في العراق.
ويواجه اتهامات في ذلك بأن الهدف ليس عدم عودة داعش، ولكن ضمان عدم عودة سكان المدن إلى منازلهم في إطار عملية تغيير تركيبة السكان التي تجري بهدف إحلال شيعة ووافدين من الخارج إلى تلك المدن؛ لتأمين الممر الإيراني، وحتى لا يكون ضمنه مدنًا غير موالية لإيران.
ونفس هذه التهم واجهها الحشد الشعبي في عملياته في الموصل والفلوجة وصلاح الدين وغيرها من المدن، وإن كان يدأب هو على نفيها ويقول إن هدفها تشويه صورته.
ومن ضمن من كشف هذا الأمر النائبة العراقية عن محافظة صلاح الدين، أشواق الجبوري، على سبيل المثال، والتي قالت إن مليشيا الحشد مسؤولة عن عدم عودة النازحين إلى ديارهم في مقاطعات المحافظة، على الرغم من مرور عام ونصف على "تحرير" منطقة بيجي.
كما لفتت إلى أن "هناك حالات سرقة ونهب وحرق وتدمير للبيوت في قضاء بيجي، وكل ذلك على يد فصائل الحشد الشعبي".
وتثير عمليات تخريب وتدمير المدن التي يسيطر عليها داعش تساؤلات حول دور إيران في دعم وجود تنظيمات مثل داعش لتكون مبررًا لإرسال ميليشيات أو تكوين ميليشيات شيعية في العراق وسوريا والسيطرة على مناطق بعينها.
ومع غياب مظاهر الحياة الطبيعية في البعاج، علت صور لمرشد إيران علي خامنئي، وهو يرسل تحياته لمليشيا الحشد الشعبي الموالية له، في إشارة إلى ما تراه إيران "نصرا" لها أن استطاعت احتلال مناطق واسعة في العراق.
كذلك انتشرت عبارات على جدران البعاج مثل "من الموصل إلى البعاج شكرا سليماني".
وسليماني هو قاسم سليماني قائد فيلق القدس في مليشيا الحرس الثوري الإيراني، وفيلق القدس هو المسؤول عن تشكيل وتدريب الميليشيات خارج إيران لتنفذ عمليات في بلدان المنطقة مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان تحول الأمور في تلك البلدان لصالح إيران.
وبالموازاة مع تقدم قوات الحشد الشعبي في العراق نحو الحدود السورية، تقدمت قوات أخرى موالية لإيران في سوريا نحو الحدود العراقية إلى أن التقت القوتان، هذا الأسبوع، على الحدود، وهو ما اعتبر لحظة فارقة في الحرب السورية وفي المعركة ضد "داعش"، وتجسيد جزئي للمخطط الإيراني في المنطقة، بحسب الجارديان.
وعن وجهة الحشد الشعبي بعد استكمال سيطرته على معظم شمال العراق والحدود ما بين سوريا والعراق والأردن قال المهندس: "طالما بقي هناك خطر في سوريا أو منطقة أخرى، فإن من واجب أي بلد يحترم نفسه أن يتوجه إلى حيث يوجد الإرهابيون، إن احتجنا إلى تنسيق بين الحكومتين العراقية والسورية فسيكون ذلك بمقدورنا، لكن يجب أن تأتينا الأوامر من الحكومة العراقية".
كذلك فإن الممر الإيراني البري محتمل أن يتغير مساره طبقا لمجريات المعارك.
وفي ذلك قال قادة في الحشد الشعبي إن ممرات أخرى محتملة يجري استكشافها أيضا، لأن انهيار داعش يغير بسرعة ساحة المعركة حول الحدود.
وكان الممر الإيراني يمر من طهران ويشق الحدود العراقية عبر بعقوبة في ديالي، ويسير في شمال العراق ليصل إلى البعاج الحدودية، ثم يخترقها إلى دير الزور في شمال سوريا حتى يصل إلى اللاذقية على ساحل البحر المتوسط.
ولكن في الفترة الأخيرة يتضح أن الممر سيمتد أيضا نحو دمشق ومنها ينزل جنوبا إلى لبنان.