لماذا اختار داعش الرقة عاصمة.. وما مصيرها بعد التحرير؟
انتشار كراهية العرب السنة في الرقة إلى نظام الأسد، جعل المدينة أرضا خصبة لجذب المعارضة السورية وربما داعش أيضا.
الرقة مدينة نائية غنية بالبترول تقع شمال سوريا، على الضفة الشمالية لنهر الفرات. ومنذ الفترة الهلنستية، وتحظى المدينة بأهمية تجارية بين الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية. وفي الفترة ما بين عام 796 و809م وهي الفترة التي يطلق عليها العصر الذهبي للإسلام، غير الخليفة العباسي هارون الرشيد عاصمته من بغداد إلى الرقة.
وقبل اندلاع الحرب الأهلية السورية في 2012، كانت الرقة تتضمن سكاناً متنوعين يصل عددهم حوالي 300 ألف شخص، ما يجعلها سادس أكبر مدينة في سوريا. وتشكل القبائل العربية السنية أغلبية المدينة، لكن يوجد بها عدد ملحوظ من الأقليات مثل الأكراد والمسيحيين.
وأبرز أربع قبائل سنية في الرقة هي البياطرة، العجيل، البريج، النعيم، مشكلين حوالي 115 ألف شخص من سكان المدينة، وكل هذه القبائل تحظى بنفوذ هائل.
في بدايات الثورة ضد الرئيس السوري بشار الأسد في 2011، أصبحت الرقة تعرف بـ"فندق الثورة" بسبب تزايد هجرة المحتجين المعادين للحكومة السورية إليها قادمين من مدن سورية كبرى أخرى، حسب تقرير نشرته إذاعة "صوت أمريكا".
ويقول ديفيد بولوك، خبير الشرق الأوسط في معهد واشنطن: "أصبحت أرضاً خصبة جداً للمعارضة السورية وتنظيمات إرهابية بينها داعش، بسبب انتشار كراهية العرب السنة إلى نظام الأسد لأسباب طائفية".
في مارس/آذار 2013، أصبحت الرقة أول مدينة سورية كبيرة تسقط في يد الجيش السوري الحر وجماعة جبهة النصرة الموالية للقاعدة، والتي زعمت لاحقاً انفصالها عن القاعدة وغيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام.
عدد كبير من مقاتلي جبهة النصرة في الرقة كانوا تابعين إلى زعيم تنظيم داعش الإرهابي في العراق آنذاك، أبو بكر البغدادي، وتم إرسالهم إلى المدينة لمساعدة مقاتلي النصرة بقيادة زعيم القاعدة السوري، أبو محمد الجولاني.
وبمرور الوقت، هاجرت عناصر أكثر تطرفاً مقربة من البغدادي إلى المدينة، وما لبثت أن انقلبت جبهة النصرة على الجيش السوري الحر وفتحت ما اعتبرته محاكم تطبق الشريعة في المدينة.
وفي إبريل/ 2013، أصدر البغدادي تسجيلاً صوتياً أعلن فيه اندماج داعش مع جبهة النصرة لتشكيل تنظيمه الذي أطلق عليه (الدولة الإسلامية في العراق والشام) "داعش"، وطلب من أعضاء النصرة حل الجماعة والانضمام إلى صفوف التنظيم. وبالرغم من رفض زعماء القاعدة، أيمن الظواهري والجولاني، الاندماج، إلا أن صفوف جبهة النصرة انكمشت تدريجياً لصالح تنظيم داعش.
وبحلول يناير/كانون الثاني 2014، ومع تدهور العلاقة بين داعش والقاعدة، سيطر التنظيم تماماً على مدينة الرقة، وقتل أعضاء الجيش السوري الحر الذين رفضوا إعلان ولائهم للتنظيم أو تم إجبارهم على الرحيل. وفي يونيو 2014، غير التنظيم الإرهابي اسمه إلى داعش، واختار الرقة مركزاً وعاصمة لخلافته المزعومة.
قرب الرقة من الحدود العراقية وقوة علاقات قبائلها مع العشائر العراقية سمح لداعش أيضاً باستغلال الرقة للتحرك بحرية بين البلدين اعتماداً على احتياجات المعركة المتغيرة.
الطبيعة شبه الصحراوية لمدينة الرقة سمحت لداعش أيضاً بالتحرك عبر أرض واسعة بدون أية تحديات وصعوبات، وفقاً لتصريح إحدى قيادات القوات الكردية في سوريا المعروفة بوحدات حماية الشعب. لافتة إلى أن داعش لجأ إلى الطرق غير الرسمية بسبب سيطرة القوات السورية المدعومة من الولايات المتحدة على الطرق السريعة الرئيسية في الرقة.
وعلى مدار 3 سنوات من حكم داعش الوحشي للرقة، أصبحت المدينة مكاناً لتجمع آلاف المقاتلين الأجانب القادمين من عشرات الدول للانضمام إلى داعش. وحوّل التنظيم الإرهابي المدينة إلى سجن كبير، على حد وصف نشطاء يراقبون الأوضاع في سوريا من الخارج، حيث أنهى الطرق القديمة للحياة في المدينة وأجبر سكانها على اتباع تعليمات صارمة متشددة، ومن يرفض ذلك كان يقتله أو يجبره على الرحيل.
وأشارت صوت أمريكا في تقريرها إلى أن مجموعة من النشطاء الذين طردوا من مدينتهم ويعيشون في الخارج، دشنوا صفحة عبر فيسبوك "الرقة تذبح في صمت" وبدأوا في توثيق الإرهاب في الرقة عبر شبكة من المخبرين الذين لا يزالون يعيشون هناك.
ويقدر مسؤولون أمريكيون عدد أعضاء داعش المتبقين في المدينة بحوالي من 3 إلى 4 آلاف مقاتل. ويتوقعون أن تحقق قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا تقدماً ثابتاً في الرقة.
ونقلت الإذاعة الأمريكية عن أحد المسؤولين بالجيش الأمريكي قوله، إن تحرير الرقة سيسدد للعدو صفعة قوية ويقلل من قدرته على التحرك عبر المنطقة ونشر الإرهاب أكثر وقتل مزيد من المدنيين الأبرياء.
ويقول خبراء، إن الرقة ربما تظل غير مستقرة لفترة طويلة حتى بعد التخلص من داعش، لأن طبيعة المدينة الديموجرافية المعقدة وموقعها النائي من المحتمل أن يستمرا في جذب أطراف محلية من أجل النفوذ بغض النظر عن الأحداث في أماكن أخرى بسوريا.
بدوره يقول إبراهيم الأصيل، محلل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن: إن "معركة استعادة الرقة ستكون صعبة جداً، واستعادة أمن وحكم المدينة سيكون أكثر صعوبة".
وأوضح أن التحالف بقيادة أمريكا يحتاج إلى التأكد من أن النظام السوري لن يسيطر على الرقة في المستقبل لمنع داعش وأية جماعات إرهابية أخرى من استغلال قبائل المدينة.
وأخيراً نوه إلى أن المدينة ينبغي أن يحكمها أهلها وهذه هي الطريقة الأفضل لاستقرار المدينة واستعادة الأمن فيها وضمان عدم عودة داعش إليها في المستقبل.