تجاربنا، كمراقبين وليس إماراتيين، علمتنا أن دولة الإمارات تدعم كل ما يؤدي إلى البحث عن استقرار الدول العربية
لأن للعراق وشعبه مكانة لدى دولة الإمارات، حكومة وشعباً، ناتجة عن علاقة تاريخية وسياسية ترجع إلى بدايات قيام الدولة الاتحادية للإمارات، فمن الطبيعي أن تكون دولة الإمارات هي أول دولة عربية ترحب بتكليف مصطفى الكاظمي، لتشكيل حكومة عراقية جديدة بعد فراغ سياسي استمر لأكثر من خمسة أشهر من استقالة عادل عبدالمهدي تحت ضغط الشارع العراقي المحتج على أسلوب إدارة البلاد منذ عام 2003 أدى إلى الكثير من الأزمات والمشاكل وكذلك بعد اعتذار كل من محمد علاوي وعدنان الزرفي عن تشكيل الحكومة بسبب رفض الكتل السياسية ذات الولاء العابر للحدود.
تجاربنا، كمراقبين وليس إماراتيين، علمتنا أن دولة الإمارات تدعم كل ما يؤدي إلى البحث عن استقرار الدول العربية، والعالم بأكمله، ويصب بالتالي في مصلحة شعوبها ونصرها، ونعتبرها كنوع من المسلمات لذا لم يكن الأمر مثيراً للدهشة مع أن من يجاور العراق ويدرك ما يحصل فيه وتداعياته على الواقع الإقليمي سيأخذ الموضوع على محمل الجد وسيتابع ما يحصل فيه بدقة خاصة في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ العراق نظراً لما يمر به من تحديات لم تعد تقتصر فقط على الفراغ السياسي الذي ابتلي به ونتج عنه اختطاف قراره السياسي من قبل النظام الإيراني، الذي تباهى في يوم ما باحتلال أربع عواصم عربية، وعليه فإن استقرار العراق من خلال دعمه في الإسراع لتشكيل حكومته بشخصية تحتفظ بسجل وطني أمر في غاية الأهمية.
الكاظمي حتى هذه اللحظة هو من ينتظر منه أن يقوم بدور المنقذ، من خلال "جمع العراقيين" تحت مظلة الدولة الوطنية، وهو جهد لن يكون سهلاً عليه، ولكنه ليس بالمستحيل.
وينتظر في حالة تشكيل الحكومة الجديدة، برئاسة الكاظمي، التي يبدو أنها تحظى بتأييد كبير داخلي من قبل القوى السياسية العراقية الفاعلة، وإن كان هناك من هو مجبر على اختياره نظراً لحالة العراق.
ويحظى بدعم خارجي من منطلق ما هو معروف عن كفاءة الكاظمي تمثلت في إدارة الحرب مع أخطر تنظيم هدد العالم تنظيم "داعش"، ومن وطنيته التي بات العراق بحاجة لها الآن تمثلت في حفاظه على حياديته في التقسيم السياسي والطائفي الذي يهدد العراق.
الأمل كبير في أن تملأ الحكومة العراقية الجديدة، الفراغ السياسي والأمني وأن ينتقل الكاظمي إلى معالجة الأزمات التي "تكالبت" مرة واحدة على العراقيين منها: الأزمة النفطية، التي تمثلت في تراجع أسعاره، مؤخراً، وباتت تهدد الكثير من المشاريع الوطنية، ومعها أزمة احتمالات عودة "داعش".
وكذلك الأزمة "المتفجرة" بين القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة والنظام الإيراني اللذين يستخدمان أرض العراق "ساحة لمعاركهما" والتي تصاعدت وتيرتها بعد اغتيال الجنرال قاسم سليماني في يناير الماضي، وأضف إليها أزمة فيروس كورونا التي تصيب العراق كما غيره من دول العالم، ولكن "مصيبة العراق أكبر" في هذه الأزمة بفعل جواره الجغرافي مع إيران الدولة لا يعترف سياسيوها إلا بمصلحة استمرارهم في السيطرة على الحكم حيث إن أغلب الإصابات التي سجلها العراق كانت من خلال السياحة الدينية للإيرانيين وبسبب عدم تنفيذ إيران لقرار غلق الحدود.
سيرث الكاظمي إن شكل الحكومة خلال شهر حسب الفترة الدستورية، حاله كحال أي شخصية سياسية تركة ثقيلة من التحديات تحتاج إلى الكثير من العمل والجهد داخلياً أبرزها قانون المحاصصة الذي أضعف دوره الإقليمي والدولي وأعطى مجالاً للتدخلات الخارجية التي قوت من دور التنظيمات وأصبحت تعمل "فوق الدولة" وهي المليشيات التابعة لإيران لأن من مصلحة الملالي في ضعف الدولة العراقية دون الالتفات إلى ما يحدث للشعب العراقي فلن يكون بأفضل من حال الشعب الإيراني.
وعليه فإن الكاظمي حتى هذه اللحظة هو من ينتظر منه أن يقوم بدور المنقذ، من خلال "جمع العراقيين" تحت مظلة الدولة الوطنية، وهو جهد لن يكون سهلاً عليه، ولكنه ليس بالمستحيل، لأن تاريخه يحفظ له أدوارا مثلها، وأن يتم هذا "الحشد" أو التعبئة دون النظر إلى أي معيار آخر سوى الوطنية، ولعل هذا هو التحدي الأساسي الذي يرغب الجميع في أن يتخطاه.
تدرك الإمارات، وأغلب الدول العربية، أن استقرار العراق من خلال وجود حكومة وطنية وإبعاد المؤثرات الخارجية والعامل الطائفي هو الأهم في هذه المرحلة لأنه يعني تقوية الجبهة الداخلية، التي عادة ما تساعد في التركيز على معالجة باقي التحديات التنموية.
وبالتالي مواجهة الأخطار الخارجية التي لن تكون أكثر صعوبة على دولة "بمكانة" العراق الذي يمتلك كل أسباب القوة الوطنية. كما ينظر إلى استقراره بأنه أحد الأعمدة السياسية العربية في مواجهة أطماع دول الجوار وبالتالي من خلال استعادة "عافيته السياسية" التي تساعد في قراءة سير الأحداث العربية، خصوصا في منطقتنا الخليجية.
يبقى أن تشكيل حكومة وطنية هو الآن أمل العراقيين في تخليص بلادهم من أزماته الحالية والقديمة واستعادة قراره "السيادي".
وهي أمل كل العرب في أن تكون بداية لـ"ضبط إيقاع" أخطر مرحلة يمر بها العراق، وأن تكون المرحلة المقبلة هي بمنزلة قاطرة التحول نحو العمل الوطني والعربي الذي غاب عنه الثقل العراقي بسبب تفضيل –البعض- للمصالح الفئوية على مصلحة العراق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة