تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. تفكيك لوحدة المجتمع
توقيت طرح مقترح القانون يشير إلى المصالح السياسية البحتة التي تسعى بعض العناصر الإخونجية داخل البرلمان العراقي إلى تحقيقها.
على الرغم من الأزمة السياسية المشتعلة بين حكومتي بغداد وكردستان، فإن مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية تصدّر المشهد العراقي.
وقبل أسبوعين قدم البرلمان مقترح تعديل لقانون الأحوال الشخصية العراقي، مطالبًا بتغييرات جذرية في حقوق الزوجة وطبيعة العمل بالاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، الأمر الذي رفضه المجتمع من جمعيات حقوقية ونقابات وشخصيات عامة.
وقال الباحث المتخصص في الشأن العراقي نعمان المنذر: "توقيت طرح مقترح القانون يشير إلى المصالح السياسية البحتة التي تسعى بعض العناصر الإخونجية داخل البرلمان لتحقيقها"، واصفا المقترح بالدعاية الانتخابية البحتة، خصوصاً أنه قُدم عقب تحديد موعد الانتخابات البرلمانية العامة في مايو/ أيار المقبل.
من مدنية الدولة إلى الطائفية
أشار المنذر في تصريحاته مع "بوابة العين الإخبارية" إلى أن دعوات تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي ليست جديدة، إذ طالب الحزب الإسلامي التابع لتنظيم الإخوان الإرهابي في العراق بتعديلات على بنود قانون الأحوال الشخصية في السنوات الماضية.
وفي الوقت نفسه، أوضح أن دعوات ملاحقة بعض التيارات والفصائل السياسية في محافظة الأنبار يزيد من رغبتهم في إدخال تعديلات على القانون.
ويعد قانون الأحوال الشخصية العراقي 188 لعام 1959 من أكثر القوانين التي تكرس مدنية ووحدة المجتمع في الشرق الأوسط، نظرًا للجوء إلى المحكمة والجهات المختصة للفصل بين الزوجين في الطلاق وإبرام عقود الزواج.
وينص القانون على أن المحكمة هي الجهة المختصة لإتمام عقد الزواج لجميع الديانات والطوائف بالعراق، بينما يسعى مقدمو مقترح التعديل إلى إلغاء هذه الفقرة وإبرام العقد وفقًا لكل طائفة ومذهب ديني.
وتابع الباحث العراقي بقوله: "العقد الرسمي في الزواج بالعراق يتم في إطار الكيان المؤسسي والدولة، بينما تعد هذه التعديلات المطروحة محاولات لإفساد جميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي صدق عليها العراق من قبل".
ويلزم القانون العراقي الزوج بإبلاغ الزوجة والحصول على موافقتها في حال الزيجة الثانية، إضافة إلى مراعاة حقوقها في سكن الزوجية وإرث الأراضي والتعويض في حال الطلاق التعسفي، ولكن يتم إلغاء هذه الحقوق بموجب التعديل وتحرم الزوجة من حقوقها في الطلاق التعسفي والميراث.
وأضاف المنذر: "القانون يسمح بالزواج الثاني ولكن بقيود مشروطة، وغير مسموح للزوج إتمام زواجه الثاني دون موافقة الزوجة الأولي"، مؤكدا أن هذه التغييرات المطروحة هي بمثابة تشويه لصورة المجتمع ومدنية الدولة.
وتضمن المقترح أيضا تعديل سن الزواج من الثامنة عشرة إلى أقل من التاسعة وإيقاف العمل بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان الجزء الأساسي من النظام التشريعي بالعراق، ما يكرس لفكرة الزواج من القاصرات بغطاء قانوني مشوه بحسب تفسير الباحث العراقي.
إشارات مطمئنة
أعلن البرلمان العراقي الموافقة من حيث المبدأ على التعديل بالجلسة التي عقدت في بداية الشهر الجاري، ما أثار انتقادات واسعة من قبل الجمعيات والنقابات في بغداد وكردستان.
ورأى نعمان المنذر أن هناك إشارات مطمئنة على مسار قانون الأحوال الشخصية وضمانة لعدم تمرير هذه التعديلات المقترحة، مستندا إلى الموقف الرافض للمقترح من قبل المؤسسات والنقابات والرموز النسائية خلال الأيام الماضية.
وفي بيان لها، رفضت نقابة المحامين العراقية المقترح، مطالبة البرلمان بسحب مقترح قانون الأحوال الشخصية نظرا لتكريسه الهوية الطائفية على حساب مبادئ المواطنة ووحدة المجتمع.
وأكد أعضاء النقابة أن تطبيق هذا التعديل يتسبب في خسارة المرأة العراقية للحقوق المكتسبة بموجب القانون النافذ للأحوال الشخصية، خصوصاً أن المقترح يلغي مبدأ المساواة أمام القانون، ودور المحاكم في الزواج والطلاق.
ووصفت عضوات لجنة المرأة والأسرة والطفولة بالبرلمان المقترح بـ"الانتكاسة الحقيقة للمرأة العراقية"، خاصة فيما يتعلق بتعديل سن الزواج والمادة 41 من الدستور التي تنص على أن "العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك وفقا للقانون".
ولم تختلف مواقف السيدات الكرديات عن المواقف السابقة، ورفضن التعديل المقدم من قبل البرلمان عبر تنظيم وقفات احتجاجية في شوارع العراق.
وأعلن تحالف القوى العراقية رفضه لمسودة تعديل القانون، مؤكدا أن المرحلة المقبلة تتطلب تشريع قوانين ذات بعد اجتماعي وسياسي تصالحي من أجل تعميق الثقة والتلاحم والوحدة دون الترسيخ للاختلاف المذهبي والذي يؤثر سلبا على وحدة المجتمع.
وفي الوقت نفسه، أكد المنذر أن تمرير تعديلات القانون لن يتم إلا في حال موافقة المحكمة الاتحادية العليا بعد الحصول على موافقة الأغلبية على القانون.