هل سترد إيران على «الانتقام» الأمريكي لهجوم «البرج 22»؟
هل سترد إيران على الانتقام الأمريكي لهجوم «البرج 22» أم ستوقف التصعيد؟ سؤال طُرح في واشنطن، بعد الضربات التي شنتها الولايات المتحدة على أهداف مرتبطة بطهران في سوريا والعراق.
سؤال أجابت عنه صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير لها، قائلة إن التوقعات في واشنطن وبين حلفائها تشير إلى أن «الإيرانيين سيختارون المسار الأخير، كونه لا توجد أي فائدة في الدخول في حرب مع قوة أكبر بكثير، وما سينجم عن ذلك من مخاطر».
ورغم ذلك، فإنه ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت القوات التي تقاتل بالوكالة، والتي شنت عشرات الهجمات على القواعد والسفن الأمريكية - والتي تعتمد على إيران للحصول على المال والأسلحة والاستخبارات - سوف تستنتج أن مصالحها أيضًا، ستتحقق باتخاذ خطوة شبيهة بتلك المتوقعة من طهران.
وردًا على هجوم بطائرة بدون طيار شنته مليشيا مدعومة من إيران وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين في 28 يناير/كانون الثاني الماضي، ردت الولايات المتحدة على تلك المجموعة والعديد من المليشيات الأخرى المدعومة من طهران، ليلة الجمعة بـ85 ضربة.
وفي أعقاب ذلك، أكد المسؤولون الأمريكيون أنه لم تكن هناك مناقشات عبر القنوات الخلفية مع طهران، ولم يكن هناك اتفاق هادئ على أن الولايات المتحدة لن تضرب إيران مباشرة.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي، للصحفيين في مكالمة هاتفية ليلة الجمعة بعد اكتمال الضربات الانتقامية: «لم تكن هناك اتصالات مع إيران منذ الهجوم».
لكن حتى من دون إجراء محادثة مباشرة، كان هناك الكثير من الإشارات في كلا الاتجاهين.
إشارات إيرانية
وتقول «نيويورك تايمز»، إن الإيرانيين كانوا من جانبهم يوجهون رسائل علنية، مفادها أنهم يريدون خفض درجة حرارة التصعيد، وحتى بشأن برنامجهم النووي الذي يتقدم بسرعة - على الرغم من أن هدفهم النهائي، والمتمثل في هو إخراج الولايات المتحدة من المنطقة مرة واحدة وإلى الأبد، لا يزال قائماً.
وأشارت إلى أن رد فعلهم الأولي على الضربات العسكرية صباح السبت كان معتدلاً بشكل ملحوظ؛ فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، قال إن: «هجوم الليلة الماضية على سوريا والعراق هو مغامرة وخطأ استراتيجي آخر من جانب الحكومة الأمريكية، ولن يكون له أي نتيجة سوى زيادة التوترات وزعزعة استقرار المنطقة».
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه حتى ليلة الجمعة، كان كل عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة يعد محسوبًا وحذرًا، كونه السمة المميزة لنهج بايدن، إلا أن مسؤولين في الإدارة الأمريكية، قالوا إن مقتل الجنود أجبره على ذلك.
سياسة التخويف
وأشارت إلى أن بايدن كان عليه أن يوضح أن الولايات المتحدة ستسعى إلى تفكيك العديد من قدرات الجماعات التي تطلق على نفسها اسم «محور المقاومة»، مؤكدة أن الرئيس الأمريكي اتخذ قراراً بتوجيه ضربات واسعة النطاق إلى المنشآت ومراكز القيادة، دون أن يهدف إلى قطع رأس قيادة القوة أو تهديد إيران بشكل مباشر.
وقال أحد كبار المسؤولين في الإدارة بعد اكتمال الجولة الأولى من الضربات إنه لم تكن هناك دراسة جدية لضرب إيران، مشيرًا إلى أن إرسال برقية بالضربة أتاح للإيرانيين ووكلائهم الوقت لإجلاء كبار القادة وغيرهم من الأفراد من قواعدهم، وتفريقهم في منازل آمنة.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن الإيرانيين كانوا بطيئين في التعليق على الضربات الأمريكية في العراق وسوريا، مؤكدة أنهم بعد أن ردوا أشاروا إلى حرب غزة، وليس للولايات المتحدة، باعتبارها الجاني.
وقال الكنعاني في بيان له، إن «جذور التوتر والأزمة في المنطقة تعود إلى الاحتلال الإسرائيلي واستمرار عملياته العسكرية في غزة والإبادة الجماعية للفلسطينيين بدعم غير محدود من قبل الولايات المتحدة».
وعندما أعلنت كتائب حزب الله، إحدى الجماعات التي تعتقد المخابرات الأمريكية أنها متورطة في الهجوم القاتل في الأردن، في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها لن تستهدف القوات الأمريكية بعد الآن، أوضحت أنها تعرضت لضغوط من إيران والعراق.
وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن تلك الإشارة كانت بمثابة لحظة كاشفة عن الاستراتيجيتين اللتين يبدو أن إيران تنتهجهما؛ أولاهما: نهج قصير المدى يتعلق بالحرب في غزة، حيث فتح الوكلاء جبهات متعددة ضد إسرائيل وصعدوا الهجمات على القواعد الأمريكية للضغط على واشنطن، التي يعتبرونها داعمة لإسرائيل، للحصول على وقف لإطلاق النار.
وأشار أحد كبار المسؤولين الأمريكيين مؤخراً إلى أنه عندما تم الإعلان عن هدنة قصيرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتم تبادل الرهائن، علق الوكلاء هجماتهم.
«لكنّ هناك هدفا طويل المدى لإيران: وهو طرد الأمريكيين من المنطقة بمساعدة وكلائها في العراق وسوريا»، تقول الصحيفة الأمريكية.
مخطط طويل الأمد
وقال أفشون أوستوفار، وهو أستاذ مشارك في شؤون الأمن القومي في كلية الدراسات العليا البحرية في جامعة هارفارد: «هذه ليست لحظة تحقيق كل شيء أو لا شيء بالنسبة لإيران، إنها مجرد نقطة واحدة على مخطط أطول بكثير لأجندة إيران الاستراتيجية في الشرق الأوسط».
وأوضح: «يمكن لإيران أن تتكبد أي عدد تريده من الضحايا العراقيين والسوريين. إنها لا تشعر بأنها مضطرة للرد على مقتل المسلحين بالوكالة. لكن إذا قُتل إيرانيون، فالأمر مختلف».
وأشار إلى أنه «بالنسبة لإيران، فإن هذه حربًا طويلة وليست قصيرة، وهذا لا علاقة له بغزة. إن الأمر يتعلق بمسيرة إيران الطويلة والمطردة عبر الشرق الأوسط لطرد القوات الأمريكية وإضعاف حلفاء الولايات المتحدة».
وتشير الأدلة في الأعوام القليلة الماضية إلى أن العمل العسكري الذي قد تقوم به الولايات المتحدة قد يؤدي إلى تدهور قدرات خصومها، لكنه لا يخلق ردعاً طويل الأمد؛ فعندما أمر ترامب بضربة جوية أمريكية بطائرة بدون طيار أدت إلى مقتل قائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، ادعى أن ذلك سيمنع إيران ووكلائها من مهاجمة الأمريكيين وحلفائهم، إلا أنه كان مجرد توقف.
إلا أن المفاوضات حققت الكثير؛ فعندما تفاوضت واشنطن وطهران، من خلال مفاوضات غير مباشرة شملت عمان وقطر، في العام الماضي من أجل الإفراج عن 6 مليارات دولار من عائدات النفط المجمدة مقابل تبادل المعتقلين، تضاءلت الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا بشكل كبير.
لكنّ ذلك انهار بعد أن هاجمت حماس إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 1200 إسرائيلي وبدء حرب غزة. وأكدت إيران ووكلاؤها أنه إذا تم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، فإن الأمور سوف تهدأ مرة أخرى.
لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كان من الممكن التفاوض على وقف إطلاق النار، أو حتى وقف مؤقت آخر. ويشير تاريخ الشرق الأوسط إلى أن الهدوء قد لا يدوم طويلا.
مقامرة عسكرية ودبلوماسية
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن بايدن ينخرط في «مقامرة عسكرية ودبلوماسية ومقامرة خلال عام الانتخابات»، مشيرة إلى أنه يسعى أولاً لاستعادة بعض مظاهر الردع في المنطقة، ثم المساعدة في تنسيق وقف إطلاق النار في غزة للسماح بتبادل الرهائن مع إسرائيل، ليأتي التحدي الأكبر على الإطلاق، والمتمثل في إعادة تشكيل ديناميكيات المنطقة.
«لكن كل هذا يحدث في منطقة من العالم كان يأمل، قبل خمسة أشهر فقط، ألا تتصدر الاهتمام، بينما يركز على المنافسة مع الصين والحرب في أوكرانيا، وفي منتصف حملة ينافسه فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي يرى أن أي خطوة لبايدن، هي علامة ضعف»، بحسب الصحيفة الأمريكية.