لماذا أجلت مصر التصويت على مشروع قرارها حول الاستيطان؟
تمرير مجلس الأمن لقرار ينتقد الاستيطان الإسرائيلي كانت قد سحبته مصر يطرح العديد من التساؤلات حول الموقف المصري.
جاء تمرير مجلس الأمن الدولي لقرار ينتقد الاستيطان الإسرائيلي بالأراضي المحتلة، والذي كانت سحبته مصر في وقت لاحق وتقدمت به 4 دول أخرى، العديد من الأسئلة حول أسباب الموقف المصري، ومدى تأثيره على عملية السلام وتسوية القضية الفلسطينية في المستقبل.
القرار التي تم تمريره، الجمعة، بموافقة 14 دولة، بما فيها مصر، وامتنعت أمريكا خلال الجلسة عن التصويت عليه، كانت قد تقدمت به القاهرة، الخميس، بهدف إدانة سياسة الاستيطان واعتبار المستوطنات بناء غير شرعي.
جاء اتصال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فجر الجمعة، طالباً منه إعطاء الإدارة الجديدة الفرصة لتسوية القضية الفلسطينية، سبباً ظاهراً لسحب القرار، لكنه تسبب في موجة من المزايدات على الموقف المصري من القضية الفلسطينية.
الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية، رفض الاتهامات التي وجهتها بعض الأطراف الداخلية العربية لمصر بعد تأجيل التصويت على مشروع القانون، قائلًا: مصر لم تتعرض لضغوط من أحد لتأجيل التصويت على مشروع القرار، مضيفًا أن قرار مصر جاء في صالح القضية الفلسطينية والحل الشامل للقضية.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية لـ"العين" أن إسرائيل متخوفة من القرار، لأنها تسعى إلى دخول مجلس الأمن كعضو غير دائم خلال عام 2018، لذلك فهي حريصة على علاقتها بمجلس الأمن ودعت الولايات المتحدة لاستخدام حق الفيتو ضد مشروع قرار إدانة الاستيطان حتى تدخل مجلس الأمن الفترة القادمة.
مصادر دبلوماسية، كشفت عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، طالب الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام حق الفيتو مع القرار المناهض لإسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، واستغاث بالرئيس الأمريكي المنتخب بعد أن وصلت إليه معلومات بأن واشنطن ستمتنع عن التصويت.
وأكد الدكتور طارق فهمي أن مصر حريصة على حل القضية الفلسطينية بشكل شامل وعادل، ما دفع مصر لتأجيل التصويت على مشروع قرار إدانة الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مشيراً إلى أن الدول العربية طالبت بتعديل بعض المواد الموجودة في مشروع القانون لأنه يساوي بين المستوطنين والمدنيين.
على صعيد متصل، كشف مصدر دبلوماسي مقرب من رئاسة الجمهورية المصرية، عن أن مصر وأمريكا أيقنا أن حل القضية الفلسطينية يكمن في عدم التعجل بطلب التصويت على مشروع القرار وأن اتفاقهم على ذلك يعكس رؤية أكثر عمقاً لحل الأزمة.
وأضاف المصدر أن ترامب والسيسي وضعا خطة عمل مصرية أمريكية مشتركة تضمن تعامل أكثر شمولية مع جميع عناصر ملف القضية الفلسطينية، بشكل يضمن وجود مقومات حقيقية للتسوية الشاملة والعادلة لها بعيداً عن الألاعيب السياسية، أو محاولات تحقيق انتصارات مزعومة.
هذا التوجه اعتبره السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية الأسبق، أمراً مقبولاً لأن مصر والدول العربية تتقدم كل عام بقرار لإدانة الاستيطان الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وصدر خلال السنوات الـ10 الأخيرة 5 قرارات بالإدانة لكنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
وأضاف بيومي في تصريحات لـ"العين"، أن السلطات المصرية فضلت اللجوء للمفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لوضع حل جذري للقضية الفلسطينية بعيداً عن الشجب والإدانة المتكررة والتي لم تحقق تقدماً على أرض الواقع.
وهو ما اتفق معه المفكر السياسي الدكتور مصطفى الفقي، الذي قال لـ"العين" إنه يؤيد قرار الخارجية المصرية بتأجيل التصويت على مشروع قرار إدانة الاستيطان بعد تلويح الإدارة الأمريكية باستخدام حق الفيتو ضد المشروع، مشدداً على أن الموقف المصري قومي ولصالح القضية الفلسطينية.
على صعيد متصل، تشير خريطة التصويت على القرار إلى أن مصر وافقت عليه، مما يشير إلى أن ثمة اتجاه مصري لإحياء القضية الفلسطينية مرة أخرى، ولكن عبر إدارة دبلوماسية هادئة محسوبة الخطى، لا تعتمد على انتصارات زائفة.
وهو ما أكده الدكتور عماد جاد، عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، حيث قال لـ"العين"، إن الموقف المصري بتأجيل التصويت على مشروع القانون قد جاء في محله لإتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية، لدراسة أبعاد القضية الفلسطينية والاتفاق مع مصر على وضع حلول شاملة للقضية.
واعتبر جاد أن مصر لجأت إلى الحل الأمثل لمناقشة قضية الاستيطان الممتدة منذ أكثر من 50 عاماً دون حل جذري لها.
وإجمالا يرى الخبراء الذين تحدثوا لـ"العين" أن الدبلوماسية المصرية تعتمد على مسارات متعددة لتسوية القضية الفلسطينية، تبدأ من إعادة تصديرها للمشهد السياسي الدولي مرة أخرى، والموافقة على تمرير ما يمكن اعتباره أحد محددات استئناف عملية السلام مرة أخرى بما يضمن الحفاظ على حقوق الفلسطينيين، فضلاً عن اعتماد آلية التفاوض المباشر لحل هذه القضية.