عودة الدواعش.. "صداع مزمن" لم تتخلص منه فرنسا في 2019
محللون غربيون يطالبون باريس برفض عودة الدواعش وتقويض نفوذ الإخوان الإرهابية ووقف تمويلهم لمحاصرة الإرهاب.
شكلت أزمة عودة عناصر تنظيم داعش الإرهابي من الأجانب إلى بلدانهم الأصلية أزمة في أوروبا خلال العام 2019، وصداعا مزمنا لدى فرنسا تحديدًا التي سيطرت عليها حالة قلق واسعة من هذا التوجه جراء الهجمات التي طالتها وأودت بحياة المئات.
ومنذ عام 2015 حين وقعت هجمات باريس، أصبحت فرنسا أكثر بلدان أوروبا تعرضاً للهجمات الإرهابية، وبدا ذلك واضحاً في 2019 أيضاً.
وكانت دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لأوروبا باستعادة عناصر داعش ممن يحملون جنسياتها، وتهديده بترحيلهم إلى بلادهم الأصلية، ثم بدء العدوان التركي على الشمال السوري، وإضعاف قوات سوريا الديمقراطية وابتزاز أنقرة للغرب، كلها عوامل ساهمت جميعاً في فرار دواعش كثر من السجون وعودتهم للقارة العجوز.
وأمام ذلك، تزايدت مطالب المحللين الغربيين لفرنسا برفض عودة الدواعش وتقويض نفوذ تنظيم الإخوان الإرهابي ووقف تمويله لمحاصرة الإرهاب.
إشكالية مكافحة الإرهاب
حذر الأكاديمي الفرنسي-السويسري، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بمدرسة جنيف للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية جيل إيمانويل جاك، "من عودة عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى الأراضي الفرنسية مرة أخرى ووضعهم في السجون"، مشيراً إلى أنهم قنابل موقوتة حتى لو كانوا محتجزين.
وأضاف جاك لـ"العين الإخبارية" أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في فشل برنامج الحكومة الفرنسية في تأهيل الإرهابيين لإدماجهم في المجتمع، موضحاً أن البرنامج أثبت فشلا ذريعا.
وأوضح أن عودة إرهابيي داعش الفرنسيين من سوريا والعراق ستؤدي إلى تفاقم الوضع الحالي في البلاد، في ظل وجود عناصر منهم بالفعل على الأراضي الفرنسية وسجونها.
ولفت إلى ما تحدث عنه القاضي السابق لمكافحة الإرهاب مارك تريفيديك من أن بعض الإرهابيين المسجونين منذ 2014 و2015 سيتم الإفراج عنهم في 2020 و2021، موضحاً أن قليلا منهم فقط هم من تخلوا عن أفكارهم المتطرفة.
واعتبر أن "السجون الفرنسية قد تأثرت منذ فترة طويلة بظاهرة التطرف، حتى أصبحت مفرخة للدواعش".
وفيما يتعلق بتدابير حكومة باريس لمكافحة الإرهاب، قال الباحث السويسري: "من الصعب التكهن بنتائج جهود الحكومة الفرنسية في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون".
بدوره، رأى الباحث الفرنسي المتخصص في التنظيمات المتشددة، بجامعة أيكس في مرسيليا رولاند لومباردي، أن الدولة الفرنسية قامت بالكثير من الجهود لمكافحة الإرهاب، منذ هجمات عام 2015 على المستوى الأمني والتشريعي، ورغم ذلك فإن هذه المعركة عالمية.
وأضاف لومباردي، أن هناك تقصيرا في أداء الحكومة الفرنسية إزاء مكافحة التطرف على المستويين السياسي والتعليمي، داعياَ إلى ضرورة وقف نفوذ الإسلام السياسي في بلاده والمتمثل في تنظيم الإخوان الإرهابي وقطع علاقات باريس بالدول الداعمة له.
وفيما يتعلق بالقضية الأكثر حساسية للشعب الفرنسي، وهي عودة الإرهابيين الأجانب، قال لومباردي: "إن هناك خطورة شديدة إذا استقبلت باريس هؤلاء الدواعش مرة أخرى على أراضيها، فلا توجد خطط محددة مسبقًا، ولا هياكل لهذا الغرض (سجون منفصلة)".
وتابع: "كل شيء يتم تنفيذه وإعداده على عجل، لذا فمن الخطأ الشديد إعادة هؤلاء الإرهابيين"، مطالباً بمحاكمتهم في سوريا والعراق حتى لو واجهوا عقوبة الإعدام.
