تصفير الذاكرة.. هل يطوي العراق والكويت أزمات الماضي؟
خطوات سياسية تستبطن تحركات دبلوماسية مكثفة بين العراق والجارة الكويت، تجلت عبر دعوات رسمية لتبادل الزيارات.
تطورات يرى مراقبون ومعنيون بالشأن الإقليمي أنها تعبد الطريق نحو تجاوز أزمات الماضي، وتعمق الأواصر بين البلدين، فضلاً عن أهمية توقيتها في جوانب عدة، بينها السياسة والاقتصاد.
وأمس الخميس، سلم السفير العراقي لدى الكويت منهل الصافي رئيس الوزراء صباح الخالد دعوة من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لزيارة بغداد، مشدداً الحرص على "استثمار العلاقات الأخوية لما فيه الخير للبلدين".
- الكويت تتضامن مع العراق بأي إجراءات لحماية أمنه واستقراره
- الكويت تدين التدخلات العسكرية التركية والإيرانية في شمال العراق
وفيما أشاد رئيس الوزراء الكويتي بـ"عمق العلاقة التي تربط البلدين الشقيقين، وضرورة العمل على الارتقاء بها إلى مدى أوسع"، أكد في الوقت ذاته "تلبية الدعوة في أقرب وقت".
وفي وقت سابق، كشفت مصادر مقربة من الحكومة العراقية لـ"العين الإخبارية" عن جولة خليجية مرتقبة للكاظمي، تبدأ منتصف الشهر الحالي، وتشمل الجارتين الكويت والمملكة العربية السعودية.
وتتزامن تلك الأنباء مع تسلم الرئيس العراقي برهم صالح دعوة رسمية من السفير الكويتي لدى العراق سالم الزمانان، للقاء أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح.
تجاوز الماضي
ويفرض العامل الاقتصادي في المرحلة الراهنة، إضافة إلى مواثيق حسن الجوار والوشائج الاجتماعية العربية بين الجارتين العراق والكويت، العض على الجراح ونسيان الماضي، كما يقول الصحفي والمحلل السياسي العراقي حمزة مصطفى.
وفي حديث لـ"العين الإخبارية" قال مصطفى "رغم ما تعرضت له الكويت في ليل أغسطس/آب قبل ثلاثين عاماً ليس بالسهل نسيانه، غير أن الكويتيين أثبتوا، حكومة وشعباً خلال السنوات الماضية، أنهم كرام النفوس وأهل للصفح والمغفرة".
ومستدركاً بالقول إن "مؤتمر المانحين للعراق شاهد على صدق نواياهم وجديتهم في إسدال الستار على التاريخ السيئ".
ورعت الجارة الكويت، في فبراير/شباط 2018، مؤتمراً للدول المانحة في مجال إعمار العراق جراء الأضرار البالغة التي لحقت بالمباني التحتية والمدن التي سيطر عليها تنظيم داعش قبل 6 سنوات، بلغت فيه التعهدات الدولية بتوفير نحو 30 مليار دولار.
وربط المحلل السياسي نبيل عزام تلك التطورات على المستوى الدبلوماسي بالمنهج السياسي وبرنامج إدارة العلاقات التي يعتمده رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تحديد وجه العراق الخارجي، وشكل التعاطي مع الملفات الإقليمية عبر ما يعرف بـ"سياسة الباب المفتوح".
وسبق أن أشار الكاظمي، خلال زيارة رسمية لوزير الخارجية الكويتي أحمد ناصر الصباح إلى بغداد في يونيو/حزيران الماضي، إلى أن البلدين "لديهما فرصة تاريخية لتطوير العلاقات الثنائية، والتحرر من مخاوف الماضي".
ويتابع عزام في حديث لـ"العين الإخبارية" أن "العلاقات مع الجارة الكويت قطعت شوطاً طويلاً في مجال التقارب والتفاهمات المشتركة خلال السنوات التي تلت عام 2003".
ولفت إلى أن العلاقات "في تطور مستمر، رغم أن هناك إرادة إقليمية ودولية تحاول وضع العصا في دولاب ذلك الحراك، خوفاً من عودة العراق إلى الحاضنة الخليجية وهو ما يتقاطع مع مصالح طهران وأذرعها المسلحة في المنطقة".
ذاكرة وقطيعة
وشهدت العلاقات الكويتية العراقية قطيعة دبلوماسية استمرت نحو 13 عاماً، بعد اجتياح الكويت من قبل نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين.
ولم تنجح أحداث أبريل/نيسان 2003 التي أسقطت النظام العراقي السابق في تحريك المياه الراكدة في مجرى العلاقات بين البلدين، خصوصا أن الكثير من الملفات العالقة التي ترتبت على احتلال الكويت تركت آثارها على مستوى وطبيعة العلاقات الثنائية.
وبعد إدانات دولية وأممية للغزو العراقي للكويت، أصدر مجلس الأمن الدولي نحو 53 قراراً بحق نظام صدام حسين، بدءاً من عام 1990 وحتى 2003، وضعت بغداد بموجبها تحت طائلة البند السابع.
وفي 1991، تشكلت لجنة أممية للتعويضات ألزمت بغداد بدفع 52.4 مليار دولار تعويضا للأفراد والشركات والمنظمات الحكومية وغيرها، ممن تكبدوا خسائر ناجمة مباشرة عن غزو واحتلال الكويت.
وقضى القرار بأن يودع العراق نسبة 5% من عائدات صادراته من مبيعات النفط ومنتجاته والغاز، في صندوق أممي تم إنشاؤه تحت اسم صندوق الأمم المتحدة للتعويضات، وسددت بغداد حتى الآن نحو 48.7 مليار دولار، بحسب تقرير سابق للأمم المتحدة.
الجليد يذوب
واستأنف العراق علاقته الدبلوماسية بشكل رسمي مع الكويت في عام 2004، عقب زيارة رئيس الوزراء العراقي حينها إياد علاوي إلى الكويت، ولقائه أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد.
فيما لم تصل تلك العلاقات إلى مستوى التمثيل الدبلوماسي حتى مارس/آذار 2010.
وتبادل الكويت مع العراق زيارات رسمية بتمثيل عال، في سبتمبر /أيلول 2010، بعد زيارة رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر الصباح إلى بغداد، وكانت تلك الزيارة الأولى من نوعها لمسؤول كويتي رفيع منذ عام 1990.
وفتحت تلك الزيارات وتبادل التمثيل الدبلوماسي الشهية السياسية للبلدين بشكل أكثر حرارة وأقل خجلاً، وهو ما تجلى في تحركات رفيعة لوفود عالية المستوى، والزيارة التاريخية للشيخ صباح الأحمد جابر الصباح إلى العراق عام 2012، وحضوره "قمة بغداد".