تبنّي فكرة حرب الاستنزاف كمنهج حربي جديد ليس اختراعا خاصا بداعش
نشرت مجلة النبأ الأسبوعية التابعة لتنظيم داعش في عددها الـ195 إنفوجرافا تحت عنوان "الحرب المقدسة"، ويستعمل التنظيم تقنية تُسمى في علم الدعاية "فكرة القوة"، وفي هذه الحالة قدمها داعش من خلال أسلوب الإنفوجراف، وتعتمد تلك التقنية على ضخ كلمة أو عدة كلمات في الرسالة الإعلامية، على أن تكون تلك الكلمات هي لبّ وجوهر الرسالة الدعائية.
من خصائص فكرة القوة أنه يجب أن تكون قابلة للتذكر بسهولة، منذ مايو/أيار الماضي شرع المستشارون الدعائيون لزعيم داعش أبوبكر البغدادي شيئاً فشئياً في إدخال عبارة "حرب الاستنزاف" كفكرة القوة في رسائل التنظيم الدعائية.
الآن وبعد تغيير السيناريو بالنسبة لداعش (وليس الهزيمة) يراهن التنظيم على تغيير استراتيجيته وكذلك الشأن بالنسبة لدعايته، وباستعمال مصطلح "الاستنزاف" يود التنظيم إظهار وبشكل غير مباشر أنه ليس على عجلة من أمره هذه المرة كما كان سنة 2014، وأن مناورته الآن بعيدة الأفق، أي أنها طويلة المدى
ولهذا التفصيل أهميته الخاصة، ففي شهر يونيو/حزيران 2014 أعلن أبوبكر البغدادي عن قيام خلافته، وقد كان ذلك بمثابة التتويج للسرعة التي تمدد بها تنظيمه، الآن وبعد تغيير السيناريو بالنسبة لداعش (وليس الهزيمة) يراهن التنظيم على تغيير استراتيجيته وكذلك الشأن بالنسبة لدعايته، وباستعمال مصطلح "الاستنزاف" يود التنظيم إظهار وبشكل غير مباشر أنه ليس على عجلة من أمره هذه المرة كما كان سنة 2014، وأن مناورته الآن بعيدة الأفق، أي أنها طويلة المدى.
تبنّي فكرة حرب الاستنزاف كمنهج حربي جديد ليس اختراعاً خاصاً بداعش، فهذه الفكرة ضمن فكرة أخرى مقتبسة من كتاب "الدعوة إلى مقاومة إسلامية عالمية"، المتكون من 1600 صفحة، وهو المُنظِّر لتنظيم القاعدة مصطفى ست مريم (أبومصعب السوري)، هذا الكتاب تم تأليفه سنة 1990 ليُنشر عام 2004 في منتديات جهادية، ومن أجل معرفة نوايا داعش المستقبلية يتحتم على كل المختصين في الحرب على الإرهاب مطالعة هذا الكتاب، فقد نجح ست مريم في التنبؤ بالمستقبل الجهادي، وخلق عقيدة وتوضيح المسار، ومع أنه إرهابي إلّا أنه يجب أن نكِنَّ له بعضاً من الاهتمام كأي عدو، وعدم الدخول في الغرور والتقليل من الشأن الذي لا يقود سوى إلى الأشياء غير المتوقعة، وهو النهج المعروف سلفاً.
وقد اتبع ست مريم تعاليم المُنَظِّر الصيني "سو تزو" الذي أورد قبل 500 سنة من ميلاد المسيح في كتابه "فن الحرب" ما يلي: تعرّف على عدوك وتعرّف على نفسك، لن تهزم في مئة معركة، وألّا تعرف عدوك لكنك تعرف نفسك، فإن حظوظك متساوية في الفوز والخسارة، وألّا تعرف عدوك ولا نفسك فإنه يجب أن تتأكد أنك ستخسر كل المعارك.
قدّم ست مريم ثلاثة نماذج للتحكم في الأرض، من بينها نموذج "الجبهات المفتوحة"، والذي تم استهلاكه بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول، بينما يأتي استخدام النموذج الآخر في حال تعذر الثاني، إنه "مدرسة الجهاد الفردي والخلايا الصغيرة" التي تتمثل في تحرّك العناصر الفردية. هذه الصيغة هي التي نشهدها حالياً، وقام ست مريم بتقديم هذا النموذج الناجح في الميدان العسكري لأنه يجعل العدو يرتعد وفي الوقت ذاته يقترح تحريك الأمة لإرباك العدو، وهذا بالضبط هو ما سيحاول داعش فعله.
وحتى يتم استنفاذ وشلّ فعالية نموذجه الهجومي عن طريق الضربات أو الانشقاقات أحياناً والانتحاريون في بعض الأحيان الأخرى، سيواصلون تبنّي نموذجهم لأنه يخدمهم بشكل مثالي في "حربهم الاستنزافية". ومن هنا لا بد من محاربة المفكرين والمنظرين بمفكرين ومنظرين آخرين.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة