موجة الكراهية هذه ما كانت لتنتشر لولا ممارسات بعض المسلمين في رفض التقيد بالقوانين، والمشاركة في العنف
بعد العمليات الإرهابية العنصرية ضد المسلمين والعرب في العالم، لا بد من تسجيل حالات تقصير فادح في مواجهة ظاهرة "الإسلاموفوبيا" (أي الخوف من الإسلام ومعالجة تداعياتها وأضرارها وأخطارها على العرب والمسلمين) وبشكل خاص على الجاليات العربية والإسلامية التي تقيم في الغرب ويقدر عدد أفرادها بأكثر من ٤٠مليون إنسان.
وقد جاءت مجزرة العنصريين في ألمانيا وحادثة الطعن في المسجد الكبير في لندن لتحيي الذكريات عن العمليات المشابهة، وكان أخطرها مجزرة المسجد في نيوزيلندا.
موجة الكراهية هذه ما كانت لتنتشر لولا ممارسات بعض المسلمين في رفض التقيد بالقوانين، والمشاركة في العنف رداً على ممارسات العنصريين، إضافة إلى التهويل بأن عدد أبناء الجاليات الإسلامية سيصلون إلى أكثر من ٤٠ مليوناً في إشارة إلى أنهم سيحكمون أوروبا
وظهرت هذه الظاهرة العنصرية في الثمانينات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وزوال الحرب الباردة بين الشرق والغرب والتخلي عن المبادئ الشيوعية واليسارية التي أثبتت فشلها بعد أكثر من نصف قرن من الجدل.
ورغم خطورة هذه الظاهرة، لم نشهد تحركاً مضاداً بالعقل والحكمة ولا نشاطاً تثقيفياً على الصعيدين السياسي والديني يواكب المتغيرات العالمية والعولمة وثورة المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والبث الفضائي المباشر.
وشهد هذا التحول قصوراً في فهم أبعاده وتقصيراً في الإعداد للرد العاقل. ولم ينجح الإعلام في التحرك في هذا المجال وغاب دوره ربما لسوء تقدير الموقف وعدم الاستعداد للمواجهة ومواصلة الأساليب البالية في التعامل مع الأحداث دون أن تفلح الثورة التقنية في مواكبة العصر وتقديم مادة عصرية مختلفة تخاطب الغرب وتحاور الرأي العام العالمي بصورة مباشرة.
وصار معروفاً أن نظرية "صراع الحضارات" التي ركزت على مزاعم الخوف من الإسلام انطلقت بعد سقوط الخطر الشيوعي مباشرة. وبعد البحث والتدقيق، نجحت الآفة العنصرية في تكريس الزعم بأن الخطر القادم بعد زوال الحواجز بين الشرق والغرب هو الإسلام الذي زعموا أنه سيهدد الحضارة الغربية ويسيطر على معظم دول الغرب.
وترافق ظهور هذه النظرية مع قيام الثورة الإسلامية في إيران وأدى إلى صب الزيت على النار بعد احتجاز الرهائن، وهذا ما دفع وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر إلى القول عندما سئل عن توقعاته للأحداث المقبلة إن هناك حربا سنية - شيعية ستستمر لمدة ١٠٠ عام.
وهذا الرد يفضح النوايا المبيتة ويفسر الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال العشرين سنة الماضية، إضافة إلى ظهور التيارات والأحزاب العنصرية في معظم دول الغرب ومهمتها حشد القوى للتهويل ونشر الكراهية لكل ما هو مسلم وترديد المزاعم بأن الجاليات الإسلامية ستسيطر على البلاد، لا سيما في بريطانيا وفرنسا.
ولا بد من الاعتراف بأن موجة الكراهية هذه ما كانت لتنتشر لولا ممارسات بعض المسلمين في رفض التقيد بالقوانين والمشاركة في العنف رداً على ممارسات العنصريين، إضافة إلى التهويل بأن عدد أبناء الجاليات الإسلامية سيصلون إلى أكثر من ٤٠ مليوناً، في إشارة إلى أنهم سيحكمون أوروبا.
هذا التهويل مضلل مثله مثل التحريض، فأبناء الجاليات ليسوا من كتلة واحدة تنسجم وتقبل بأي موقف متطرف، فهناك الشيعة والسنة والطوائف الأخرى، وهناك المسلمون والمسيحيون والباكستانيون والهنود والعرب والجنسيات الأخرى، أي أن العدد لا يقبل الجمع ولا الضرب بل التقسيم، إضافة إلى أن الأكثرية معتدلة وتعادي التطرف والإرهاب وتنسجم مع الشعوب التي استضافتها وتتعايش معها مع المحافظة على تقاليدها ومبادئها وعاداتها.
والمطلوب من العرب الآن أن يواجهوا حملات التهويل والمبالغة حفاظاً على أبناء جالياتهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة