مدن عراقية 2018.. دمار داعشي وعرقلة إيرانية لإعادة الإعمار
رغم مرور نحو عامين على تحرير غالبية المدن العراقية من تنظيم داعش إلا أن الدمار لا يزال المشهد الأكبر المخيم على أغلب المحافظات.
تودع المدن العراقية المحررة من تنظيم داعش الإرهابي عام 2018، والدمار لا يزال مسيطراً عليها بنسب تتراوح ما بين 80 – 85%، دون أن تشهد أي خطوات لإعادة إعمارها.
يأتي هذا في الوقت الذي أمضى أكثر من مليوني نازح عراقي عامهم الرابع في مخيمات النزوح التي تقع غالبيتها في إقليم كردستان بالشمال، وسط ظروف صعبة؛ حيث يتعلقون بأمل العودة إلى الديار.
مصارف العراق وإعادة الإعمار
رغم مرور نحو عامين على تحرير غالبية المدن من تنظيم داعش إلا أن الدمار ما زال المشهد الأكبر الذي يخيم على محافظات نينوى والأنبار وصلاح وأجزاء من محافظتي ديالى وكركوك، إثر انعدام أي خطوات رسمية من قبل الحكومة لإعادة الإعمار والحياة لها بعد أن تعرضت للدمار على يد مسلحي التنظيم الإرهابي طيلة سيطرتهم عليها لأكثر من 3 سنوات.
عمر إلياس، مواطن من الموصل، عاد مع عائلته بداية عام 2018 إلى منزله الذي تعرض للدمار، ما عدا غرفة واحدة، قال لـ"العين الإخبارية": "ليس لدي المال لإعادة إعمار المنزل، ولم أحصل على فرصة عمل، أمضينا العام الجاري منتظرين الوعود التي تطلقها الحكومة العراقية لإعادة إعمار مناطقنا وتعويضنا عن الخسائر التي لحقت بنا".
إلياس أكد أن الأوضاع المعيشية في الموصل وغيرها من المناطق المحررة سيئة وصعبة، في ظل انعدام الخدمات، ووجود كميات كبيرة من الركام الذي لا يزال يغلق العديد من الطرق والأزقة.
ليست الظروف المعيشية صعبة داخل المدن المحررة فحسب؛ بل إن أوضاع النازحين في المخيمات "صعبة" في ظل انخفاض المساعدات الإنسانية ونقص الخدمات بها، رغم ما كشفته إحصائية لمنظمة الهجرة الدولية في يونيو/حزيران الماضي، عن تراجع أعداد النازحين من 5 ملايين و800 ألف نازح إلى مليونين.
مروان الدليمي، نازح من الأنبار، وتحديداً من ناحية جرف الصخر، يعيش في مخيم بحركة للنازحين في مدينة أربيل، مضى على نزوحه أكثر من 4 سنوات، تحدث لـ"العين الإخبارية"، قائلاً إن: "المساعدات قليلة جداً، ولا نستطيع العودة إلى مناطقنا لعدة أسباب في مقدمتها الدمار، وانعدام الخدمات الرئيسية وسيطرة المليشيات الإيرانية التي تمنعنا من العودة واستولت على جميع ممتلكاتنا".
لم يقتصر الدمار على الأبنية والبنية التحتية للمناطق المحررة؛ بل شمل سكانها الذين عاشوا لأكثر من 3 سنوات تحت سيطرة داعش ، وشاهدوا العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم وتعرضوا لصدمات نفسية وخوف، خصوصاً الأطفال والنساء الذين كانوا الأكثر ضرراً.
وخلال تلك الفترة، عمل التنظيم بشكل ممنهج على إلحاق أكبر نسبة من الأذى بسكان تلك المناطق، عبر تنفيذ عمليات غسل الدماغ، بينما لا يزال مليونان و500 ألف طفل عراقي، حسب إحصائية نشرتها منظمة إنقاذ الطفل العالمية في 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، في حاجة ملحة إلى الدعم التعليمي، رغم مرور عام على انتهاء العمليات العسكرية في العراق.
واعتبر المحلل السياسي عبدالكريم الكيلاني أن سبب انعدام أي خطوات حقيقية لإعادة بناء المناطق المحررة يعود إلى عدم جدية الحكومة العراقية في ملف إعادة الإعمار، وكذلك التواجد الإيراني.
الكيلاني قال لـ"العين الإخبارية" إن "عدم الجدية هذه ناتجة عن أسباب عديدة منها الافتقار إلى التخطيط المناسب الذي يوائم هذا الكم من الخراب، والاتكال على تدخل الدول المانحة والمنظمات العالمية ومساهماتها المادية في هذا الخصوص، إضافة إلى وجود قلاقل وعدم استقرار في بعض المناطق مثل سنجار، وخوف أهلها من العودة إلى مناطقهم، ووجود إرادات خارجية لا ترغب بإعادة الحياة إلى مناطق نينوى لأسباب كثيرة أخرى".
ولفت إلى أن بقاء السياسات الحالية على حالها توضح أن عام 2019 لن يختلف كثيراً عن العام الجاري، موضحاً أن "العام المقبل سيكون أفضل إذا حدثت معجزة وتغير الواقع السياسي العراقي إلى واقع أفضل وهذا ما نتمناه".
من جهته، أكد عضو مجلس محافظة نينوى بنيان الجربا، انعدام أي خطوة لإعادة إعمار نينوى، مضيفاً لـ"العين الإخبارية" أن "انعدام إعادة الإعمار يزيد من حجم معاناة المواطنين، وفي الوقت ذاته يزيد من حجم مسؤولية الحكومة الاتحادية ومؤسساتها".
ودعا "الجربا" نواب الموصل بمجلس النواب العراقي إلى لعب دورهم كممثلين عن نينوى، ورفع أصواتهم عالياً، مطالبين الحكومة العراقية بمباشرة عمليات إعادة المدن المدمرة.
وأضاف "الجربا": "لدينا نحو ٣٠ نائباً موصلياً في مجلس النواب العراقي، عليهم العمل بجد من خلال استدعاء المؤسسات الخدمية للوزارات ووضع جدول ومنهاج وإنشاء خلية أزمة للمباشرة بعمل حقيقي، ومناشدة الجهات الدولية؛ لأن نينوى حاربت الإرهاب نيابة عن العالم".
ووصف عضو مجلس محافظة نينوى ملف إعادة إعمار المدن المحررة من داعش بأنه "كبير وشائك"، مطالباً جميع الأطراف بالتعاون لإنجازه وتمكين الحكومة المحلية من الأداء. مضيفاً: "لكن بدل إعادة الإعمار نلاحظ حالياً ارتفاع نسب الفساد الذي يعتبر الأخطر من الإرهاب والمسبب الرئيسي للإرهاب، دون أن تحد الحكومة منه وتقضي عليه".
وحذر من وجود مؤشرات سلبية في المدن المحررة قد تؤدي إلى وقوع أحداث أخطر من سيطرة داعش على مساحات واسعة من العراق عام 2014، قائلاً: "يمر البلد بأزمة كبيرة وقد حذرنا منها لعدة مرات، خصوصاً في الموصل التي بدأ ناقوس الخطر يدق فيها".
محافظة الأنبار التي تشكل ثلث مساحة العراق ليست هي الأخرى أقل دماراً من الموصل، فنسبة دمارها حسب المتحدث باسم مجلس المحافظة عيد عماش بلغ "أكثر من 80%"، مشيراً إلى أن "التدمير استهدف البنى التحتية وممتلكات المواطنين في المحافظة، التي أعلنتها الدورة السابقة لمجلس النواب العراقية محافظة منكوبة حالها حال الموصل والمدن الأخرى المحررة من داعش".
المتحدث باسم مجلس المحافظة عيد عماش أكد أيضاً أن "العراق بوضعه الحالي لا يستطيع أن يعيد إعمار الأنبار والمحافظات الأخرى؛ لأن حجم دمارها كبير جداً، ولذلك ندعو المجتمع الدولي إلى مد يد العون لإعادة إعمار هذه المحافظات، أو ستبقى هذه المحافظات مدمرة وتعاني من التخلف لعشرات السنين".
وشهدت المدن المحررة من داعش جهوداً فردية لساكنيها الذين أعاد عدد منهم إعمار وبناء منزله، إضافة إلى المشاريع التي تقدمها المنظمات الدولية في هذه المناطق للنهوض بواقعها؛ لكن "عماش" اعتبر الجهود المبذولة حالياً بسيطة مقارنة بنسبة الدمار، مضيفاً أن موازنة العراق المالية للعام المقبل لن تختلف عن سابقتها من موازنات الأعوام الماضية.
وتابع "ستكون موازنة هزيلة وضعيفة، لذلك لن تكون هناك إمكانية لإعادة إعمار المدن المحررة".
aXA6IDMuMTQ5LjI1MC4xOSA= جزيرة ام اند امز