المليارات التي تم تهريبها من العراق ومن لبنان، هي بالذات التي تجعل النظام هنا وهناك غير قابل للحياة.
إذا كانت المليشيات التابعة لإيران تعمل عمل المافيا، فما من مافيا تخلت عن سلطتها بسبب احتجاجات، وهي غالبا ما تقاوم من يعارضها بالموت والترهيب.
وهذا هو الحال بالضبط في العراق اليوم، حيث تمارس سلطة المليشيات أعمال القمع لتحمي نفسها وما تتقاسمه من منهوبات، وهي لا تفعل ذلك بمفردها، فما إن برز للمرجعيات الدينية الإيرانية أن التظاهرات تطالب بإسقاط النظام حتى وجدت نفسها تدعم الذين يطلقون النار على المتظاهرين العزل، وبدأت الافتراء حتى على المطالب التي قالت من قبل إنها تؤديها.
المليارات التي تم تهريبها من العراق ومن لبنان، هي بالذات التي تجعل النظام هنا وهناك غير قابل للحياة، مع ذلك، فان العصابات الإيرانية -ككل مافيا أخرى- لن تتخلى عن سلطتها بسبب احتجاجات، سوف تظل تقتل وتقتل وتقتل، حتى يبلغ الدم الرُكب
وبعد محاولات يائسة لقطع الاتصالات وحظر التجول، انتهت سلطة المليشيات إلى ملاحقة الصحفيين ووسائل الإعلام المحلية، لكي تمنعها من تغطية الأحداث. وقام عناصر من أفراد هذه المليشيات بإيصال تهديدات صريحة بالقتل لمراسلي وسائل الإعلام المختلفة لكي يصمتوا، وقامت من بعد ذلك بحملة اغتيالات للناشطين.
وعندما بدا أن التظاهرات تتوالى بالإصرار نفسه، حاول بعض أركان النظام من ذوي العمامات السود كوجوههم اقتحام التظاهرات بعناصرهم، فخلعوا القبعات الزرق ليلبسوا أقنعة الاحتجاجات.
إسقاط النظام هو مطلب ملايين الناس، إذ أثبت بنفسه ولنفسه أنه نظام فساد وفشل، ولكن سقوطه خط أحمر بالنسبة لإيران والجماعات الموالية لها، وهو ما يعني أن أعمال القتل والاعتقالات الجماعية والتهديدات قد أصبحت هي الخيار الوحيد لكبح التظاهرات وإسقاط الشعب بدلا من إسقاط نظامه الطائفي.
وما من شيء في هذا بجديد، لقد أسقطت سلطة الولي الفقيه من قبل تظاهرات الشعب الإيراني بالحديد والنار، وعندما بدا أن اليمنيين يتجهون إلى بناء نظام جديد على أنقاض سلطة علي عبد الله صالح، فإنها دفعت جماعات الحوثي تستولي على النظام حتى أسقطت الشعب اليمني في لجة الجوع والمرض والدمار من أجل أن تبقى في سلطة لا تملك فيها حقا من الأساس، بسبب من طابعها الفئوي على الأقل.
الشعب يريد إسقاط النظام، والنظام يريد إسقاط الشعب، تلك هي المعادلة، وينجح من يملك القدرة على القتل، هذا هو فهم المليشيات لتلك المعادلة، ومنه تستمد جماعات الولي الفقيه دافعها لسحق التظاهرات بالحديد والنار، ليس في العراق وحده، وإنما في لبنان وإيران نفسهما، ولو تكلف الأمر دمارا بحجم الدمار الذي لحق بسوريا، فإن هذه الجماعات لن تتردد فيه.
هل تنجح؟ الأدلة المتاحة تقول لا.
الأنظمة الفاسدة إنما تسقط بفسادها نفسه، انظر إلى حال الإفلاس في لبنان، ولسوف ترى كيف أن التظاهرات هي مجرد تحصيل حاصل، وهي ليست في حد ذاتها القوة التي سوف تؤدي الى انهيار النظام الطائفي الذي يقوده اللواء التابع لفيلق القدس، والفساد يتسع ويتسع معه إرهاب أصحابه، لتتسع في النتيجة عزيمة الضحايا على التخلص من نظام لم يورثهم إلا الخراب والفشل.
العراق بلد غني، هذا صحيح، ويمتلك موارد هائلة، إلا أن خزائن قارون كلها لن تكفي في الفساد،لأنه بطبيعته أشبه بالجراد الذي يأكل الأخضر واليابس.
المال الحرام يتبدد بالحرام، وخزائن قارون كلها لن تكفي لرشوة كل الناس، ولو فعلت فإنها سوف تضيع بأسرع من البرق، والسبب بسيط للغاية: مال الفساد، لا يدخل في الدورة الاقتصادية الطبيعية، إنه مال لا ينتج مالا، وهو مجرد حزمة مال فارغة من أي مقصد تنموي، تحصل على ألف فتنفقه، وتحصل مليون فتنفقه أيضا، ولو حصل الفاسدون على مليار، فأول ما يفعلونه هو تهريبه.
المليارات التي تم تهريبها من العراق ومن لبنان هي بالذات التي تجعل النظام هنا وهناك غير قابل للحياة.
مع ذلك، فان العصابات الإيرانية، ككل مافيا أخرى، لن تتخلى عن سلطتها بسبب احتجاجات، سوف تظل تقتل وتقتل وتقتل، حتى يبلغ الدم الرُكب.
المتظاهرون يقولون الموت فقرا أو برصاص مافيات الولي الفقيه هو الموت في الحالتين. يقولون أيضا: "لديكم عتاد، ولدينا عناد".
السبب، هو أن جراد إيران إذ أكل الأخضر واليابس لم يُبق لأحد ما يخسره.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة