تهديد المتظاهرين بعودة المليونية إلى ساحات الاعتصام من شأنه أن ينبّه الحكومة بأن استخدام القوة لم يعد نافعا بعد أن أثبت فشله.
ماذا ينتظر العراقيون بعد الأزمة التي تعصف في البلاد بعد حوادث سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى من المتظاهرين السلميين؟ لا يبدو الحل يلوح في الأفق؛ لأن المشهد السياسي العراقي يتعقّد يوماً بعد آخر، والأوضاع تبدو جامدة تراوح في مكانها، والعراقيون ينتظرون الحلول العاجلة التي يطالب بها المتظاهرون دون أذن تصغي إليهم، وكثيرون يحلمون بوصفة سحرية أو دواء شافٍ، بينما يكمن الحل في الواقع، لا تزال حكومة محمد توفيق علاوي تنتظر في كواليس البرلمان الذي عليه أن يتخذ الخطوات العملية لإخراج البلاد من هذه الأزمة، وباتت مطالب المتظاهرين حاجة أساسية في الشارع العراقي، وهي إصلاح الأزمة الحالية ووضع البلاد على سكة التطور والنمو والتقدم في المجالات كافة، لا تزال الأحزاب تتخبط ولا تعرف كيف تتصرف إزاء الأوضاع المتأزمة بعد أن تزعزعت كثير من القناعات، وبات المشهد السياسي صعباً على الجميع وينتظر معالجته قبل فوات الأوان.
لا يمكن إعادة القواعد القديمة رغم أن الجميع يعرف أين يكمن الحل، وهو تشكيل حكومة مصغرة تدير شؤون البلاد لفترة محددة، وصياغة قانون جديد للانتخابات، وتوطيد السلم الاجتماعي والانخراط في عملية البناء والتطور.
مهما يكن من أمر فإن ترشيح رئيس الوزراء المُكلّف لبعض السياسيين المستقلين يُعد خطوة متقدمة نحو الحل، وهو المطلب الذي ينادي به المتظاهرون في ساحات الاعتصام، لكن دخول الحكومة الجديدة في نفق مظلم بدد جميع الآمال في الخروج من هذه الأزمة الخطيرة، ولا بد من إجراء الخطوات العملية الجادة التي يحلم بها العراقيون وهو إصلاح قوانين الانتخاب والخروج من نفق الأزمة التي تعصف بالبلاد، وهي لا يمكن تُعالج بفرض القوة بل بالتعامل الموضوعي والعلماني مع الأزمة.
ويجب النظر بجدّية إلى مصلحة العراق الحقيقية التي تتلخص في فرض القوانين والتشريعات لإبعاد شبح التفكك والمصير المجهول؟ وعلى الكتل البرلمانية القوية الثلاث، سائرون والفتح والنصر، إضافة إلى الكتلة الكردية والعرب السنّة أن يتعاونوا فيما بينهم وعدم تخندق كل منهم في جبهة أمام الأخرى والابتعاد عن الأجندات الأقليمية الأخرى؛ لأن الخطر يتهدد الجميع في الوقت الحاضر في غياب الحكومة الجادة في معالجة الأزمة.
ولعل الأزمة تكمن في عدم امتلاك أي طرف عراقي أو حتى إقليمي مفاتيح حل هذه الأزمة التي خرجت عن سيطرة الجميع، وهو ما يتطلب رؤية جديدة قادرة على استيعاب ما يحدث خشية الوقوع في حرب أهلية لا أحد يتوقع مداها.
إن سياسية إخفاء الرأس في الرمال لم تعد ناجعة بدون العودة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والتطور والتنمية، والاستجابة لمطالب الشارع المشروعة، ويبدو أن القواعد القديمة السابقة في تشكيل الحكومة قد تكسرت، ولا يمكن إعادة القواعد القديمة رغم أن الجميع يعرف أين يكمن الحل؟ وهو تشكيل حكومة مصغرة تدير شؤون البلاد لفترة محددة، وصياغة قانون جديد للانتخابات، وتوطيد السلم الاجتماعي والانخراط في عملية البناء والتطور، ويبقى الحل في يد البرلمان الذي يجب أن يعيد النظر في استجابته لما ينادي به الشارع؛ لأنه في نهاية المطاف الممثل الشرعي للشعب أو هكذا يجب أن يكون، ولا خيار له سوى إقناع الجميع بفرض القواعد الجديدة أي خيار المستقلين وهي خطوة كبيرة نحو الحل.
إن تهديد المتظاهرين بعودة المليونية إلى ساحات الاعتصام من شأنه أن ينبّه الحكومة بأن استخدام القوة لم يعد نافعاً بعد أن أثبت فشله في إيجاد الحلول، وعلى هذا الإيقاع تدخل الأزمة العراقية في مرحلة جديدة عندما بدأ الإعلان عن وجود إصابات بوباء كورونا ما يزيد المشهد قتامة وتعقيداً. ولعل تجنّب التجمعات يعني عدم الانخراط في المظاهرات، ولكن لا بديل سوى التغيير والإصلاح عن الطريق السلمي، ونبذ مصطلح "المكونات" الذي عمل على تصنيف المجتمع العراقي الذي كان موحداً في السابق؛ لذا ينادي المتظاهرون بالعودة إلى مبدأ العراقية الذي يوحد الجميع بعيداً عن أي أفكار عن المحاصصة التي نخرت المجتمع العراقي طول عقد ونصف؛ لأن فيروس كورونا لا يفرّق بين أي مذهب أو طائفة أو عقيدة، فهو يصيب الجميع.
يتأرجح المشهد السياسي العراقي الآن بين رياح كورونا والأزمة، فهل يُرجّح كفّة العقل في الإصلاح والعودة إلى البناء ونبذ الخلافات وعدم التمسك بالقشور؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة