«يوم السقيفة مقابل الغدير».. «الإجازات الطائفية» تتلاعب بالعراق
لم تمضِ أيام قليلة على أزمة تمثال أبوجعفر المنصور، حتى دخل العراقيون جدلا طائفيا جديدا يتعلق هذه المرة بما عرف بـ"الإجازات الطائفية".
بدأت الأزمة عندما طلب مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، يوم الجمعة الماضي، اعتماد يوم 18 ذي الحجة (تقويم هجري) من كل عام عطلة رسمية لـ"عيد الغدير"، معتبرا أن هذا من شأنه "درء الطائفية وتفعيل التعايش السلمي"، على حد قوله.
وعيد الغدير هو يوم يحتفل فيه الشيعة باعتباره اليوم الذي بايع فيه النبي محمد ابن عمه الإمام علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين، حسب اعتقادهم، الأمر الذي يخالف بطبيعة الحال المذهب السني.
- أبوجعفر المنصور.. تمثال يوقد نار الطائفية الكامنة تحت الرماد في العراق
- «يخطط للعودة».. مقتدى الصدر يربك المشهد السياسي العراقي
أين الإشكالية؟
ورغم التأييد من بعض القطاعات التابعة للتيار الصدري وأوساط شيعية أخرى، أثار المقترح انتقادات واسعة ليس من قبل السنة فقط – وإن كانوا الأكثر انتقادا – لكن من المذهب الشيعي كذلك، باعتبار الأمر يحمل بعدا طائفيا ويثير مخاوف من تحول الدولة إلى نظام ديني ثيوقراطي.
وما فاقم المخاوف، أنه في المقابل خرجت بعض الدعوات من السنة بجعل يوم سقيفة بني ساعدة يوم عطلة رسمية أيضا، وهو اليوم الذي يوافق اجتماع الأنصار في 12 ربيع الأول من عام 11 هجريا بعد وفاة النبي محمد لاختيار خليفة المسلمين، الذي انتهى بمبايعة أبوبكر الصديق الذي ينتقده قطاع واسع من الشيعة.
نوايا طائفية
يقول الدكتور عبدالكريم الوزان الكاتب السياسي العراقي، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن الدين الإسلامي يحكم الجميع والأديان السماوية والرسمية محددة، وقد دأب العرب والمسلمون على عيدين هما الفطر والأضحى.
واعتبر الوزان أن كل ما عدا ذلك يعتبر خروجا عن المقاييس والسند، وينطبق ذلك سواء على الطائفة السنية أو الشيعية.
واعتبر الكاتب السياسي العراقي أن اختيار هذه الأعياد، أي الغدير والسقيفة، يعكس نوايا طائفية وسياسية تؤدي إلى انقسام الأمة وتفعيل الفتن والاضطرابات.
ويرى الوزان، في ختام تصريحاته لـ"العين الإخبارية"، أن هذه الطلبات التي تم طرحها بشأن مثل هذه العطلات تقف خلفها أجندات إقليمية وطائفية بحتة تتجاوز الدستور، الذي يجب عدم السماح بتجاوزه.
وعلى مدار السنوات الماضية شهد العراق نقاشات واسعة وجدالات حول تشريع قانون موحد للعطل الرسمية في البلاد، لكن دون أن تثمر تلك النقاشات عن نتيجة، بسبب الخلافات حول بعض المناسبات مثل يوم الغدير.
مقترح بديل
وفي محاولة لتجاوز تلك الخلافات، اقترح البعض أن تترك مهمة البت في هذه النوعية من العطلات إلى سلطات المحافظات حسب طبيعتها، ما يعني أن تلك التي بها أغلبية شيعية يمكن أن تعلن يوم الغدير عطلة، وبالتالي ذات الغالبية السنية يمكن أن تحتفي بيوم السقيفة كعطلة.
يقول الدكتور غازي فيصل رئيس المركز العراقي للدراسات السياسية، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن هناك أعيادا قد يحتفل بها مذهب معين مثلا لدى الشيعة ولا يحتفل بها المذهب السني أو غيرهما، مؤكدا أن من حق هذه المذاهب والأديان ضمن إطار الحرية الدينية الاحتفال بأعيادها الخاصة، كونها تعبر عن مشاعرها وطقوسها التي يكفلها الدستور.
واستدرك فيصل قائلا إن النظام العراقي في الأساس مدني، والدستور لدولة مدنية تعددية سياسية ودينية وثقافية واجتماعية وقومية، وبالتالي لا يمكن لدين أو لمذهب فرض أعياده وطقوسه على الصعيد الوطني، لأن الدولة المدنية يفترض أنها فوق الأديان والمذاهب والقوميات وتقوم على أساس المواطنة.
غير ممكن
ويؤكد فيصل أنه بالتالي لا يمكن اعتماد عيد معين في مذهب معين وتحويله إلى عيد وطني ويُفرض على الجميع الاحتفال به، فمن حق المذهب إقامة طقوسه، لكن دون أن يُفرض ذلك بقانون ويسري على جميع المذاهب، لأن هذا يخالف الدستور، وفقا له.
ويقول المحلل السياسي العراقي إن الأمر ليس غير مقبول دستوريا فقط، بل حتى مرجعية النجف الأشرف (مرجعية العراقيين الشيعة) تؤمن بالتعددية وتحترم قواعد وأسس الدولة المدنية وترفض الدولة الدينية الثيوقراطية.
وعكس ما قاله زعيم التيار الصدري، أعرب الدكتور غازي فيصل عن اعتقاده أن الذهاب إلى تشريع قوانين بأعياد مذهبية، أيا كانت، سيثير حفيظة المذاهب الأخرى ولا يوفر فرصة حقيقية للنقاش الجدي بين المذاهب ولا للتعايش والشراكة.
وعاش العراقيون خلال الأيام الماضية جدلا طائفيا آخر، بسبب دعوات شيعية لهدم تمثال أبوجعفر المنصور ثاني خلفاء الدولة العباسية ومؤسس مدينة بغداد، حيث شيد التمثال في أحد أحيائها.
aXA6IDE4LjExOS4xMzcuMTc1IA==
جزيرة ام اند امز