الركض خلف ثغرة "الطوفان".. هل تجد إسرائيل "دفرسوار" في غزة؟
٥٠ عاماً مرت على حرب أكتوبر 1973 والثغرة الشهيرة التي نفذت منها إسرائيل بعد تلقيها ضربة قوية، لتقلب مسار القتال.
هكذا كان الوضع قبل ٥٠ عاما في ثغرة "الدفرسوار" شرق قناة السويس المصرية، حيث تمكنت إسرائيل من إحداث ما خططت له من فوضى في مسار القتال بعد هجوم كاسح شنه الجيش المصري،
والآن مع تكرار المشهد، ولكن بصورة مختلفة من النواحي القتالية والعددية والجغرافية، تبحث إسرائيل في غزة عن ثغرة "دفرسوار" جديدة، يمكن من خلالها تغيير واقع الهجوم الصعب الذي شنته الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس، السبت الماضي.
والسبت، اقتحم مسلحون فلسطينيون من حماس وفصائل أخرى، بلدات إسرائيلية، في عملية أسمتها الحركة "طوفان الأقصى"، وأسفرت حتى اليوم عن مقتل نحو 1300 شخص في الجانب الإسرائيلي، وإصابة ٣٠٠٠ آخرين.
ومنذ ذلك الوقت، تعمل إسرائيل على الرد على هذا الهجوم، وتكثف حاليا ضرباتها الجوية التي مسحت أحياء بأكملها في غزة، وقتلت نحو 1200 فلسطيني.
ثغرة الدفرسوار
ثغرة الدفرسوار، مصطلح أُطلق على حادثة أدت لتعقيد مسار الأحداث في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، في الفترة بين ١٥ و٢٣ من الشهر نفسه، حين تمكن الجيش الإسرائيلي من اختراق صفوف الجيش المصري والعبور إلى الضفة الثانية للقناة، وتطويق الجيش الثالث الميداني.
وكانت الثغرة تقع بين صفوف الجيشين الثاني والثالث الميداني (تشكلين بالجيش المصري) امتدادا بالضفة الشرقية لقناة السويس.
هذه الثغرة جاءت بعد هجوم مصري كاسح يوم ٦ أكتوبر/تشرين الأول، وتمكن الجيش المصري من عبور القناة واجتياز خط بارليف وتوجيه ضربات قاصمة للجيش الإسرائيلي، في مفاجأة مدوية استمر أثرها أياما.
لكن بعد تدشين خطة تطوير الهجوم المصرية في ١٤ أكتوبر/تشرين الأول، مُنحت إسرائيل فرصة لإيجاد ثغرة في صفوف الجيش.
وفي فجر 17 أكتوبر/تشرين الأول، عززت إسرائيل وجودها في الجبهة، عبر 8 ألوية مدرعة ولوائي مشاة ميكانيكيين، 3 منها كانت تستعد للعبور لغرب قناة السويس بمجرد تركيب الجسر بمنطقة الدفرسوار؛ موقع الثغرة.
وفي اليوم التالي، نجحت الخطة، وبات لإسرائيل وجود غرب القناة بفرقتين مدرعتين إحداها بقيادة الجنرال شارون والأخرى بقيادة الجنرال برن.
عودة إلى غزة
وبالعودة إلى الوضع الحالي في غزة؛ حيث تشن إسرائيل غارات جوية مكثفة وغير مسبوقة، لا تزال العين الإسرائيلية تفتش عن ثغرة تنفذ منها إلى القطاع، وترد على هجوم "طوفان الأقصى".
ويقول مراقبون إن التحشيدات الإسرائيلية بنحو 300 ألف جندي احتياط وعربات مدرعة على الحدود مع قطاع غزة، تؤشر إلى "عملية برية مرتقبة".
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس في مؤتمر صحفي يومي يبث على منصة إكس للتواصل الاجتماعي (تويتر سابقا)، أمس، إنه سيتم شن هجوم بري على غزة "عندما يكون ذلك مناسبا ومناسبا لأغراضنا".
واليوم الخميس، أعلن الجيش في بيان، "لم نتخذ بعد قرار بشأن أي توغل بري في غزة، لكننا نستعد له"
تلميحات إسرائيلية متكررة بإمكانية شن هجوم بري، لكن إسرائيل لم تشرع فيه بعد، رغم مرور ٥ أيام على "طوفان الأقصى"، وحشد مئات الآلاف من جنودها على حدود القطاع، ما يوحي بأن تل أبيب تبحث عن ثغرة.
لماذا الثغرة؟
منطقيا، أي هجوم بري في منطقة متوقعة ومحصنة جيدا، سيؤدي إلى خسائر بشرية ضخمة في القوات المهاجمة، خاصة إذا كان الهجوم في شوارع سكنية وتحول القتال إلى حرب مدن تكون فيها اليد الطولى للطرف الأكثر دراية بالمكان.
