ولادة متعسرة لـ"صندوق الأجيال العراقي".. خبراء يقدمون "وصفة" إنقاذ
بعد تخطي العراق أسوأ أزمة اقتصادية كادت تقوده إلى الإفلاس 2020، تمضي بغداد لإنشاء صندوق سيادي للتأمين أمام تقلبات أسعار النفط.
ويعتمد العراق بنسبة 90% من مجموع واردات الدخل القومي على المردودات المالية لبيع النفط الخام، ما يجعل مستقبل البلاد مرهوناً بعمليات العرض والطلب التي لا يمكن التعويل عليها كثيراً في خضم تطورات سوق الطاقة في العالم.
ويأتي مشروع إنشاء ما يعرف بـ"صندوق الأجيال"، في العراق عقب 18 عاماً من موازنات مالية كبيرة تصل لنحو 1.260 تريليون دولار، استهلك أغلبها في عمليات نهب وفساد وسوء تخطيط.
ورغم تعدد الثروات والموازنات المالية التي توصف بـ"الانفجارية"، إلا أن نسب الفقر في العراق تتجاوز الـ30% يرافقها ارتفاع في مستوى البطالة وانعدام فرص التوظيف الحكومي والخاص.
وصناديق الثروة السيادية، هي صناديق استثمارية تدير فوائض الدولة المالية من خلال أصول خارج حدود دول المنشأ، لكنها لا تكون تابعة لوزارات المالية أو البنوك المركزية، كما تختلف عن الاحتياطي الأجنبي النقدي.
وتأتي أغلب موارد الصناديق من إيرادات المواد الخام، وعلى رأسها النفط، والهدف من تأسيسها هو وضع الفائض المالي في أصول وفق خطة ربحية في عمليات استثمارية ذات أمد طويل، ومنخفضة المخاطر، توفر مدّخرات كافية لحاجات الأجيال القادمة لحقبة ما بعد النفط.
كان المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، كشف في فبراير/شباط الماضي عن مقترح حكومي لتأسيس صندوق ثروة سيادي، تودع فيه أموال تعادل استقطاعاتها الجارية للكويت تعويضاً عن الأضرار التي لحقت بها جراء غزو نظام صدام حسين.
ومن المتوقع أن ينتهي العراق مطلع عام 2022، من تسديد كافة التعويضات الأممية إلى الكويت والتي تبلغ في مجملها 52.4 مليار دولار.
وبموجب قرارات الأمم المتحدة التي صدرت عقب الغزو العراقي للكويت في أغسطس/آب عام 1990، ألزم مجلس الأمن الدولي العراق بدفع 5% من عائداته من بيع نفطه، إلى حين تستوفي الكويت حقها من التعويضات التي تطالب بها جراء ما لحق ببنيتها التحتية من خسائر أثناء الاجتياح، خاصة في القطاع النفطي والبيئة .
ثروة لحفظ سيادة الأجيال
نهاية أغسطس/ آب الماضي، أعلن رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، خلال جلسة وزارية، عن بدء العمل على إنشاء "صندوق الأجيال"، وان ذلك الأمر يأتي انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية تجاه "أبنائنا وأحفادنا".
وشدد الكاظمي: "نريد أن نؤمّن مستقبل العراق بعيدا عن الاعتماد على اقتصاد غير مستدام، فالثروة النفطية لن تكون مسيطرة طوال العمر، وبدأت دول عديدة بالبحث عن طاقات بديلة ونظيفة".
هنا يقول عضو اللجنة المالية النيابية، جمال كوجو، إن توقيت الإعلان عن البدء بتدشين الصندوق السيادي مناسب مع أن الخطوة قد جاءت متأخرة ولكن خير من أن لا تأتي".
ويضيف كوجو، لـ"العين الإخبارية"، أن "البلاد أمام انتخابات تشريعية مهمة وما ينتج عنها من حكومة جديدة تأخذ على عاتقها إدارة مقاليد البلاد وخصوصاً الاقتصادية والمالية على وجه التحديد وبمعيته صندوق يؤسس لمشاريع كبرى وعمليات تنمية في كافة المستويات".
ويستدرك بالقول: "جميع البيانات والتقارير تشدد على ضرورة ذهاب العراق باتجاه نهضة عمرانية اقتصادية في جميع المجالات وبخلاف ذلك سيبقى العراق في دوامة العنف وعدم الاستقرار".
فيما يرى رئيس مركز "تفكير"، إحسان الشمري، إن "الفرصة مواتية الآن بعد تعافي أسعار النفط، خاصة وأن الأمر غير مرتبط بالموازنة وإنما صندوق للأجيال المقبلة".
ويشدد الشمري خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، على ضرورة الاستفادة من التجارب المريرة السابقة عقب الأزمة المالية التي رافقتنا على طوال العام الماضي، جراء ظروف الإغلاق العالمية وما ترافق معها من انخفاض في أسعار النفط الخام".
ويتابع "الوقت حان لترجمة هذا المشروع من خلال العمر المتبقي من الحكومة الحالية والمقبلة عبر تقديم مشروع قانون يضع هيكلية هذا الصندوق يبين به آلياته وطبيعة الموارد والنسب التي يمكن أن تودع في هذا الصندوق".
وظهرت أول بادرة لإنشاء مثل هذا الصندوق عام 1953 بتأسيس مجلس الإعمار العراقي، حيث شكلت لجنة لإدارته بعد حصول اتفاق بين الحكومة العراقية وشركات النفط البريطانية، وكان اقتراح المجلس أن تخصص الإيرادات النفطية كاملة لمشاريع التنمية والبنى التحتية، لكن البرلمان العراقي حينها اعترض وصوت على تخصيص 70% من العائدات لأغراض التنمية، لكن تم إلغاء هذا المجلس بعد تأسيس الجمهورية الأولى 1958، وتأسست مكانه وزارة التخطيط.
وامتلك العراق بعض الصناديق الصغيرة التي تأسست خلال العقود الماضية، مثل صندوق العراق للتنمية الخارجية الذي يمتلك استثمارات مع شركات عربية مشتركة بحدود 3 مليارات دولار ويتلقى أرباحا لكنها ليست كبيرة، ولا يمكن اعتبار تلك المبادرات تتماشى مع شروط الصناديق السيادية بسبب ضخامة استثماراتها، وفق خبراء.
صندوق على ورق
يؤكد عضو اللجنة المالية النيابية، كوجو، إنه "رغم التفاؤل بإنشاء مثل هكذا صندوق سيادي ولكن للآن لم توضع مخططاته والهيئات العاملة عليه والفريق المكلف بإدارته. ويضيف "مازال الأمر حبر على ورق".
ويلفت إلى أن "الاستقطاع من قيمة المردودات المالية للنفط الخام غير كافية لتحقيق بنية ساندة تضمن مستقبل الأجيال المقبلة وإنما الأمر يتطلب أن تتحقق جملة من الإجراءات التي توازي ذلك المشروع بينها تنويع مصادر الدخل القومي والتي سوف تعطي فسحة لزيادة مخصصات الصندوق السيادي".
وبشأن الفساد المستشري وخشية أن يمتد إلى قوت الأجيال، يؤكد كوجو، أن "ذلك الأمر إذا ما أخذ بالحسبان لن نستطيع أن نتحرك خطوة باتجاه الأمام وهو ما يلزم صناع القرار الاقتصادي أن يتمتعوا بالشجاعة والجرأة".
حرب المياه تدق طبولها في العراق.. دجلة يموت والفرات يجف
ومع ذلك لا يقل عضو اللجنة المالية النيابية من شيوع تلك الظواهر في مؤسسات الدولة وتداعياتها على فرص النمو والبناء.
ويشدد "العراق يحتاج إلى قائد يعلن الحرب على الفساد بمستوى المواجهة مع تنظيم داعش".
من جانبه يربط الخبير الاقتصادي ومستشار رابطة المصارف الأهلية، صفوان قصي، سلامة صندوق الأجيال من عمليات الفساد بطبيعة الإجراءات التأسيسية والإدارية التي تحكم عمله.
ويبين قصي لـ"العين الإخبارية"، إن "فلسفة الصندوق السيادي تقوم بالأساس على إسناد مهامه لهيئة مستقلة تعمل على استقطاب الكفاءات الاقتصادية التي لها رؤية ومعالجة تختلف عن التوجه الحكومي في إدارة عمليات التنمية والاستثمار".
ويعقب: "استقلالية الصندوق وكوادر إدارته عن الوزارات الاتحادية يضعف من وجود الدولة العميقة التي تمتد مخالبها في الكثير من مؤسسات الدولة".