أبوعبيدة بن الجراح.. "أمين الأمة" يرفض ترك الجند في ساحة المعركة
أبو عبيدة تمتع بمكانة رفيعة عند النبي واستخلفه أكثر من مرة أميراً لبعثة ابتعثها، وفي إحدى الغزوات ولّاه الرسول على 300 رجل لثقته به
أبوعبيدة عامر بن الجراح هو الصحابي الجليل عامر بن عبدالله بن الجراح بن هلال بن وهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، أمّه أميمة بنت غنم بن جابر بن عبدالعزّى بن عامرة بن عميرة بن وديعة.
اجتمع في النسب مع الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في فهر، وكان من السابقين إلى الإسلام، فقد انطلق مع مجموعة من الصحابة إلى النبي محمد لما سمعوا بدعوته، وكان من بينهم عثمان بن مظعون، عبدالرحمن بن عوف، وأبوعبيدة بن الجرّاح، ولما عرّفهم النبي شرائع الإسلام أسلموا في اللحظة ذاتها، وكان ذلك قبل أن يتخذ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- دار الأرقم محلّا لجلوسه مع أصحابه.
ويعد أبوعبيدة أحد العشرة المبشّرين بالجنّة، وشهد مع النبي غزوات بدر وأحد والمشاهد كلها، وكان ممّن ثبت مع النبي يوم أُحد، وكان يبلي بلاء حسناً، وكان من أحبّ النّاس إلى النبي، وفي هذا يُقال إن عمرو بن العاص سأل النبي عن أحب الناس إليه، فقال: (عائشةُ، قيل: مِن الرجال؟ قال: أبوبكرٍ، قيل: ثم من؟ قال: عمر، قيل: ثم من؟ قال: أبوعُبَيدةَ بن الجرَّاح)".
زخرت حياة ابن الجراح بمواقف البطولة والعظمة والتضحيات، منها مشاركته في غزوة بدر مع النبي، وكان أبوه آنذاك في صفوف المشركين وحاول أن يقاتل ابنه، لكنّ أبوعبيدة كان يحيد عنه ولا يريد قتله، فلمّا أكثر أبوه المُحاولات في ضربه، رد عليه أبوعبيدة ضربته فقتله، ونزلت الآية: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ}.
كما ثبت أبوعبيدة في غزوة أُحد مع النبي بعد هزيمة المسلمين وتراجع الكثير منهم، وشهد له النبي بالأمانة، فاختاره عندما جاءه رجلان من نجران يطلبان منه أميناً، حيث ورد في صحيح البخاري: (وابعثْ معنا رجلاً أميناً، ولا تبعثْ معنا إلّا أميناً، فقال: لأبعثنَّ معكم رجلاً أميناً حقَّ أمينٍ)، فرغب كل واحد من الصحابة أن يقع عليه الاختيار لينال الشرف العظيم، فقال الرسول: (قُمْ يا أبا عبيدة بن الجراحِ، فلما قام، قال الرسول: (هذا أمينُ هذهِ الأمّةِ)".
تمتع أبو عبيدة بمكانة رفيعة عند النبي، واستخلفه أكثر من مرّة احتاج فيها أميراً لبعثة ابتعثها، منها أن بعثه مدداً لعمرو بن العاص في معركة ذات السلاسل حين شعر عمرو بن العاص بالخوف في غزوته، فأرسل إليه مدداً يضمّ أبا بكر وعمر، ونصّب أبا عبيدة عامر بن الجرّاح أميراً على الجميع.
وفي غزوة سيف البحر ولّاه الرّسول على 300 رجل في مهمّة طويلة وشاقّة لثقته به وبأمانته، وفي ذلك قال الرّسول: (إنَّ لكلِّ أمَّةٍ أميناً، وإنَّ أميننَا، أيَّتُها الأمَّةُ، أبوعبيدة بنُ الجرَّاحِ).
أما عن نهاية الرحلة، فكان أبوعبيدة خارجاً إلى الشام مُجاهداً، وفي الوقت ذاته أصيب أهل الشام بالطاعون، فأرسل عمر بن الخطّاب إلى أبي عبيدة يستعجله بالذهاب إليه، وكانت حيلة أراد منها ابن الخطاب أن يُبعده عن خطر الطاعون، ففهم أبوعبيدة مقصد أمير المؤمنين فأرسل له معتذراً بأنه لا يستطيع أن يترك الجند، وأصابه الطاعون فتوفّي على إثره سنة 18 من الهجرة، عن 58 سنة.