كيف ستؤثر الجغرافيا على أي قتال؟
يقول خبراء إن جغرافية غزة تحد من العمليات الإسرائيلية، ولهذا السبب تميل قوات الدفاع الإسرائيلية إلى استخدام نفس طرق الاقتراب.
إذ توجد مناطق ريفية من الأراضي الزراعية بجوار معبر إيريز في أقصى شمال غزة، وشرق مخيم البريج وسط القطاع حيث يوجد خط من التلال يطل على المدنية.
وإلى الشرق من مدينة خانيونس في الجنوب حيث يمكن للدبابات والمدرعات الإسرائيلية التحرك بشكل أكبر، بسهولة واتخاذ مواقع إطلاق النار، حيث توجد نقطة وصول أخرى حول طريق فيلادلفي بالقرب من رفح في أقصى الجنوب.
وفي الماضي، استخدمت إسرائيل المواقع المطلة على وسط غزة لمحاولة قطع الاتصالات بين مدينة غزة والجنوب وأماكن أخرى لتقسيم المنطقة.
وتدرك حماس والفصائل الأخرى في غزة أن هذه الطرق يمكن للقوات الإسرائيلية استخدامها، وسيكون لها في كثير من الأحيان خطوط دفاعها الأولى في هذه المناطق، التي كانت مسرحا لقتال عنيف في الماضي.
ومع تحول مناطق ريفية إلى حضرية ، أصبحت التضاريس أكثر صعوبة بالنسبة لإسرائيل، إذ تطل المباني السكنية الشاهقة في أماكن مثل جباليا وبيت لاهيا على المداخل الشمالية نحو مدينة غزة، بينما يحد الطريق الرئيسي بين الشمال والجنوب المناطق الصناعية التي استخدمتها حماس دفاعياً في الماضي.
أما التضاريس في وسط غزة وشرق خانيونس فهي أكثر انكشافا، لكن المباني الشاهقة على طول طرق الوصول وفرت غطاء لحماس.
هل سيدخل الإسرائيليون إلى المدن الرئيسية؟
خلال محاولاتها التقدم إلى المراكز الحضرية الكبرى، تعرضت القوات الإسرائيلية لهجمات عنيفة في الماضي.
وتمتلك حماس والفصائل الأخرى ألغاما مضادة للدبابات وصواريخ موجهة مضادة لهذه المدرعات، وقد استخدمتها في الماضي مع إطلاق قذائف الهاون.
وهو ما حصل خلال اجتياح القوات الإسرائيلية حي الشجاعية شرق مدينة غزة عام 2014، حيث فقدت 13 جنديا في كمين شمل لغما مضادا للدبابات ونيران مدافع رشاشة.
وفي حين يتمتع الجيش الإسرائيلي بخبرة القتال بالمدرعات في المدن الفلسطينية، وليس أقلها في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية، يُعتقد أن حماس تمتلك الآن مخزونا كبيرا من صواريخ كورنيت المضادة للدبابات والتي تم استخدامها في حروب سابقة.
كما طورت حماس طائرات بدون طيار مجهزة بالذخيرة من النوع المستخدم على نطاق واسع في أوكرانيا والتي يمكنها إسقاط قنابل على المركبات والقوات، وهو تهديد جديد.
وفي الوقت الحالي، تخوض القوات الإسرائيلية قتالا مع حماس. لكن غزة هي موطن لعدد لا يحصى من الفصائل الفلسطينية المسلحة، بما في ذلك الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، على سبيل المثال لا الحصر.
لكن هذه الفصائل لا تمتلك القوة البشرية أو الأسلحة التي تمتلكها حماس، لكنهم كثيرون بما يكفي لمقاومة جدية، وفق ما طالعته "العين الإخبارية" في سي إن إن.
كيف سيكون رد حماس؟
يقول مراقبون، إن الحروب السابقة، منحت حماس خبرة في مواجهة الجيش الإسرائيلي، فضلا عن أعداد مقاتليها المدربين على القتال. وبعضهم من الناطقين بالعبرية الذين درسوا الجيش الإسرائيلي بعمق.
وتعتقد صحيفة "الغارديان" البريطانية أن إحدى المشاكل الرئيسية التي تواجه إسرائيل في أية محاولة لشن هجوم بري هي أنها ستضطر إلى مواجهة مواقع حماس المجهزة، بما في ذلك الأنفاق القتالية التي تم تطويرها على نطاق واسع على مر السنين، وفي بعض الحالات مجهزة بأنظمة الاتصالات.
وفي حين كانت شبكات أنفاق حماس بدائية ذات يوم، أصبح مهندسوها الآن يتمتعون بخبرة كبيرة في بناء مواقع مخفية جيداً تحت الأرض لاستخدامها كمراكز قيادة ونشر المقاتلين منها.