حرب الاستقطاب.. ليلة ساخنة في إسرائيل
ليلة غير مسبوقة عاشتها إسرائيل بسبب التعديلات القضائية التي تعتزم حكومة بنيامين نتنياهو طرحها للتصويت بالكنيست الإثنين.
وتسود إسرائيل موجة استقطاب حادة، بعد أن تفاقمت أزمة التعديلات القضائية إذ شهدت لقاءات ماراثونية واتصالات متوترة ومظاهرات صاخبة عشية تصويت الكنيست على مشروع قانون "تغيير حجة المعقولية".
فعلى غير العادة، تحدث وزير الدفاع السابق بيني غانتس مع رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي فيما اجتمع رئيس الوزراء السابق مع رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار.
الاجتماعات غير العادية التي لا تعقد إلا في حال دخول البلاد في لحظات حاسمة تمت بموافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي وبخ وزير دفاعه يوآف غالات قائلا: "لا تتدخل".
وفي الوقت ذاته، عقد الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ اتصالات سريعة مع قادة الحكومة والمعارضة في محاولة للتوصل الى حل وسط مقبول من كلا الجانبين دون أن يلوح بالأفق أي تقدم.
بايدن يدخل على خط الأزمة
وخرجت أزمة التعديلات القضائية خارج حدود إسرائيل، إذ إن الرئيس الأمريكي جو بايدن دعا نتنياهو إلى عدم المضي قدما في تصويت الكنيست على التعديلات القضائية.
وأعرب بايدن عن قلقه البالغ من مشروع قانون التعديلات القضائية، ودعا نتنياهو إلى ضمان التوافق بين جميع الأطراف قبل التصويت على التعديلات القضائية.
مداولات "تغيير حجة المعقولية"
وقد بدأت الهيئة العامة للكنيست، الأحد، مداولاتها حول اقتراح قانون أساس القضاء (تغيير حجة المعقولية) للقراءة الثانية والثالثة المتوقع بعد ظهر الإثنين.
وينص مشروع القانون المطروح على الهيئة العامة للمناقشة على الحد من صلاحيات المحكمة العليا بشأن قرارات تتخذها الحكومة ووزراؤها ولا سيما المتعلقة منها بالتعيينات، إذ يحق للمحكمة لغاية الآن التدخل في هذه القرارات بل وإلغاؤها في حال ارتأت أنها لا تستند لقرار راجح ومعقول، من هنا جاءت تسمية مشروع القانون بحجة المعقولية.
ويقضي اقتراح القانون بتحديد أنه لن يكون بإمكان أي سلطة قضائية النظر في مسألة معقولية قرار للحكومة تم اتخاذه ضمن هيئتها العامة، وكذلك أي قرار لرئيس الحكومة أو لوزير آخر ولن يتم إصدار قرار بموضوع معقولية القرار.
وقال رئيس لجنة الدستور البرلمانية عضو الكنيست سيمحا روتمان، إن القرار "يقضي باقتراح التعديل بإعادة القليل من فصل السلطات والديمقراطية لدولة إسرائيل، عليكم التوقف عن خداع الجمهور الإسرائيلي، حجة المعقولية هو أمر وجهت إليه انتقادات منذ أكثر من أربعين عاما".
وأضاف أن "الحديث حول إصلاحات لم تكن تثير أي عواطف في فترة اعتيادية، السبب الوحيد لإثارة العواطف لدى الأشخاص الذين تحدثوا ودعموه مثل رئيس المعارضة يائير لابيد هو بسبب أمر واحد ووحيد – أنهم خسروا الانتخابات وخرجوا إلى الشوارع ضد نتائج الانتخابات وضد حسم الشعب وليس ضد إصلاحات حجة المعقولية".
غير أن رئيس المعارضة عضو الكنيست يائير لابيد، قال إن "هذه الحكومة والقانون الذي تريد تمريره، والقوانين التي تريد تمريرها بعد ذلك مبنية على حقيقة أنهم يريدون أن يكون لديهم مواطنون ينصاعون انصياعا أعمى لهم.. أشخاص يطيعون بدون تفكير، رعايا منعدمي الوجوه ومنعدمي وجهات النظر.. لن يحدث ذلك".
تزايد الرفض في أوساط الجيش
وأحدث التصاعد الكبير في إعلانات ضباط وجنود الاحتياط من مختلف الأجهزة الأمنية برفض الخدمات حال إقرار مشروع القانون هزة واسعة في إسرائيل.
والأحد، وقع 1855 عنصر احتياط في شعبة الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي "أمان"، من ضمنهم 951 ضابطا وعنصرا نشطا في الخدمة، رسالة موجهة إلى رئيس "أمان"، أهارون حاليفا، أعلنوا فيها تعليق خدمتهم العسكرية.
ويوم الجمعة، بعث 1142 ضابطا وجنديا نشطا في قوات الاحتياط التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، رسالة إلى أعضاء الكنيست ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي وقائد سلاح الجو، قالوا فيها إن "التشريع الذي يسمح للحكم بالعمل بشكل غير معقول وبصورة متطرفة سيقود بأسف عميق وبلا خيار إلى تعليق التطوع في الاحتياط".
ومن بين الموقعين على الرسالة 422 طيارا نشطا، و173 مشغل طائرات بدون طيار، 124 مراقب طيران، 167 من عناصر مقر عمليات سلاح الجو و669 من جنود وضباط الاحتياط في وحدة الكوماندوز "شلداغ".
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن 10 آلاف جندي احتياط وقعوا رسائل مشابهة.
رسالة رئيس الأركان
وعلى إثر هذه التطورات فقد وجه رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي رسالة إلى عناصر الجيش الإسرائيلي تلقت "العين الإخبارية" نسخة منها.
وقال هاليفي في رسالته: "لن أخوض في جوهر الاختلاف الذي يشهده المجتمع الإسرائيلي فهو مشروع. يتمثل دور الجيش في الدفاع عن الدولة، من بين أمور أخرى، لكي يتاح الجدل في ظروف آمنة".
وأضاف: "عندما يتسرب الاختلاف إلى صفوف الجيش ليحدث شقوقًا فيه، قد يخطئ أحد مقاتلي القوات البرية الاعتقاد ليفكر أن طيار سلاح الجو لن يساعده بسبب ذلك الجدل؛ وقد يخطئ طيار سلاح الجو الاعتقاد بأنه يجوز عدم التحضير والحفاظ على الأهلية للحرب، مع أننا عمليًا قد نحتاجه قريبًا؛ إنها عبارة عن شقوق خطيرة".
وتابع قائلا: "لذا ليس من حق أي شخص من الأشخاص الذين يخدمون القول إنه لم يعد يؤدي خدمته وليس لدينا الحق في رفض الحضور أو عدم الخضوع لأمر أو نداء، وأدعو جميع أفراد الاحتياط، حتى في هذه الأيام المعقدة، إلى فصل الاحتجاج المدني عن الخدمة الأمنية والمثول، علمًا بأن الدعوات إلى عدم المثول تضر بالجيش".
وقال هاليفني إن "أفراد الاحتياط لدينا أعزاء على قلوبنا ويساهمون في أمن الدولة إلى حد كبير.. إنني أقدركم جميعًا، وأقدر حتى الذين اتخذوا بألم قرارًا صعبًا بالتوقيع وأيديهم ترتجف على عدم المثول؛ أدعوهم للعودة إلى الخدمة".
غير أن تلك الرسالة لم توقف حركة احتجاج جنود وضباط الاحتياط.
وتحدث هاليفي، وعلى نحو غير معتاد، مع زعيم حزب "الوحدة الوطنية" المعارضة ووزير الدفاع السابق بيني غانتس.
وقال غانتس لاحقا في تغريدة على تويتر: "الوضع الأمني مقلق للغاية ويتطلب اهتماما وقرارات أمنية استراتيجية في مختلف مجالات العمل، ويجب على رئيس الوزراء عقد مناقشة مجلس الوزراء السياسي والأمني، لفهم تداعيات التشريع على الجيش الإسرائيلي، قبل تمرير التشريع، وينطبق الشيء نفسه على الحاجة إلى اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والأمن، أكدت في المحادثة هذا المساء على ضرورة تجنب التحركات أحادية الجانب".
وعلى نحو غير معتاد أيضا اجتمع زعيم حزب "هناك مستقبل" المعارض ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد مع رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار.
وقال لابيد في تغريدة على تويتر: "التقيت الليلة برئيس الشاباك رونان بار وتلقيت منه تحديثا للوضع والتهديدات الأمنية في مختلف الساحات، ناقشنا التهديدات من الداخل والخارج وأعربت عن قلقي بشأن المرونة الوطنية، لدينا مسؤولية مشتركة للحفاظ على أمن البلاد ووحدة الشعب".
كما اجتمع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، فور عودته من الولايات المتحدة ، مع لابيد قبل أن يلتقي مع غانتس دون استبعاد أن يلتقي مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
نتنياهو يوبخ وزير الدفاع
ومن جهتها قالت القناة "12 الإخبارية" الإسرائيلية إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "وبّخ" وزير الدفاع يوآف غالانت لأنه اقترح تأجيل إقرار بند "المعقولية" عدة أيام.
وأضافت: "عندما سمع نتنياهو التقارير فقد أعصابه واتصل بغالانت وصرخ فيه قائلا : "لا تتدخل، أنا أتعامل مع الأمر، لا تتصرف وكأنك رئيس للوزراء".
وزير المالية: بعون الله ستتم المصادقة على مشروع القانون
ومع ذلك فقد قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن الائتلاف سيوافق "بعون الله" على مشروع قانون الحكومة للحد بشكل كبير من استخدام المحكمة العليا لمعيار المعقولية.
وأضاف سموتريتش، في مظاهرة لليمين الإسرائيلي في تل أبيب: "نحن مستمرون في هذا التشريع لأنه جوهر الديمقراطية، وبالتوازي مع ذلك، نحاول إيجاد طريق للحوار".
وتابع قائلا: "غدًا، بعون الله، في الكنيست الإسرائيلي، سنقوم بأغلبية كبيرة بتمرير قانون تعديل المعقولية، الذي سيسمح للحكومة الإسرائيلية والمسؤولين المنتخبين من قبل الشعب بتنفيذ السياسات وتعزيز دولة إسرائيل، وأمن إسرائيل، واقتصاد إسرائيل، والهوية اليهودية للبلاد"".
وكان عشرات الآلاف من مؤيدي الحكومة تظاهروا في تل أبيب بالتوازي مع مظاهرات المعارضة دون تسجيل احتكاكات.
وقال وزير الأمن القومي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، في تغريدة على تويتر: "الشعب يريد الإصلاح القانوني".
وما لم تتراجع الحكومة فإن التصويت على مشروع القانون سيتم ظهر الإثنين.