مفكرون وحقوقيون عراقيون يؤكدون لـ"العين الإخبارية" أن قانون جرائم المعلوماتية المعروض أمام مجلس النواب يهدف إلى تقييد حرية التعبير.
أثار استعداد مجلس النواب العراقي لتمرير مشروع قانون جرائم المعلوماتية خلال فصله التشريعي المقبل مخاوف الصحفيين والمدونين والناشطين العراقيين مجددا من مخطط الأحزاب السياسية التابعة لإيران لتكميم الأفواه وتقييد حرية التعبير.
ويتخوف العراقيون من منح مشروع قانون جرائم المعلوماتية السلطات العراقية صلاحيات مطلقة لفرض عقوبات مشددة تصل إلى السجن المؤبد، على جرائم مبهمة وغير موضوعية تفتقر إلى الوضوح القانوني باستخدام مصطلحات فضفاضة كالمساس باستقلال البلاد ووحدتها وسلامتها أو مصالحها الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا، أو إثارة النعرات المذهبية أو الطائفية أو الفتن أو تكدير الأمن والنظام العام أو الإساءة إلى سمعة البلاد.
ويعتبر قانون جرائم المعلوماتية المؤلف من 31 مادة تجرم الأنشطة المندرجة تحت حرية التعبير، منافيا للدستور العراقي الذي ينص في المادة (٣٨) من الفصل الثاني وتحت عنوان (الحريات العامة) على أن تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والآداب أولا حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وثانيا حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر، ثالثا حرية الاجتماع والتظاهر السلمي.
ورغم أن الدستور شدد في الباب الأول، المادة (٢) أولاً على أنه "لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور"، إلا أن مراقبين للمشهد العراقي يرون أن المليشيات والأحزاب التابعة لإيران ستمضي بمشروع القانون وتنفذه بحذافيره في إطار خططها لتأسيس نظام مشابه للنظام الإيراني في العراق.
وشدد تحسين الزركاني، رئيس الهيئة الإدارية لمركز القلم العراقي، على أن مشروع قانون جرائم المعلوماتية يحتوي على الكثير من العبارات المطاطية التي من الممكن أن تستخدمها الحكومات لإسقاط الخصوم بغض النظر عن ماهيتهم، سواء كانوا من الصحفيين أو المعارضين أو الناشطين والمدونين.
وقال الزركاني لـ"العين الإخبارية": إن "هذا القانون بنسخته الحالية يمنح الحكومة صلاحية صياغة التهم وفق ما ترتئيها لقمع الرأي العام، وبالنتيجة لا يمكن تحقيق الديمقراطية والحفاظ على حرية الرأي والتعبير وفقه".
وأشار الزركاني إلى أن الأوساط الثقافية خصوصا الصحفية والمجتمعية العراقية ومراكز الدفاع عن حقوق الإنسان والصحفيين العربية والعالمية تحاول منذ العام الماضي وحتى الآن إيقاف محاولات تمرير هذا القانون.
انتكاسة للديمقراطية
بحسب الزركاني سلمت هذه الجهات رسالة اعتراض واحتجاج على القانون لمجلس النواب العراقي حملت تواقيع أكثر من 16 منظمة ومركزا معنيا بالدفاع عن حقوق الإنسان، ودفعت الرسالة بالنائب الأول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي إلى دعوة مكاتب المجلس في المحافظات العراقية إلى عقد ورش عمل بمشاركة صحفيين ومدونين وناشطين مجتمعين للوصول إلى رؤية مشتركة حول النقاط الخلافية والعبارات المطاطية، وإيجاد قانون يفي بالغرض بالفعل ولا يتعارض مع الحريات ولا يتسبب بقمعها.
لكن هذه المحاولات لم تنجح في إيقاف محاولات الأحزاب السياسية العراقية لتمرير القانون، وأكد الزركاني أن مجلس النواب والأحزاب السياسية ذاهبان إلى تشريع القانون بعد انتهاء عطلة الفصل التشريعي في ٢٥ سبتمبر/أيلول المقبل، معتبرا القانون "انتكاسة للديمقراطية في العراق، ينبغي أن يتحرك الجميع للتصدي له فيما إذا نجح السياسيون من تمريره في البرلمان".
وأضاف الزركاني أن إصرار السياسيين والكتل السياسية على تمرير هذا القانون نابع من قلق الطبقة السياسية من رصد الصحفيين والمدونين لما يجري من عمليات فساد مالي وإداري وسوء استخدام السلطة في العراق، لذلك هم بحاجة لقانون يمنع هذه الأصوات ويسكتها.
وأنهى مجلس النواب العراقي القراءة الأولى لمشروع قانون جرائم المعلوماتية في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، لكنه لم يتمكن خلال الأشهر الماضية التي أعقبت القراءة الأولى من التصويت عليه إثر انشغاله بعملية استكمال الحقائب الوزارية في الحكومة العراقية التي استكملت نهاية يونيو/حزيران الماضي.
أداة للقمع
منظمة العفو الدولية عبرت في رسالة مفتوحة موقعة من تسع منظمات غير حكومية موجهة للسلطات العراقية في مارس/آذار الماضي عن قلقها البالغ إزاء مشروع قانون جرائم المعلوماتية، وحذرت خلالها من أن "القانون المقترح سيخلق مناخًا من الرقابة الذاتية في البلاد".
وأوضحت العفو الدولية أن "صياغة القانون الفضفاضة تعني أنه يمكن بسهولة أن يصبح أداة للقمع في بلد حيث المساحة الخاصة بالأصوات الناقدة مقيدة بشدة بالفعل".
وأطلقت القوات الأمنية العراقية ومليشيات الحشد الشعبي العام الماضي الرصاص الحي على المتظاهرين في جنوب العراق الذين طالبوا الحكومة بتوفير الخدمات الرئيسية وفرص العمل لهم، ونفذت عمليات اعتقال واسعة في صفوف الناشطين والمتظاهرين ما زالت مستمرة حتى الآن في البصرة والمدن والأخرى، وأقدمت على قطع خدمة الإنترنت لعدة أيام لمنع تواصل الناشطين والصحفيين فيما بينهم ونقل صور وفيديوهات التظاهرات وكيفية قمعها من قبل السلطات الأمنية.
واعتبر الكاتب والصحفي العراقي علي البيدر في تصريحات لـ"العين الإخبارية" أن "مشروع قانون جرائم المعلوماتية بنسخته الحالية انعكاس لعدم نضج وقصور عقلية المشرع العراقي الذي يحاول ترسيخ وتعزيز دور الديكتاتورية والرقابة الصارمة على الشعب الذي يتطلع إلى قوانين تمنحه مساحة من الديمقراطية".
تكميم أفواه
وتابع البيدر أن "فرض هكذا قانون من شأنه أن يكمم الأصوات ويعيدنا إلى عصر الديكتاتورية بطريقة منظمة، لذلك قانون جرائم المعلوماتية يعتبر قنبلة موقوتة موضوعة في طرد مغري المنظر بمجرد فتحه تنفجر القنبلة مسببة أضرارا لن يتمكن العراق من التعافي منها".
وذكر الخبراء أن مشروع قانون جرائم المعلوماتية صيغ بطلب من الأحزاب التابعة لإيران عام ٢٠١١ من قبل عدد من اللجان النيابية خصوصا لجان الأمن والدفاع والتعليم العالي واللجنة القانونية ولجنة الثقافة والإعلام والسياحة، وتمكن المدونون والصحفيون والناشطون عبر جمع التواقيع من تحريك جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان والصحفيين العربية والعالمية للتدخل والضغط على مجلس النواب العراقي للعدول عن تشريع القانون، وبالفعل سحب المشروع آنذاك.
لكنهم رأوا أن الدور الذي يلعبه عدد من الصحفيين والمدونين العراقيين في كشف جرائم إيران ومليشياتها في العراق وتورطها في صفقات فساد كبيرة دمرت العراق دفعت بالنظام الإيراني إلى إحياء هذا المشروع والعمل على تشريعه عبر نفوذه في مجلس النواب العراقي.