وكانت صحيفة "ليكسبريس" الفرنسية، قد أشارت إلى أن تردد باريس في عودة إرهابيي "داعش"، الموقوفين في شمال سوريا؛ يعود إلى خشيتها من أفكارهم ومعتقداتهم الأيديولوجية، واصفة إياهم بالقنابل الموقوتة.
وأشارت إلى أنه من حق فرنسا الخوف على أمنها، خاصة أنها إحدى الدول المشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا، وشنت عدة غارات عسكرية على عناصره.
غير أن عودة الإرهابيين وعائلاتهم تطرح مخاوف لدى السلطات الأمنية في الدول الغربية، إذ يرى مسؤولون أمنيون أنهم تلقوا تدريبات وحصلوا على مهارات وقدرات تجعلهم يشكلون خطرا أمنيا كبيرا.
وأضافت الصحيفة أن "العائدين من داعش يعلمون جيداً أن الحكومة الفرنسية مترددة في استعادتهم، وأن هذا الملف يشكل موضوعاً حساسا في بلد لا يزال يعاني من ندبات الهجمات الإرهابية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، توجه وزير الخارجية جان إيف لودريان إلى العراق، لبحث الوضع في شمال شرقي سوريا وتأثير العدوان التركي على المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابي، كما بحث مع مسؤولين عراقيين وأكراد مساعي وضع إطار قضائي يتيح للعراق محاكمة الدواعش المحتجزين في سوريا.
أزمة عودة الدواعش
وكانت إذاعة "يوروب1" الفرنسية، قد كشفت عن خطة الحكومة للتعامل مع المتطرفين الذين انضموا لتنظيم داعش وكانوا محتجزين لدى الأكراد، وذلك بعد العدوان التركي على شمال سوريا.
وتتضمن الخطة نقل الدواعش الفرنسيين إلى العراق تحت تصرف سلطات بغداد ومحاكمتهم، لتجنب عودتهم إلى باريس، مقابل تحمل السلطات الفرنسية تكلفة نقلهم واحتجازهم.
وأشارت إلى أن "عدد الإرهابيين الفرنسيين شمال سوريا يقدر بنحو 400 فرد بينهم 300 من النساء والأطفال، ما يعني أن هناك نحو 100 فرنسي بين هؤلاء يشكلون خطرا على بلدهم الأصل".
وسبقت هذه الجهود الفرنسية لتسوية أوضاع الدواعش، شكوى تقدم بها أسر الإرهابيين الفرنسيين لاستعادة ذويهم، حيث أشارت صحيفة "لوموند" الفرنسية، في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى أن العشرات من عائلات نساء وأطفال الدواعش الذين كانوا محتجزين في مخيمات الأكراد في سوريا، تقدموا بشكوى ضد وزير الخارجية الفرنسي لرفضه إعادتهم إلى البلاد.
وتتهم العائلات لودريان بأنه رفض "طوعا وعمدا" إعادة نساء وأطفال إرهابيين فرنسيين محتجزين في مخيمات الأكراد في سوريا و"معرضين للخطر".
وهذه قائمة بأبرز 5 هجمات إرهابية شهدتها فرنسا خلال 2019:
حادث ليون
في مايو/آيار الماضي، انفجر طرد مفخخ وسط مدينة ليون أمام مخبز، أدى إلى إصابة 14 شخصا بجروح طفيفة، وبعد 3 أيام من الواقعة اتضح أن منفذ الهجوم جزائري (24 عاماً) وتم توجيه الاتهام إليه بـ"مبايعته" تنظيم داعش الإرهابي.
مسجد بريست
في يونيو/حزيران الماضي، شن مسلح هجوما إرهابيا على مسجد في مدينة بريست غربي فرنسا، وأسفر عن إصابة الإمام وشخص آخر قبل أن ينتحر المهاجم.
حادث طعن في ليون
وفي سبتمبر/أيلول، قتل شخص وجرح 8 آخرون على الأقل، في حادث طعن، وقع في بلدة فيلوربان بالقرب من مدينة ليون وسط شرق فرنسا، وتم توقيف شخص، بينما تبحث الشرطة عن آخر، فيما لا تزال دوافع منفذي الهجوم غير معروفة.
هجوم مقر شرطة باريس
في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعرض مقر شرطة العاصمة الفرنسية باريس لهجوم بسكين من قبل أحد العاملين بالمكان، ما أدى إلى مقتل 4 أشخاص بينهم سيدة بالإضافة إلى منفذ الهجوم، وأعلنت الشرطة آنذاك تطرف المتهم.
مسجد بايون
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي أيضاً، أصيب شخصان بجروح في إطلاق نار على مسجد في مدينة بايون جنوب غرب البلاد.
وأعلنت الشرطة الفرنسية اعتقال المشتبه به وله علاقات باليمين المتطرف.