عالم آخر.. كل ما تريد معرفته عن «الحريديم»
يخيل لمن يدخل إلى حي "مائة شعاريم" بالقدس الغربية وكأنه دخل عالما آخر لا علاقة له بإسرائيل.
فالرجال المتدينون الذين يرتدون الملابس السوداء القاتمة والنساء اللواتي يرتدين الملابس المحتشمة هم الأغلبية في الحي الذي يخلو من المقاهي المختلطة.
كيف يعيش الحريديم؟
ويحافظ السكان في الحي على مسافة بين الرجال والنساء، كما أنه لا توجد أي مدرسة مختلطة ولا حتى محال لبيع الأجهزة الخلوية الذكية، فضلا عن غياب دور السينما والمراكز الثقافية.
لكن تكثر في الحي المكتظ بالسكان، الكنائس والمدارس الدينية اليهودية حيث يتوافد الآلاف لتلقي علوم التوراة.
وتغلق مداخل الحي بالحواجز الحديدية قبيل غروب كل يوم جمعة ولا تتم إزالتها إلا بغروب مساء السبت، وخلال ذلك الوقت لا يسمح للسيارات بالتحرك.
ولأنه يحظر على المتدينين إشعال الأضواء في فترة السبت، فإن المصاعد بالمباني تتوقف في كل دور بما يسمح باستخدامها دون لمس المكابس فيها.
وحي "مائة شعاريم" يعتبر من أقدم الأحياء ذات الكثافة السكانية من المتدينين اليهود، لكنه ليس الوحيد الذي يستضيف ذلك المشهد، بل يتكرر في مدينة بني براك القريبة من تل أبيب.
وغالبا ما يجد العلمانيون الإسرائيليون صعوبة كبرى بالعيش في أحياء تلتزم بالقيود الدينية اليهودية، فيضطرون للتنقل يوميا بين القدس الغربية حيث يعملون وتل أبيب حيث يعيشون.
ويسجل عدد المتدينين اليهود ارتفاعا مطردا في إسرائيل وخصوصا بالأحياء والمدن التي توصف بالمتدينة مثل بيت شيمش في ضواحي القدس وأيضا مستوطنة "رامات شلومو" بالقدس الشرقية.
كم عدد سكان الحريديم؟
وفقا لمعهد الحريديم للعلاقات العامة، فإن أقرب تاريخ تتوفر فيه بيانات موثوقة بشكل معقول هو عام 1979، عندما بلغ عدد المجتمع الحريدي حوالي 212,000، أي ما يعادل 5.6% من إجمالي السكان.
ومنذ ذلك الحين، نما المجتمع بنسبة 509% ليصل اليوم إلى حوالي 1.29 مليون، أي 12.9% من إجمالي السكان.
وبحسب توقعات المعهد، فإنه في عام 2048، من المتوقع أن يكون هناك 2.86 مليون يهودي متدين، وهو ما سيشكل 21.2% من إجمالي الإسرائيليين.
وبالنظر إلى حجمهم الحالي ومعدل النمو المتوقع، فمن المحتمل بحلول عام 2065 أن يبلغ عدد السكان الحريديم حوالي 4 ملايين نسمة.
في حين سيبلغ عدد بقية السكان في إسرائيل حوالي 12 مليون نسمة، وبالتالي فإن الحصة المتوقعة لعدد السكان الحريديم ستكون حوالي 25 بالمئة من سكان البلاد.
ما تأثير الحريديم على السياسة الإسرائيلية؟
في السنوات الأخيرة، تزايد تأثير الحريديم في الساحة السياسية الإسرائيلية خصوصا في ظل الحكومات التي يشكلها بنيامين نتنياهو.
ويعتبر الحريديم أنفسهم شركاء لنتنياهو دون أن يغلقوا الطريق أمام تحالف محتمل مع زعيم حزب "معسكر الدولة" بيني غانتس.
لكنهم يغلقون الطريق نهائيا أمام احتمال التحالف مع زعيم "هناك مستقبل" يائير لابيد الذي لا يخفي أيضا انتقاداته لهم.
وغالبا ما يصف لابيد «الحريديم» بأنهم عبء على الدولة؛ لأن طلابهم لا يعملون ويعتمدون على المساعدات الحكومية من أجل تمويل مدارسهم ومؤسساتهم.
كيف العلاقة بين الحريديم والحكومة الإسرائيلية؟
لدى «الحريديم» حزبان ممثلان في الكنيست والحكومة الحالية، وهما "شاس" الذي يمثل اليهود المتدينيين الشرقيين، و"يهدوت هتوراه" الذي يمثل اليهود المتدينين الغربين.
وفي الانتخابات الأخيرة عام 2022، حصل "شاس" على 11 مقعدا، فيما حصد "يهدوت هتوراه" 7 مقاعد من أصل مقاعد الكنيست الـ120.
ولأن رؤساء الحكومات بحاجة إليهم من أجل البقاء، فإنه غالبا ما يؤدي تواجدهم في أي حكومة إلى التأثير على السياسات التي تعكس بنفسها على الحياة العامة وخاصة ما يتعلق باحترام السبت.
كيف تتعامل النساء في مجتمع الحريديم؟
المسؤولية الأساسية للمرأة الحريدية، وفقا لمجتمعها، هي الزواج وإنجاب الأطفال.
وتتزوج المرأة الحريدية المتوسطة في سن العشرين وتنجب 7 أطفال وهذا أكثر بثلاث مرات من نظيرتها العلمانية.
ويعد الجنس عنصرًا فاصلًا في العديد من جوانب الحياة العامة للحريديم، ومن أجل الحفاظ على مستوى عالٍ من التواضع، قام المجتمع الحريدي بدمج العديد من عناصر الفصل بين الجنسين في الحياة العامة.
ويشمل ذلك المقاعد المنفصلة في المناسبات المجتمعية، وساعات التسوق المنفصلة للرجال والنساء في المتاجر المجتمعية، والمقاعد المنفصلة في الحافلات.
ومع ذلك، وعلى النقيض من وجهة النظر هذه التي ترى أن المجتمع أبوي للغاية، تلعب النساء الحريديات أيضًا دورًا مهمًا في البنية الاقتصادية لمجتمعهن.
وتقول منظمات إسرائيلية إنه في كثير من الحالات، تكون المرأة بمثابة كون المرأة بمثابة المعيل الوحيد لأسرتها بينما يتابع أزواجهن الدراسات الدينية بدوام كامل.
وتشير إلى أن تربية النساء الحريديات تجري على أساس توقع حياة الفقر (55٪ من الأسر تعيش تحت خط الفقر) ودعم مساعي أزواجهن المقدسة".
هل تعمل النساء الحريديات؟
على مدى العقدين الماضيين، وفي محاولة للحصول على عمل أفضل في سوق العمل، أنشأ المجتمع الحريدي مؤسسات نسائية بالكامل توفر التدريب المهني والدرجات الأكاديمية.
وبذلك، باتت النساء الحريديات يتمتعن الآن بمعدل توظيف يبلغ 66% (على الرغم من أن هذا أقل بنسبة 14% من المعدل الذي تتمتع به النساء اليهوديات غير المتدينات في إسرائيل)".
وفي العقد الماضي، قامت النساء الحريديات بتضييق الفجوة في معدلات التوظيف بينهن وبين النساء اليهوديات غير الحريديات من 10 إلى 2 نقطة مئوية.
واتسعت الفجوة في الأجور بين اليهود الحريديم وغير الحريديم على مر السنين، بحسب المعطيات الرسمية الإسرائيلية.
ففي عام 2005، كان متوسط راتب الرجل الحريدي حوالي 70% من متوسط راتب الرجل اليهودي غير الحريدي، بينما يبلغ اليوم 50% فقط.
بالمقابل، ظلت الفجوات في الأجور بين النساء الحريديم والنساء اليهوديات غير الحريديات مستقرة على مر السنين.
والحريديم هم أكثر فقرا وأكثر أولادا من باقي أفراد المجتمع الإسرائيلي، ولكن في السنوات الأخيرة باتوا أكثر انخراطا بسوق العمل.
فقد أظهر معدل توظيف الرجال الحريديم اتجاها تصاعديا ملحوظا في العامين الماضيين، حيث ارتفع من 51% إلى 55% بين 2021-2023.
ولكن الحريديات لا يشاركن في الحياة السياسية، حيث لم تكن أبدا هناك حريدية عضوة في الكنيست مثلا أو وزيرة.
لماذا ترتدي الحريديات الشعر المستعار؟
ترتدي الحريديات الباروكة أو الشعر المستعار من أجل تغطية شعرهن "لأنهن يشعرن بأنه متواضع للغاية، لأنه يخفي كل خصلة من شعرهن بشكل آمن".
بينما تفضل أخريات الأوشحة وما شابه ذلك لأنهن يشعرن أن الشعر المستعار يبدو طبيعيًا وجذابًا للغاية، وهذا هو السبب وراء تفضيل مجموعة أخرى من النساء الشعر المستعار على الأوشحة.
ماذا نعرف عن تعليم الحريديم؟
للحريديم مدارسهم الخاصة التي تركز على تعليم التوراة، لكن يؤخذ عليهم تراجع طلابهم في دراسات العلوم والرياضيات وهو ما يؤثر على انخراطهم في سوق العمل.
ويكاد يكون هذا أحد أسباب عدم ارتفاع دخلهم، فهم بالمجمل يبحثون عن الوظائف منخفضة الأجر والتي لا تتطلب مهارات كان يمكنهم الحصول عليها في المدارس غير الدينية.
ويتجنب الذكور من الحريديم العمل ويقولون إن مهمتهم هي دراسة التوراة، وبالتالي لا يساهمون إلا بالقليل في الضرائب التي تعتبر عماد الاقتصاد الإسرائيلي.
وتواجه مبادرات الحكومات الإسرائيلية انخراط المزيد من «الحريديم» في التعليم العلماني بمقاومة شديدة من الطلاب أنفسهم وقادتهم الدينيين.
ويملك الحاخامات ما يشبه السلطة المطلقة عليهم ولديهم محاكمهم الدينية.
لماذا يرتدي الحريديم ملابس سوداء؟
ردا على هذا السؤال، يقول موقع "حاباد" الديني": "الأسود علميا هو غياب اللون. إن ارتداء اللون الأسود يشير فقط إلى عدم الاهتمام بالألوان وغيرها من متطلبات الموضة، وبالتالي يساعد في الحفاظ على الأولويات في نصابها الصحيح".
وأضاف: "الملابس الطويلة هي علامة على الاحترام. في أيامنا هذه، يرتديها معظم الناس فقط في المناسبات الفاخرة. بعض اليهود المتدينين يرتدونها فقط في المناسبات الخاصة، مثل السبت والأعياد".
ويتابع الموقع: "يشعر آخرون أن كل لحظة هي مناسبة خاصة، لأنه في كل لحظة يجب على المرء أن يكون مستعدًا دائمًا للصلاة ودراسة التوراة وما إلى ذلك".
لكن المتدينين يرتدون هذه الملابس صيفا وشتاء، فيما ترتدي الحريديات أيضا الملابس ذات الأكمام الطويلة والجوارب.
ويقول الموقع : "تلك المعاطف السوداء الطويلة التي تراها على الرجال هي على الأكثر عادة، فبالنسبة للنساء، ترتبط هذه الأمور بقوانين الاحتشام في اللباس والسلوك، وتلعب التقاليد والتفسيرات المختلفة دورًا أيضًا".
وأضاف: "وهكذا فإن "قواعد اللباس" المختلفة التي تتبناها المجتمعات المختلفة تقليديًا. لكن تغطية الشعر (للنساء المتزوجات) والجسم (لجميع النساء والرجال) هو أمر من شريعة التوراة".