"بتر الأطراف".. حكايات توثّق جرائم إسرائيل في غزة
الاحتلال يستخدم القوة المميتة وغير المتناسبة بحق المتظاهرين السلميين في مسيرات العودة الفلسطينية.
بابتسامة عريضة ومعنويات عالية، يستقبل الفتى الفلسطيني محمد مصبح زواره، بعدما تسببت رصاصة قناص إسرائيلي، في إصابته خلال مشاركته بمسيرات العودة ببتر ساقه اليمنى.
- صحفيون على خط النار.. ياسر مرتجي يفتح الملف الأسود لجرائم إسرائيل
- موسكو ودمشق تتهمان إسرائيل بشن هجوم على مطار التيفور السوري
ويتحامل الفتى مصبح (17 عاماً) على آلامه وهو يروي لـ"العين الإخبارية" لحظات إصابته بينما كان يحاول رفع العلم الفلسطيني على السياج الحدودي الفاصل شمال ساحة الاعتصام المقامة في بلدة خزاعة شرقي خان يونس، حيث يسكن.
وقال: "كانت الأمور هادئة بعد عصر الخميس الماضي حيث شاهدت امرأة كبيرة في السن تحمل العلم الفلسطيني وتسير قرب السياج الحدودي، فأخذ العلم منها وتقدمت باتجاه السياج لأرفع العلم".
قناصة الاحتلال المنتشرون داخل الحدود، لم ترق لهم جرأة الفتى الفلسطيني، ولا رفعه علم فلسطين، فأطلقوا رصاصهم ليصيبوه بشكل مباشر، رغم عدم وجود أي تهديد عليهم.
لماذا يخافون العلم؟
ينظر الفتى إلى ساقه المبتورة من أسفل الركبة اليمنى، ويقول: "شعرت بضربة قوية أصابت رجلي وسقطت على الأرض، وأنا أصرخ من الألم".
على مدار 10 دقائق بقي الفتى ينزف وقوات الاحتلال تطلق النار والقنابل المسيلة للدموع، لتمنع طواقم الإسعاف من الوصول إليه، ليتم نقله بعدها للمستشفى وهناك يتبين أنه أصيب بعيار ناري متفجر تسبب في تهتكات شديدة، لم يجد الأطباء معها من خيار سوى بتر الساق.
ووفق وزارة الصحة بغزة؛ فإن الاحتلال يستخدم بكثافة الأعيرة النارية المتفجرة التي تحتوي على العديد من الشظايا، وتتشظى إلى أجزاء صغيرة عندما ترتطم بجسم صلب وتنتشر في جسم المصاب محدثة تهتكات شديدة.
يبتسم الفتى الذي يدرس في الثانوية العامة التي يقترب موعد امتحاناتها. وقال: "أشارك باستمرار، ولكنهم هذه المرة أصابوني وتسببوا في بتر ساقي، ولكنهم لم يكسروا إراداتي، هم مجرمون ما الخطر الذي كنت أشكله عليهم ولماذا يخافون من العلم؟".
أراد إنقاذ مصابة فقنصوه!
في غرفة أخرى بالمستشفى، يرقد الفلسطيني صهيب قديح (32 عاماً) الذي فقد هو الآخر ساقه اليمنى، بعد إصابته برصاصة متفجرة أطلقها قناص إسرائيلي، عندما كان يحاول مساعدة فتاة مصابة في منطقة المواجهات شرق خان يونس.
بعد 9 أيام من إصابته قرر الأطباء بتر ساق صهيب من أعلى الركبة؛ خشية امتداد الالتهابات إلى باقي جسده، وهو الأمر الذي تقبله بالرضى رغم الألم والمرار.
وقال قديح لـ"العين الإخبارية" تواجدت في ساحة الاعتصام، في الجمعة الأولى لمسيرة العودة، وكنت أساعد في نقل المصابين لسيارات الإسعاف، فجأة شاهدت فتاة تتقدم وتقترب من الحدود وهي ترفع العلم الفلسطيني، فأطلق قناصة الاحتلال النار نحوها وأصابوها لتسقط على الأرض.
وابل من قنابل الغاز أطلقها جنود الاحتلال ليمنعوا الشبان من الوصول للفتاة، ولكن صهيب واجه ذلك وتقدم للأمام لإنقاذ الفتاة، ولكن حين أوصلها حتى تم قنصه من قبل جنود الاحتلال هو الآخر ليسقط على الأرض.
وأشار إلى أن استمرار إطلاق النار والغاز من الاحتلال منع طواقم الإسعاف أو الشباب من الوصول إلينا، لأكثر من 20 دقيقة ولاحقاً نقلت إلى المستشفى لتلقي العلاج، حيث تبين أنني أصبت بعيار ناري متفجر أدى لتهتكات شديدة في رجلي اليمنى وإصابات من الشظايا برجلي الثانية.
صمت لحظات وهو يشير لساقه، قائلاً: "بعد 9 أيام أبلغني الأطباء بأنهم مضطرون لبتر ساقي، لم يكن أمامي خيار سوى الموافقة، بتروها كما ترى، والحمد لله على كل حال".
جرائم ممنهجة
وأكد ياسر عبدالغفور، نائب مدير وحدة البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن مؤسسته وثقت إلى جانب 32 شهيداً، 1876 إصابة منهم 1300 بالرصاص الحي والمتفجر، مشيراً إلى أن نمط الاستهداف الإسرائيلي يشير إلى سياسة إسرائيلية ممنهجة وبقرار سياسي رسمي.
وأضاف عبدالغفور لـ"العين الإخبارية" أنهم وثّقوا 4 حالات بتر للأطراف على الأقل، إضافة إلى حالات أخرى بترت فيها أصابع الأيدي مثلاً، فيما لا يزال العديد من الإصابات خطرة أو يخشى أن تنتهي بإعاقات مستديمة نتيجة الرصاص المتفجر.
وأشار إلى أن الاحتلال يستخدم القوة المميتة وغير المتناسبة مع المتظاهرين السلميين رغم عدم وجود أي تهديد على حياة جنودها ، مؤكداً أن منظمته تعمل على توثيق الانتهاكات، من أجل ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.