خطبة زعيم تنظيم داعش الإرهابي أبوبكر البغدادي "وبشر الصابرين" تعد تلك الخطبة من أطول الخطب التي ألقاها منذ إعلان التنظيم.
تداولت وسائل إعلامية موالية لتنظيم داعش الإرهابي خطابا لزعيم التنظيم "أبوبكر البغدادي" تحت عنوان "وبشر الصابرين"، وبصورة عامة تعد تلك الخطبة من أطول الخطب التي ألقاها البغدادي منذ إعلان تنظيم داعش الإرهابي، وبمقارنة الصوت في الإصدار وصوت البغدادي في خطاباته الأخرى لا يمكن التشكيك في كون الإصدار منسوبا فعليا له.
كل ما جاء في إصدار البغدادي هو أمر ليس بجديد، ويعبر عن أن "داعش" نال من الخسائر التي أدت إلى تفككه وأصبح هيكله متمثلا فقط في قيادته المركزية، إلى جانب أنه بات لا يشكل تهديدا واضحا لأغلب الدول التي ذكرها البغدادي في خطابه
وبعيدا عن تلك الأقاويل المشككة في مدى نسب الإصدار للبغدادي من عدمه، فإن الإصدار له دلالات عدة، أبرزها أنه ركز بالإساس على "سوريا" والوضع هناك، والتركيز هنا يأتي لأسباب عدة أولها تخبط الأوضاع في سوريا بالأخص عن غيرها من دول الأزمات في المنطقة، وثانيها أن الأطراف المتشابكة في سوريا دائما ما تم استغلالها في خطاب التنظيمات الإرهابية كوسيلة للتجنيد ومحاولة كسب شرعية، سواء بالحديث عن الولايات المتحدة أو روسيا أو إيران، وعليه فإنها محاولة لاستجداء أتباع الفكر المتطرف للاصطفاف حول بقايا التنظيم في سوريا، وهذا ما يعبر بصورة واضحة على كون التنظيم لم يعد يطلق عليه "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وإنما يمكن القول بأنه أصبح "دولة الشام الإسلامية".
إلى جانب هذا يظهر البغدادي في إصداره مدى موازنته للمرة الأولى تقريبا ما بين "العدو البعيد والعدو القريب" وإن كان تلك المرة يركز أكثر على العدو البعيد، حيث ركز خطابه في نقاط عدة على الولايات المتحدة الأمريكية، وهنا يشترك شيئا ما وبصورة واضحة مع خطابات تنظيم القاعدة، وهذا ما يدفع للتساؤل هل هناك احتمالية لتوجه البغدادي نحو تنظيم القاعدة؟ حقيقة الأمر في نهاية عام 2015 أصدر الظواهرى خطابا تبعه في بداية عام 2016 خطاب للبغدادي، تقاربا فيها شيئا ما في وجهات النظر ولغة الخطاب والعدو بالنسبة للتنظيمين، وبخلاف الأمريكان والروس والإيرانيون وحزب الله والعلويون، أضاف البغدادي التحالف العسكري الإسلامي لقائمة الأعداء مركزا أيضا على موقفه من سوريا، كما أن الخطابين آنذاك ظهر فيهما نوع من أنواع مغازلة كل منهما للآخر، وخطاب البغدادي الأخير بعيد عن التركيز على العدو البعيد، يظهر فيه البغدادي أنه يخاطب عموم أتباع تنظيمات "السلفية الجهادية" بمختلف أفكارها، إلى جانب أن ضعف القيادة المركزية لداعش وغياب قيمة البغدادي أمر قد يدفعه حال وجود محاولة للاتحاد فعلية بين التنظيمين إلى القبول بل ربما يسعى لهذا.
النقطة الثالثة المهمة أيضا تمثلت في ذكره لتركيا، وبعيدا عن رؤيتنا لكون ذكر البغدادي لتركيا في هذا الصدد هو محاولة منه لكسب عناصر جديدة من المتعاطفين مع تركيا لصالحه، خاصة أن غالبية المتعاطفين مع تركيا من الإسلامويين، في ظل حراك القطب الإسلاموي التركي، وهو ليس موضوع حديثنا الآن، وذلك ما يدلل عليه ذكره للقضية في إطار الحديث عن الولايات المتحدة الأمريكية.
النقطة الرابعة والأكثر أهمية في الإصدار عامة تتمثل في تهديدات البغدادي المختلفة -التي تكررت بالمناسبة في أكثر من إصدار للتنظيم من قبل- سواء للأردن أو البحرين أو المملكة العريبة السعودية أو مصر أو غيرها من الدول العربية، هل تلقى تلك التهديدات صدى في أوساط أتباع هذا الفكر وتظهر في صورة عمليات إرهابية بالمناطق التي عدها بالإصدار؟ الإجابة على هذا السؤال لا يمكن بحال من الأحوال تناولها دون الوقوف على مدى قدر وأهمية البغدادي داخل التنظيم، وكذلك مدى إحكام القيادة المركزية السيطرة على الولايات والفروع بالتنظيم، فالمتابع لتنظيم داعش لا بد أن يلاحظ أن البغدادي شخص مجهول الهوية عمليا وعلميا، فذكره لم يبرز في عرف التنظيمات الإرهابية قبل أن ينصب ذاته خليفة، وقد كتب عنه "بن لادن" من قبل في أحد رسائله متسائلا عن هويته، إضافة إلى أن ظهور البغدادي منذ نشأة التنظيم إلى الآن لا يرتقي للحديث عن أهمية له بالداخل، وما يدلل على ذلك عدم نفي التنظيم الأقاويل التي خرجت من قبل تفيد مقتله أو إعلان إصابته في مرات عدة سوى مرة واحدة فقط كانت في 2014، إلى جانب هذا فيأتي ضعف سيطرة القيادة المركزية على الولايات التابعة لها داخل تنظيم داعش، وما نداء البغدادي في آخر الإصدار للقائمين على الإعلام بالتنظيم بأخذ الأخبار من القيادة المركزية والعودة للرشد، إلا دليل آخر على أن مثل هذه التهديدات لن تلقى صدى واسعا لدى التابعين والموالين شكليا للتنظيم.
خلاصة القول أن كل ما جاء في إصدار البغدادي هو أمر ليس بجديد، ويعبر عن أن "داعش" نال من الخسائر التي أدت إلى تفككه وأصبح هيكله متمثلا فقط في قيادته المركزية، إلى جانب أنه بات لا يشكل تهديدا واضحا لأغلب الدول التي ذكرها البغدادي في خطابه، وإن كانت هناك عمليات إرهابية ستحدث في القريب فإن الأمر لن يكون جراء خطاب البغدادي ولكن لظروف وملابسات الوضع الآن على الساحتين الإقليمية والدولية، خاصة في ظل الأوضاع في تركيا، وهذا موضوع يطول شرحه وسنتعرض له في مقال مقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة