الحرب على حزب الله.. لماذا على إسرائيل «التفكير مرتين»؟
«إن الحرب الحاسمة على جبهتين في الوقت نفسه أمر ممكن، لكنه غير مرغوب فيه».. هكذا أكد تامير هيرمان رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق ومدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.
المحلل والخبير الإسرائيلي أقر بأن "حرباً شاملة في الشمال لن تكون مثل أي حدث آخر تعيشه الجبهة الداخلية في إسرائيل، وقبل الشروع في مثل هذه الحرب لا بد من فهم التحديات والدروس المستفادة والمخاوف".
- حزب الله وإسرائيل.. «خارطة طريق» أمريكية فرنسية لــ«وقف التصعيد»
- هجوم المسيرات «الأكبر».. تصعيد جديد بين حزب الله وإسرائيل يقلق واشنطن
شروط الحرب
واشترط هيرمان، في تحليل لـ«القناة الـ12» الإسرائيلية، على المستوى السياسي الإسرائيلي قبل أن تبدأ الحرب أن "تحدد الوضع النهائي وآلية النهاية، وألا تدخل فيها إلا في ظل ظروف تضمن النصر"، حتى لا تكرر «الخطأ الكبير الذي ارتكبته إسرائيل في حرب غزة».
ومن أجل البت في مسألة الرد على تحدي حزب الله وكيفية إعادة الأمن إلى الحدود الشمالية، قال "مطلوب منا أولاً أن نفهم السياق الخارجي والداخلي لاتخاذ القرار والتحديات التي تنتظرنا، وأن نتعامل مع هذا الأمر".
إضافة إلى "دراسة ما تعلمناه من الحرب حتى الآن، الذي سيسمح لنا بتحقيق الهدف في الشمال والوصول إلى أقصى إنجاز بأقل تكلفة ووقت".
السياق الخارجي
في السياق الخارجي، يقول هيرمان إن «مكانة إسرائيل كقوة إقليمية موضع شك، وصورتنا كدولة قوية عسكرياً آخذة في التلاشي، والرواية المعادية للسامية التي تقول إن إسرائيل مدعومة من قبل يهود العالم تتصاعد إلى معاداة السامية الكاملة، وتواجه إسرائيل خطر العزلة العالمية».
وأشار إلى أن «الدعم الأمريكي الذي بلغ ذروته خلال الحرب في الجانب التكتيكي لا يظهر في الجانب السياسي، ويفسر مراقبون من جانب (إيران ودول شرق أوسطية) ذلك على أنه تصدعات تنفتح في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب».
السياق الداخلي
وفي داخل إسرائيل هناك مؤشرات مقلقة تطفو على السطح تشير إلى وجود أزمة في القيادة، تشمل انتقادات في تشكيل هيئة الأركان العامة، وإرهاق التشكيل الاحتياطي.
وتابع «يجب أن نتذكر أن الإرهاق في هذا السياق ليس فقط لجنود الاحتياط ولكن أيضا العائلات وأرباب العمل، والحكومة الإسرائيلية، التي لا تحظى بثقة جميع شرائح المجتمع الإسرائيلي، وأحيانا لا تحظى حتى بالأغلبية».
وبين أن «هذه القضية حاسمة في حال نشوب حرب شاملة في الشمال، وهي حرب لن تشبه أي حدث آخر تعيشه الجبهة الداخلية المدنية في إسرائيل».
وأشار إلى أنه «على هذه الخلفية المعقدة تبرز ضرورة عودة سكان الشمال إلى منازلهم في أسرع وقت ممكن، مع استعادة الأمن والشعور بالأمان».
ولفت إلى أنه «بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول يجب الافتراض أن استعادة ثقة سكان الشمال بالجهاز الأمني مهمة أكثر صعوبة، فالثقة بالاستخبارات والإنذار المبكر تتآكل، والثقة بالقدرة الدفاعية للجيش الإسرائيلي محدودة، والشعور العام المتأثر بالسياق الداخلي والخارجي المذكور هو أن الردع الإسرائيلي للخارج يتآكل أيضاً، لذلك قبل الذهاب إلى الحرب في لبنان علينا أن نفهم التحديات والمعاني والدروس التي يجب تطبيقها لنقرر ما هو الشيء الصحيح الذي يجب فعله الآن".
أبرز التحديات
العزلة والخوف من نقص الدعم الأمريكي
على الساحة الدولية ينظر إلى إسرائيل حاليا مع روسيا على أنهما الجانب العدواني والعنيف، في حين يُنظر إلى أوكرانيا والفلسطينيين على أنهما الجانب الضعيف.
إن حقيقة تعرض إسرائيل للهجوم مثل أوكرانيا لم تساعد في دحض هذه الفكرة، وحتى بين مؤيدينا هناك انتقادات بأن إسرائيل بالغت في ردها على هجوم حماس، وأن الكثير من الوقت قد مضى وحان الوقت للتوقف، كما ينتقد بعض مؤيدينا عدم الإنجاز العسكري بعد هذه الفترة الطويلة.
كما أن إسرائيل تعتمد على سلاسل التوريد العالمية لدعم الاقتصاد والمجهود الحربي، وأي تعطيل لها قد يكون له تأثير سلبي على القدرة القتالية، ويتطلب هذا الوضع الهش وعداً وضمانة بالحفاظ على خطوط إمداد مستقرة للأسلحة والمنتجات الضرورية لبقاء الاقتصاد الإسرائيلي وصموده طوال فترة الحرب في لبنان.
والدولة الأكثر أهمية لتأمين مثل هذا الضمان هي الولايات المتحدة، ولا بد من التأكيد على أن إسرائيل قادرة على شن حملة محدودة في لبنان دون هذا الشرط.
لكن إذا اتسعت الحرب واستمرت فإن هذا الشرط سيصبح ضرورياً، وبالتالي فهو ضرورة يجب تأمينها في وقت مبكر.
إرهاق المعركة الاستراتيجية
«مطلوب من إسرائيل أن تركض مسافة 100 متر لتكون عند خط النهاية في سباق ماراثوني».. هكذا وصف هيرمان المطلوب من تل أبيب في تلك الحرب.
وتابع "لقد تم التخطيط لمعركة السيوف الحديدية مسبقاً باعتبارها حرباً طويلة، على عكس المفهوم الأمني الإسرائيلي الذي يؤكد تاريخياً تقصير مدة الحرب كمبدأ مركزي، وهذا المبدأ لم يقف أمام أعين مخططي الحرب الحالية، لأن الحرب الطويلة كانت السبيل الوحيد لسد الفجوة بين الأهداف الطموحة للحرب من ناحية، وقيود القوة على القدرة التنفيذية العسكرية من ناحية أخرى.
وأضاف "إسرائيل على النقيض من الولايات المتحدة، التي هزمت داعش في حرب طويلة جدا، ليست قوة عالمية تمتلك جيشا محترفا نظاميا ذا أبعاد هائلة، نحن دولة صغيرة تعتمد قواتها العسكرية على جنود احتياطيين، نفس الأشخاص الذين هم عنصر حاسم في إمداد الاقتصاد الإسرائيلي بالأكسجين».
واستطرد: "الحرب في لبنان تتطلب احتياطيا كبيرا، وإذا طال أمد الحرب فمن المتوقع أن يتضرر الاقتصاد الإسرائيلي والاحتياط من الرجال والنساء بشكل خاص، وقد ينكسر الدعم المحلي لجنود الاحتياط، وقد يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في مواجهة أزمة خطيرة".
وأشار إلى أن الحل هنا يكمن في «تقصير مدة الحرب، والتخطيط للحرب في الشمال يجب أن يتضمن هذا العنصر كمبدأ أساسي".
ولفت إلى أنه «لتقصير مدة الحرب يمكن التصرف بطريقتين: استخدام أقصى قدر من القوة في أقل وقت ممكن وعلى حين غرة في بداية الحملة، أو تحديد أهداف حربية متواضعة للغاية».
من الناحية العسكرية الخيار الأول هو الأفضل، ومن الناحية السياسية وفي السياق الحالي ربما يكون الخيار الثاني هو الأفضل، بحسب هيرمان.
وبين أن "كلا الخيارين لهما مساوئ واضحة، فلا يمكن السيطرة على توسع حملة محدودة، وفي نهايتها الشعور بالمرارة سينخر في كل جزء من الجيش والصفوف السياسية، وهذا ما يمكن تعلمه من حرب لبنان الثانية".
ومن ناحية أخرى، فإن "استخدام أقصى قدر من القوة في بداية الحملة وتحديد أهداف طموحة من المتوقع أن يؤدي إلى عدد كبير من الضحايا غير المتورطين في الجانب اللبناني وأضرار جسيمة لدولة لبنان، ومن المشكوك فيه إذا كانت إسرائيل لديها دعم دولي أم لا لتمكين ذلك، حسب هيرمان.
اتخاذ قرار على جبهتين في الوقت نفسه
وفقا للمفهوم التشغيلي للجيش الإسرائيلي (استراتيجية الجيش الإسرائيلي - أبريل 2018) سيدافع الجيش عن دولة إسرائيل في جميع الساحات في وقت واحد، لكنه سيهزم الأعداء في ترتيب، أي أنه غير مرغوب فيه للجيش الإسرائيلي إدارة حروب حاسمة على جبهتين في الوقت نفسه".
وأشار هيرمان إلى أن «هذا وإن كان ممكنا إلا أنه غير مرغوب فيه، لأن ذلك يتطلب تقسيم القوات وتشتيت الجهود، وفي ظل استمرار الحملة ضد حماس يبدو أن الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى التحرك في الشمال قبل هزيمتها في غزة، وهذا الوضع قد يؤدي إلى عدم اتخاذ قرار على الجبهتين وحرب استنزاف طويلة على جبهتين".
ويكمن الحل، بحسب هيرمان التركيز على القرار في جبهة واحدة في «وقف القتال في الجبهة الأخرى، ويمكن أن يتم من خلال تسريع القرار في غزة، على سبيل المثال من خلال حشد احتياطيات إضافية وتجديد السيطرة على القطاع بأكمله، حتى سيطرة حكومة عسكرية، وهو ما سيضمن قرار إزالة التهديد على مستوطنات الجنوب».
الدروس الواجبة في حرب الشمال
• إلزامية بدء الحرب مع تحديد آلية النهاية
مع بداية الحرب، كان هناك جدل حول ضرورة اتخاذ قرار قبل بدء المناورة بشأن الحالة النهائية وآلية لنهاية الحرب، في تلك الأيام الصعبة شعر الإسرائيليون أن هذه المناقشة غير ضرورية ومبكرة للغاية، وبحسب اختبار الفعل (حتى الآن لم يتم تحديد آلية الإنهاء)، ويبدو أن هذا ما قرره المستوى السياسي أيضاً، وكان الافتراض والتعليمات السائدة هي أنه يجب أولاً تفكيك حماس، وعندها فقط التفكير فيما سيأتي بعد ذلك وكيف سننهي الحرب.
اليوم، يفهم كثيرون أن هذا كان الخطأ الأكبر في الحرب، لقد فوتت إسرائيل ذروة النجاح في العمل العسكري (احتلال مدينة غزة) ولم تحوله إلى إنجاز سياسي.
والآن بعد أن تجاوزنا هذه النقطة، فإن الأوراق العسكرية التي بين أيدينا أضعف من أن تتحول إلى إنجاز سياسي، وسأقول ما هو واضح: «الحرب تجري في وقت واحد على قناتين، القناة السياسية والقناة العسكرية، إذا تمكنا من إدارة قناة واحدة فقط فإننا لن نحقق إنجازا».
واستدرك: "لذلك قبل أن نقرر شن حرب شاملة ضد حزب الله علينا أن نحدد كيف ستنتهي: ما الذي سيدفع المنظمة اللبنانية إلى قبول وقف إطلاق النار؟ وتحت أي ظروف؟ وما هو الوضع العسكري الذي سيجبر التنظيم بقيادة حسن نصر الله على ذلك؟ من هم الحلفاء الدوليون الذين سيساعدوننا في تحقيق النتيجة النهائية؟».
وتابع: «وكجزء من هذا، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت حملة واسعة النطاق في لبنان ستنجح في التوصل إلى شروط لوقف إطلاق النار أفضل أو مختلفة جذرياً عن تلك التي اقترحتها فرنسا والولايات المتحدة، إن هذه الأسئلة الصعبة يجب أن يتم البت فيها حتى قبل عبور الدبابة الأولى الخط الحدودي من الشمال».
• خطة حرب محسومة مسبقا وتنفيذها بحكمة
ويوضح هيرمان: "الجيش الإسرائيلي مطالب بتنفيذ خطة بسيطة تجسد فكرة معقدة، خلافا لما فعلناه في غزة، بالتخطيط للمرحلة الأولى فقط وترك التطور منها للأحداث دون قيود جدول زمني وبطريقة مرنة للغاية".
ولفت إلى أن "هذا التخطيط سيؤدي إلى حملة طويلة جدا دون فكرة تنظيمية شاملة ودون قرار، ولذا يجب الاتفاق على "التكوين الشامل للحملة" (خطة الحرب الكاملة) وتنفيذه بطريقة تسمح بالمرونة في التغييرات".
• القيادة والتماسك هما مفتاحا النجاح
وأوضح أنه «بعد فشل 7 أكتوبر/تشرين الأول كان التعافي الذي أظهره قادة الجيش الإسرائيلي في الشهر الأول من الحرب ملهما، فقد خلق تماسكا شعبيا واسع النطاق وأدى إلى الدعم الشعبي الكامل لرئيس الأركان وموظفيه. لكن هذا الوضع انتهى».
وبين أن «إنشاء حكومة الطوارئ وتشكيل حكومة الحرب خلقا ثقة للجمهور الإسرائيلي بالقيادة السياسية، وكان تماسك الأيام الأولى للحرب مهما أيضا في مواجهة أعدائنا الذين رأوا الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي باعتباره نقطة الضعف الرئيسية، ولكن هذا الوضع انتهى أيضا».
لكن الحقيقة اليوم، بحسب هيرمان أن "كل هذا يبدو وكأنه سراب من الماضي البعيد، فالقيادة العسكرية في أزمة، وفصيل معسكر الدولة ترك الحكومة، ومجلس الوزراء الحربي لم يعد له وجود، والثقة بالمستوى السياسي منخفضة، والاحتجاجات ضد الحكومة تتزايد، كما أن ثقة الجمهور بالجيش آخذة في التضاؤل".
وتساءل هيرمان: "هل ستشفي حرب لبنان كل هذه الجراح ضمن مفعول الحروب المعروف بـ«الالتقاء حول العلم»؟ لكنه اعتبر في ظل البيانات أن هناك شكا كبيرا".
ولذلك، بحسب هيرمان، قبل شن حرب شاملة في لبنان لا بد من «إصلاح القيادة العسكرية والسياسية من أجل تعزيز شرعية الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي لقيادة مثل هذه الخطوة الصعبة».
وبين أنه «من المشكوك فيه أن يستمر هذا الأمر في الوقت الحاضر، لكن الاعتراف بأهمية تجديد صفوف القيادة هو شرط أساسي لهزيمة حزب الله في لبنان».
المحصلة والمخاوف
في الختام، على الرغم من الفوائد الهائلة لإزالة تهديد حزب الله في حرب واسعة النطاق وحاسمة، فإن لذلك عواقب كثيرة وقيودا كثيرة.
صحيح أن إزالة هذا التهديد وحده هو الذي سيعيد الأمن بشكل كامل إلى المستوطنات الشمالية، ويحسن موقفنا الاستراتيجي في عيون أعدائنا، لكن يجب أن ندرس هذا الاحتمال بعناية.
وفي نهاية المطاف، فإن الفشل في مثل هذه الحرب من شأنه أن يضع إسرائيل في وضع أسوأ من الوضع الحالي، لذلك فإن توقيت الحرب أقل أهمية من الإنجاز فيها، ولا يجوز الدخول فيها إلا في ظل الظروف التي تضمن النصر.
ودون تطبيق الدروس المستفادة ودون التغلب على التحديات قد تجد إسرائيل نفسها في وضع إشكالي أكثر تعقيدا بكثير من الوضع الحالي، الردع الإسرائيلي سوف يتآكل أكثر، وسوف يتضرر الاقتصاد بشكل كبير، وسوف تصبح إسرائيل دولة «مريضة» في نظر العالم الغربي، والعلاقات مع المحيط العربي ودول السلام قد تستمر في التدهور.
ولهذا السبب نحتاج إلى الصبر الاستراتيجي، وكما هو الحال في الشرق الأوسط فإن يوم حزب الله سيأتي، ولكنه ليس اليوم.
وتابع: سندخل هذه الحرب بعد أن نوقف دوامة الإخفاقات، ونعمل على استقرار الأنظمة في إسرائيل، واستبدال القيادة الأمنية والسياسية، وتحسين مكانة إسرائيل الإقليمية.
واليوم.. نحن مطالبون بالجمع بين صبر الشرق الأوسط والتخطيط الغربي الأساسي، قبل أن نبدأ الحرب الحاسمة ضد حزب الله.
aXA6IDE4LjIyMi41Ni4yNTEg جزيرة ام اند امز