واجه داعش مقاومةً قوية عندما حاول التحرك شمالاً إلى الجزائر وتونس وليبيا. وما زال يحاول ذلك في جنوب الجزائر
منذ بداية عام 2020، نشهد سلسلة من التحركات المهمة للجماعات الإرهابية في غرب أفريقيا. وحتى اغتيال الزعيم السابق لداعش، أبوبكر البغدادي، ظلّ عناصر الجماعات داخل مناطق نشاطهم دون حصول أي اشتباكات بين فروع القاعدة وداعش. هذه التحركات الجديدة تكشف عن نوايا داعش التوسعية، وإلى أين يريد الوصول بعد تعيين زعيمه الجديد، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.
طيلة شهر يناير المنصرم، توالت الأنباء المتفرقة حول حالة الاستياء التي يوجد عليها بعض قادة جبهة تحرير ماسينا الموالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والتي يتزعمها، أمادو كوفا طوال.
ظهرت على شبكات التواصل الاجتماعي مجموعة كانت قد تبنّت بعض الهجمات باسم "جنود الخلافة في مالي"، وقد أعلنت الجماعة عن مبايعتها لأبي إبراهيم الهاشمي القرشي في نامبالا-مالي. ودون إهمال هذه المجموعة، فإن الحقيقة هي أن داعش في غرب أفريقيا يكشف عن نواياه.
كانت هذه في أعقاب المواجهات التي اندلعت بين مؤيدي زعيم جبهة تحرير ماسينا وأحد قادة الحركة ويُدعى، مامادو موبو (له تأثير كبير على جماعة بيول العرقية). ويعود سبب الخلافات بينهما إلى ملفات تتعلق بإدارة الحركة لعملياتها ومواردها في وسط مالي. وانتهى هذا النزاع بمقتل عنصرين من جماعة موبو، لذلك قرر هذا الأخير الانشقاق عن الحركة والانضمام إلى جماعة داعش في الكبرى للصحراء التي يتزعمها، أبوالوليد الصحراوي.
وفي مطلع شهر يناير المنصرم، هاجم الرجل الثاني في تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، عبدالحكيم، مواقع لجبهة تحرير ماسينا والقاعدة في المغرب الإسلامي وتنظيم القاعدة في منطقة ديالوبي. وأسفر الهجوم عن مقتل عنصرين من مقاتلي جبهة تحرير ماسينا وسبعة مدنيين. هل كان ذلك الهجوم رد فعل على مصرع عنصرين من جماعة موبو المنشقّة؟. لقد تم خرق اتفاق عدم الاعتداء بين القاعدة وداعش في تلك المنطقة من أفريقيا، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام توسّع كل من الجماعتين في أرض نفوذ الخصم.
وفي الأثناء، ازدادت جبهة تحرير ماسينا ضعفا بعد الضربات المستمرة التي تتلقاها من طرف قوات برخان الفرنسية والجيش المالي. وتُشير تقارير استخبارية إلى أن تنظيم داعش في الصحراء الكبرى سرّب للجيش المالي والقوات الفرنسية معلومات حول تحركات مقاتلي جبهة تحرير ماسينا.
وتشعر القاعدة وفروعها في غرب أفريقيا بالاستياء من هذه المعلومات ومن توغل داعش في ما يعتبرونه أراضيهم. وقررت القاعدة التحرك بتفعيل نشاط جماعتها النائمة منذ خمس سنوات داخل نيجيريا (منطقة نفوذ داعش)، ويتعلق الأمر بجماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان، والمعروفة باسم أنصارو.
في نهاية يناير المنصرم، بعث أبومصعب عبدالودود، زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مذكرة إلى مُنظّر تنظيم القاعدة، أبومحمد المقدسي، ذكر فيها أن المنظمة مليئة بالفرّارين، وهو ما يؤكد الأنباء التي راجت حول انشقاق أعضاء جبهة تحرير ماسينا والانضمام لداعش.
الهجمات الأخيرة لتنظيم داعش في الصحراء الكبرى في النيجر والتي استهدفت شيناغودار في التاسع من يناير المنصرم، وإيناتيس أيضاً في العاشر من ديسمبر الماضي، أو التي طالت مالي في تبانكورت في 18 نوفمبر الماضي وفي أنديليمان في الفاتح من نوفمبر الماضي، كلها تُشكّل انعكاساً لتغيير موقف داعش في هذه المنطقة من غرب أفريقيا أو النوايا الجديدة لزعيمه القرشي. تقليل عدد الهجمات، وزيادة الخسائر، واغتنام الأسلحة والمركبات والوقود وغيرها من المعدات.
حتى الآن، لم يتقدم داعش نحو موريتانيا لأن جبهة تحرير ماسينا موجودة في طريق ذلك وإذا اتجهنا قليلاً إلى الشمال توجد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. لقد رسموا حدودا مُتخيّلة يُمنع عليهم تجاوزها. لقد وجد الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز نفسه مضطراً لتكذيب ما ورد في الوثائق التي نُسبت إلى أسامة بن لادن، والتي تذكر أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قد وقّع اتفاقية عدم اعتداء مع الحكومة الموريتانية في عام 2010، والتي امتنعت بموجبها موريتانيا عن تنفيذ هجمات ضد مواقع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ضمن تنازلات أخرى من بينها دفع مبالغ مالية تتراوح بين 10 و20 مليون يورو سنويا لمنع اختطاف السياح.
الوقائع على الأرض تثبت الحقائق، فموريتانيا لم تتعرض لهجمات إرهابية من القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي منذ عشر سنوات. لكن إذا كان داعش ليس من الموقّعين على ذلك العقد، فإنه لن يكون ملزما باحترامه، وبالتالي هل يمكن أن تصبح موريتانيا هدفه المقبل للتوسع؟
خلال يناير 2020، شهدنا أيضاً كيف ظهرت على شبكات التواصل الاجتماعي مجموعة كانت قد تبنّت بعض الهجمات باسم "جنود الخلافة في مالي"، وقد أعلنت الجماعة عن مبايعتها لأبي إبراهيم الهاشمي القرشي في نامبالا-مالي. ودون إهمال هذه المجموعة، فإن الحقيقة هي أن داعش في غرب أفريقيا يكشف عن نواياه. فعندما يرسم التنظيم خطا لجماعته الأخرى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أو في مقاطعة وسط أفريقيا، يتوجه إلى الشمال الغربي، فإنه يجعلها تنشط في خط مستقيم مثالي يَعبُر الكاميرون ونيجيريا والنيجر وبوركينا فاسو ومالي ويضع موريتانيا نصب عينيه.
واجه داعش مقاومةً قوية عندما حاول التحرك شمالاً إلى الجزائر وتونس وليبيا. وما زال يحاول ذلك في جنوب الجزائر، أين فجّر انتحاري في 9 فبراير الجاري سيارته المفخخة. وتُشير بعض المصادر إلى أنه يمتلك خلية تتكون من حوالي 50 إرهابيا على الجانب المالي من الحدود قرب برج باجي المختار.
بعد تحليل كل هذه المعلومات وتقييم نوايا التوسع للزعيم الجديد لداعش واللجوء للحدس، لم يتبقّ لنا سوى استخدام عبارة "قل لي من أين أتيت وسأخبرك إلى أين أنت ذاهب؟". إذا لم تكن هناك تغييرات فالجواب يُشير إلى أن التنظيم ذاهب إلى موريتانيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة