مما لا شك فيه أن السعودية والعراق يشكلان حجر الزاوية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، لما بينهما من روابط وطيدة
مما لا شك فيه أن السعودية والعراق يشكلان حجر الزاوية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، لما بينهما من روابط وطيدة استراتيجياً واقتصادياً واجتماعياً، إلا أن هذه العلاقة انقطعت بسبب غزو صدام حسين للكويت الشقيقة، ومنها توالت تداعيات هذه الأزمة منذ ربع قرن تقريباً، وها هي العلاقة تعود بأقوى مما كانت عليه، لأن ظروف المنطقة هي التي فرضت هذه العودة، وهي حكمة السياسيين، واستبشرت هذه العودة بتوقيع 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم، مع تبادل زيارة المسؤولين ورجال الأعمال، في اعتقادي، إن السعودية أصبحت بمثابة المنقذ لهذه الأوضاع السائدة في العراق، فالأوضاع فيها صعبة للغاية، وتعاني البلاد من اقتصاد متهاوٍ وفساد مستشر وطائفية مقيتة، ولا بد من إصلاح هذه الأوضاع التي تتطلب دراية وخبرة وكفاءة يجب توفرها، والأهم الإرادة والعزيمة في أي انطلاقة جديدة وخاصة مع بلد كبير مثل السعودية اقتصادها أصبح من أهم اقتصادات المنطقة.
هناك حظوظ عديدة لنجاح هذه العودة من خلال دعم ورعاية الولايات المتحدة باعتبارها قوة ضغط فاعلة من أجل عودة العراق إلى حاضنته، رغم أنها كانت طرفاً في هذه القطيعة باحتلالها العراق، ولكنها تداركت الخطأ وأدركت مدى خطورة الطائفية، لذا طالبت العراق بتفكيك المليشيات المساندة لإيران
هل ثمة توازن بين البلدين؟ هذا سؤال يحتم علينا الغوص عميقاً في المشكلات التي يعاني منها العراق، وخاصة الاقتصاد، وهو شريان الحياة لكل البلدان، ويأتي في الدرجة الأولى ضرورة إنعاش الاقتصاد العراقي الذي يعاني تمزقات عديدة منذ 2003 وتهديم البنى التحتية وتعطيل عجلة الاقتصاد، والسعودية إذ تخطو هذه الخطوة نحو العراق إنما تنظر بعين الحرص على أمن المنطقة لأن العراق هو العمق الاستراتيجي لها، هذه حقيقة لا ينكرها أحد، لما لها من دلالات وخلفيات حالية ومستقبلية، إن الخطوات السعودية-العراقية هذه من تشكيل نواة "مجلس تنسيق مشترك"، الأول من نوعه، وافتتاح منفذ عرعر الحدودي بين البلدين، وقيام شركة الرحلات السعودية "طيران ناس" برحلات تجارية، من شأنها أن تضع العلاقات الثنائية على محك التطبيق.
الأمل كبير في عودة العلاقات بين البلدين، إلا أن العوائق تقف حائلاً في وجه تفعيل هذه العلاقات، وليس بالأمر السهل عودة المياه إلى مجاريها، فقد ظهرت تضاريس عطلت هذا المجرى، خاصة في ظل ما يعاني منه العراق من نفوذ إيراني مستفحل مع انتشار المليشيات الداعمة لإيران، وهي لا تستقبل هذا الحدث برحابة صدر لأنها ستؤثر على مصالحها واستغلالها لهذه الظروف الحالية.
إذا كانت إيران تقيم نفوذها في العراق على عوامل سياسية وطائفية وتحاول الاستفادة منها إلى أقصى الحدود، فإنّ للسعودية من المقدّرات الاقتصادية والإمكانيات المالية ما يجعلها قادرة على قلب المعادلة، وتجعل العراق المستفيد الأول من عودة العلاقة معها، لما تتوفر في السعودية من شركات عملاقة، ذات علامات تجارية عالمية لها أثرها الاقتصادي العالمي.
لا بد من الاعتراف بأن عودة هذه العلاقات يشوبها الغموض لأن العراق يمسك العصا من الوسط، محاولاً التوفيق بين قطبي المعادلة: السعودية وإيران، والاقتصاد الحقيقي المتفاعل مع مصالح الشعبين لا يمكن أن يؤتي أكله بسبب سياسة المحاور سيئة الصيت في عالم ينفتح نحو آفاق العولمة، وليست المسألة بهذه البساطة، فقد أصبح الفساد جزءاً من تركيبة العراق، وانتشرت مراكز الفساد وتحولت إلى مؤسسات فاعلة لا يمكن تجاوزها، فأصبحت الأحزاب الدينية والمليشيات هي التي تتحكم في اقتصاده، وهو ما لا يتفق مع اقتصاد السعودية المتطور والقائم على قوانين السوق والاقتصاد الحر، ومما لا شك فيه أن إعادة العلاقات مع السعودية تشكل خطوة نحو التخلص من الطائفية المقيتة التي لا تتناسب مع الحياة الحديثة التي يعتمد عليها أفق الاقتصاد العالمي.
إن العمق التاريخي بين البلدين سوف يبدد كثيرا من الشكوك حول هذه العلاقة، لذلك يتوجب على العراق أن يقوم بثورة داخلية أولاً قبل مد يده إلى الآخرين، أي أن يبتعد عن سياسة المحاور التي تنعشها إيران بشتى الوسائل والطرق، بل تفرض هيمنتها الاقتصادية بفعل الواقع المر الذي يعيشه العراق من انعدام البنية التحتية للزراعة والصناعة، وكذلك لانعدام المعرفة والتكنولوجيا التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي، فما زال العراق يعمل ضمن الوسائل القديمة والعتيقة، وخاصة في العلاقة بين الاستثمار والتفاعل في اقتصاد العالم.
إن انقطاع العلاقات بين البلدين أدى إلى انتشار حركات التطرف والإرهاب في المنطقة، وما كان لكل ذلك يحدث لو كانت العلاقة الجدلية بين البلدين سليمة، وهنا تقع المشكلة الكارثية في إيران، لأن الإيرانيين لم ينفتحوا على العالم العربي من دون تخطيطات مسبقة قائمة على الغموض وتأجيج الصراعات والتوسعات في المنطقة، وهي بهذه الحالة ستكون الخاسرة الأولى في المنطقة، خاصة بعد فرض الحصار عليها، وتهالك اقتصادها وتردي أوضاعها الاجتماعية، إن عودة العلاقات بين الجارين العربيين، من شأنه أن يثير غضب إيران، التي لطالما لعبت دوراً كبيراً في إبعاد العراق عن محيطه العربي، بل وشجعته على الابتعاد عن محيطه الخليجي، لذا وجد العراق نفسه عارياً بدون سند أو دعم من محيطه، والعلاقة مع إيران التي تتعامل معه وفق الربح والخسارة بدون أي عمق تاريخي أو اجتماعي، لا يمكن أن تستند إلى اقتصاد فاعل ومتطور، فهي تعتبر العراق مجرد سوق لبضاعتها الرديئة والرخيصة لا أكثر.
هناك حظوظ عديدة لنجاح هذه العودة من خلال دعم ورعاية الولايات المتحدة باعتبارها قوة ضغط فاعلة من أجل عودة العراق إلى حاضنته، رغم أنها كانت طرفاً في هذه القطيعة باحتلالها العراق، ولكنها تداركت الخطأ وأدركت مدى خطورة الطائفية، لذا طالبت العراق بتفكيك المليشيات المساندة لإيران، كما اعتبرت الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية خطيرة، فالعراق الحقيقي البعيد عن الطائفية طرف هام وأساسي في استقرار المنطقة، والخليج خاصة، إذا ما انضّم إلى خليج البناء والتقدم والازدهار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة