أطاحت بـ"الرجل المخيف" وقادة بارزين.. إسرائيل "توجع" إيران بـ"الحرب السرية"
جولة جديدة من حرب الظل بين إيران وإسرائيل امتدت لبلدان ثالثة كساحة لها، إلا أن طهران منيت فيها بإخفاقات أمنية، جراء اختراقات ضمن صفوفها.
فإسرائيل اتبعت طيلة العام الماضي استراتيجية، كثفت بموجبها نطاق وتواتر هجماتها داخل إيران، بما في ذلك على المواقع النووية والعسكرية التي كان جهاز الاستخبارات الإيراني مسؤولا عن حمايتها.
تلك الاستراتيجية والتي كانت تنطوي على كشف إخفاقات الحرس الثوري في حربهم السرية مع إسرائيل، على أمل أن يخلق صراعا بين القادة السياسيين ومؤسسة الدفاع والاستخبارات، يبدو أنها آتت أكلها، بالإطاحة بالرجل المخيف في إيران.
أبرز ضحايا الحملة
وبحسب مسؤولين ومحللين في إيران وإسرائيل، فإن حسين طائب، رجل الدين ذا الـ59 عاما ورئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري، كان أحد ضحايا الحملة التي لا هوادة فيها لإسرائيل لتقويض أمن طهران من خلال استهداف مسؤوليها ومواقعها العسكرية.
وتقول "نيويورك تايمز"، إنه على مدار أكثر من عقد زمني، كان لـ"طائب" وجود مخيف في إيران، بترؤسه جهاز الاستخبارات الضخم، مشيرة إلى أنه سحق المعارضين والخصوم السياسيين، ووسع العمليات السرية خارج حدود إيران لاستهداف المعارضين والأعداء بالخارج.
ورغم أن الرجل الخمسيني بدا وكأنه لا يمكن المساس به، إلا أنه أقيل فجأة من منصبه الأسبوع الماضي، بعد 12 عامًا قضاها في منصبه، بحسب "نيويورك تايمز".
• إسرائيل تعلن تحييد خطر إيران على مواطنيها بتركيا.. وبينيت يشكر أردوغان
من جانبه، قال محمد علي أبطحي، نائب الرئيس الأسبق الإصلاحي ورجل الدين الذي أطاح به المحافظون عام 2009 لكنه حافظ على علاقات وثيقة مع كبار المسؤولين، إن الإطاحة بطائب كانت بمثابة اعتراف من جانب طهران بأن مواجهة التهديد الذي تشكله إسرائيل يتطلب قيادة جديدة وإعادة ضبط للاستراتيجيات والبروتوكولات.
خروقات أمنية
وأضاف أبطحي خلال تصريحات هاتفية من طهران، أن "الخروقات الأمنية داخل إسرائيل والنطاق الواسع للعمليات الإسرائيلية قوضت حقا معظم أقوى جهاز استخبارات لدينا. لطالما كانت قوة أمننا هي حجر الأساس بإيران. وقد تضررت العام الماضي".
وجاءت الدعوات للإطاحة بطائب وسط مناخ متزايد من عدم الثقة داخل القيادة الإيرانية، بعد اعتقال قائد كبير في الحرس الثوري يدعى الجنرال علي نصيري، سرًا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، بحسب مصدر على صلة بكبار المسؤولين في الحرس الثوري ومصدر آخر مطلع على الاعتقال.
وقال مسؤول إيراني مطلع على المداهمة، إن احتجاز الجنرال نصيري جاء بعد شهرين من اعتقال العديد من الموظفين ببرنامج تطوير الصواريخ التابع لوزارة الدفاع الإيرانية للاشتباه في تسريب معلومات عسكرية سرية إلى إسرائيل، بما في ذلك مخططات تصميم صواريخ.
وشغل الجنرال نصيري، الذي اعتقل في يونيو/حزيران الجاري، منصب قائد وحدة حماية المعلومات بالحرس الثوري، والذي كان مكلفا بالإشراف على عمل المؤسسة.
استقالة أو إقالة
وقال مسؤولون إيرانيون مطلعون على الوضع إن اعتقاله، إلى جانب الهجمات الإسرائيلية المتكررة، أثارت قلق القيادة في طهران. وبدأ البعض يطالب سرا باستقالة طائب أو إقالته.
ويوم الإثنين، تعرضت ثلاثة مصانع للصلب في إيران لهجوم سيبراني، مما أجبر أحدها على وقف خط إنتاجه. وتعتبر المصانع الثلاثة موردة رئيسية للصلب إلى الحرس الثوري، بحسب مسؤول استخبارات غربي.
ذلك الهجوم السيبراني تبنته مجموعة من القراصنة تعرف باسم "Gonjeshke Darande"، كانت مسؤولة -أيضًا- عن هجوم مماثل في نوفمبر/تشرين الثاني، أدى إلى تعطيل محطات الوقود في شتى أنحاء إيران، أرجعه مسؤولون أمريكيون إلى إسرائيل، إلا أن مسؤولين من تل أبيب رفضوا تأكيد مصدر الهجمات.
وتسللت شبكة التجسس الإسرائيلية إلى أعماق صفوف دوائر الأمن الإيراني، بحسب مسؤولين إيرانيين، فيما حذر وزير الاستخبارات الإيراني السابق من أنه يجب على المسؤولين أن يخشوا على حياتهم.
وعن الاستراتيجية الإسرائيلية التي مكنتها من إحداث اختراقات في صفوف إيران، قالت كيرين حاجيف، مستشار كبير لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، خلال مقابلة، إنها كانت جزءًا من عقيدة "الأخطبوط" الخاصة برئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت.
وأشارت إلى أن "هذه العقيدة تمثل تحولًا استراتيجيا عن الماضي، عندما ركزت إسرائيل على مخالب إيران بالوكالة في شتى أنحاء المنطقة، في لبنان وسوريا وغزة".
وبحسب "نيويورك تايمز"، فإن العملاء الإسرائيليين نفذوا عمليات اغتيال باستخدام روبوتات يتم التحكم فيها عن بعد، بالإضافة إلى إطلاق النار من مركبة متحركة، وتوجيه طائرات مسيرة إلى منشآت صاروخية ونووية حساسة، واختطاف واستجواب عميل من الحرس الثوري داخل إيران، فيما تشتبه طهران في أن إسرائيل قتلت اثنين من علمائها في مايو/أيار الماضي.
ماذا نعرف عن حسين طائب؟
الصحيفة الأمريكية قالت إنه تم تعيين طائب رئيسا لاستخبارات الحرس الثوري في 2009 بعد اضطرابات واسعة النطاق بسبب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها.
وأوضحت أن طائب شن حملة قمعية وحشية عززت مكانة جهاز الاستخبارات وحولته من وحدة أمنية مبهمة إلى جهاز التجسس الأكثر "خوفًا" في البلاد.
وفيما قال مستشار للحكومة ومصدر آخر على صلة بالحرس الثوري، إن طائب تعرض لضغط لاجتثاث شبكة الجواسيس الإسرائيليين من إيران والرد عليها، إلا أنه طلب عاما إضافيا في منصبه لتصحيح الخروقات الأمنية، قبل أن تطيح به "مؤامرة" استهداف الإسرائيليين في تركيا.
وأدت الجهود الإيرانية الفاشلة لاستهداف مواطنين إسرائيليين في تركيا، والتي تسببت في أزمة دبلوماسية محرجة مع أنقرة، الحليف الإقليمي لطهران، في قلب الكفة، بحسب مسؤولي استخبارات إسرائيليين مطلعين على المخطط الإيراني، طلبوا عدم تسميتهم لمناقشة العمليات الحساسة.
وفي 18 يونيو/حزيران، قال مسؤول استخبارات إسرائيلي، تحدث شريطة عدم كشف هويته، إن الموساد اعتقد أن إيران تخطط لهجمات ضد السياح والمواطنين الإسرائيليين.
نقطة التحول
ورفع مكتب مكافحة الإرهاب الإسرائيلي حالة التأهب لأقصى مستوى، وطلب من جميع الإسرائيليين في تركيا البقاء داخل حجراتهم بالفنادق.
يأتي ذلك، فيما قال مسؤول الاستخبارات إن إسرائيل أبلغت تركيا وتشاركت معها معلومات تظهر أن طائب وراء المخطط، والتي قالت إنه جاء للثأر من مقتل الكولونيل صياد خدائي في مايو/أيار الماضي.
من جانبه، قال أوميد ميماريان، محلل الشأن الإيراني لدى منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي"، ومقرها واشنطن، إن تركيا كانت نقطة التحول بالنسبة لطائب، مشيرة إلى أنها جعلت إيران تبدو غير كفؤة وزادت من ضعفها، لذا "كان عليهم في النهاية التخلص منه"، في إشارة إلى إقالة طائب.
وقال حسين داليريان، المحلل المحسوب على الحرس الثوري: "كان من الضروري بعد 13 عامًا أن يأتي قائد بدم جديد لإدارة الأمور في المستقبل"، متوقعًا أن تزداد الأنشطة الأمنية والاستخباراتية قوة.
aXA6IDMuMTQ0LjQyLjIzMyA= جزيرة ام اند امز