بعد إعلان القيادة المركزية للجيش الأمريكي، أخيراً عن مقتل زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي أبو الحسن الهاشمي القرشي في مدينة جاسم التابعة لمحافظة درعا جنوب سوريا، وتعيين أبي الحسين الحسيني القرشي "خليفة" له ليكون رابع زعيماً للتنظيم، تبرز بقوة أسئلة حول مستقبل
وكان "داعش" تشكل من الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، وازدهر في العراق اعتبارًا من عام 2006، ثم في سوريا نتيجة الفوضى الناجمة عن الأزمة السورية المستمرة منذ عام 2011. وينتهج عناصر التنظيم ممارسات وحشية منحرفة عن الدين الذي يجاهرون به، كالإعدام بقطع الرؤوس، والاسترقاق وسبي النساء، والقتل الجماعي.
يلحظ المتابع لنشاط التنظيمات الإرهابية بأنها تتراجع في نشاطها عند مقتل أو اعتقال بعض قياداتها الإجرامية ثم تنشط بعد فترة وجيزة، وقد نجحت القوات الأمريكية في اعتقال قادة من التنظيم الإجرامي في عمليات عدة، كما تم قتل أبرز زعيمين للتنظيم وهما أبو بكر البغدادي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ثم أبو إبراهيم القرشي في فبراير/ شباط 2022 في محافظة إدلب في شمال غرب سوريا.
واللافت أن "داعش" الإرهابي قد مني بهزيمة قوية في العراق عام 2017 حيث فقد السيطرة على مناطق واسعة في العراق وكذلك في سوريا عام 2019، وخسر كامل مناطق سيطرته في الدولتين المتجاورتين بحدود شاسعة، لكن عناصره المتوارين لا يزالون يشنون هجمات بين فترة وأخرى ولو بشكل محدود داخل البلدين خصوصا ضد القوى الأمنية. كما تبنى التنظيم الإرهابي المتحور، هجمات في دول أخرى.
مازال التهديد قويا
وفي يوليو/ تموز المنصرم أعلنت الولايات المتحدة أنها قتلت زعيم "داعش" في سوريا ماهر العكال في ضربة نفذتها طائرة مسيرة أمريكية، ووصفته القيادة المركزية في البنتاجون بأنه "أحد القادة الخمسة الأبرز" في التنظيم المتطرف. والثابت لأنه بمقتل زعيم أو قائد للتنظيم الإرهابي لا يمكن الجزم بأن التنظيم قد انتهى دون رجعة والدالة على ذلك استمرار نشاطه الإرهابي بعد مقتل رموز إرهابية وازنة في التنظيم.
وعلى الرغم من أن الجهود المشتركة التي بذلتها الدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش أتاحت تحرير نحو 8 ملايين عراقي وسوري كانوا يرزحون تحت نير التنظيم الإرهابي، ما زال تنظيم داعش يمثّل تهديدًا خطيرًا للأمن الدولي، نظرًا إلى: استمرار وجود خلايا سرية ناشطة على الساحة العراقية والسورية، إضافة إلى وجود مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم داعش في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وجنوب آسيا وجنوب شرق آسيا وهناك إمكانية لانتشار نشاط تنظيم داعش الإرهابي عبر استغلاله لهشاشة الوضع السياسي في المناطق المتأزّمة في العالم كأفغانستان وليبيا وباكستان.
وبهذا المعنى فإن مقتل زعيم تنظيم "داعش" أبو الحسن الهاشمي أخيراً لم يكن نهاية المطاف وأفول التنظيم الإرهابي، بل سيسعى إلى إعادة صفوفه وتنصيب قياداته في كل منطقة بغرض القيام بنشاطات أكثر دموية وإجرامية.
"داعش" والنفط والتمويل
رغم الضربات الموجعة التي تلقاها تنظيم داعش الإرهابي منذ نشأته على يد دول التحالف الدولي وخاصة أمريكا، إلا أن مستقبل التنظيم والقضاء عليه دون رجعة يتطلب اتباع سبل ووسائل جادة وفي مقدمتها قطع قنوات موارد تمويل تنظيم داعش الإرهابي وتجفيفها، ويجب أن يكون ذلك بمثابة أولوية لدول التحالف وكانت تلك الدول قد أعلنت التزاماتها من أجل مكافحة التستر على قنوات التمويل وتجنّب مخاطر إساءة استعمال منتجات وخدمات مالية جديدة على وجه الخصوص. وقد أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2462 في 28 مارس/ آذار من عام 2019 أكد خلاله على مكافحة تمويل الإرهاب الذي يكمّل الإطار القانوني المتوافر في هذا المجال.
وللحد من عمليات تمويل تنظيم داعش الإرهابي تمّ اتُّخاذ مجموعة من التدابير الرامية إلى مكافحة الشبكات غير الشرعية والاتجار المنظّم بالنفط والتحف الفنية والبشر، علمًا أن تنظيم داعش التجأ إلى هذه الأساليب للحصول على التمويل بطرق غير مباشرة. وللانقضاض على تنظيم داعش والإطاحة به لابد من مكافحة الوجود الافتراضي للتنظيم الإرهابي، من خلال عمل جاد لرصد المحتويات الجهادية الدعوية المتوافرة للتنظيم الإرهابي على الإنترنت وتفكيكها وإزالة المحتويات الإرهابية والمتطرفة العنيفة عن الإنترنت وبالتالي التفاهم والاتفاق مع الحكومات والجهات الفاعلة في مجال الإنترنت في العالم، بغرض منع تحميل المحتويات الإرهابية الدعوية لتنظيم داعش الإرهابي وبتجفيف قنوات التمويل لهذا التنظيم الإرهابي وإجهاض حملاته الدعوية على وسائل التواصل الاجتماعي إضافة إلى ملاحقته بشكل يومي وتدمير قدراته العسكرية وملاحقة قادته، تكتمل دوائر القوة للإطاحة بتنظيم داعش الإرهابي دون رجعة.
وعلاوة على ذلك، بادرت فرنسا ونيوزيلندا بمعية دول وحكومات آخرين وممثلين عن منشآت الإنترنت إلى استهلال "نداء كرايستشيرش" في باريس في 15 مايو/ أيار 2019. وينطوي هذا النداء على إزالة المحتويات الإرهابية والمتطرفة العنيفة عن الإنترنت ويلزم الحكومات والجهات الفاعلة في مجال الإنترنت بمنع تحميل المحتويات الإرهابية وبتحسين الشفافية في رصد هذه المحتويات وإزالتها بغية التخفيف من انتشارها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة