غولدا مائير ونتنياهو في الحرب.. تشابهت المقدمات فهل تلتئم النهايات؟
خمسون عاما، هي سنوات طويلة بالتقويم الفيزيائي، لكنها لحظات عندما تتشابه الإحداثيات والمصير
لحظات تفصل بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيسة الوزراء الراحلة غولدا مائير.
وكما انهالت الاتهامات على مائير إبان حرب 1973، كان لنتنياهو النصيب منها هذه الأيام.
فنتنياهو يدرك أن التحقيقات في إخفاق حكومته بتوقع هجوم حماس، السبت الماضي، ستبدأ بمجرد انتهاء حالة الحرب الحالية.
وتتشابه ظروف حرب أكتوبر/تشرين الأول ١٩٧٣ مع ظروف هجوم المسلحين الفلسطينيين على بلدات غلاف قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
المعطى الأول: المفاجأة
اعتمدت مصر وسوريا على عنصر المفاجأة في مهاجمة القوات الإسرائيلية في يوم عيد الغفران اليهودي، في أكتوبر 1973. وبالمثل فإن الفصائل الفلسطينية في غزة اعتمدت عنصر المفاجأة أيضا.
وتشير وثائق الحكومة الإسرائيلية لحرب 1973، التي أفرجت عنها الحكومة الشهر الماضي ونشرت "العين الإخبارية" مقتطفات واسعة منها، إلى أن المخابرات الإسرائيلية لم تعلم مسبقا عن الهجوم المصري السوري.
وتكشف الوثائق النقاب أن مصر وسوريا تمكنتا بشكل كبير من إخفاء نوايا التحرك العسكري بعد أن أظهرتا الأمر وكأنه بمثابة تحريك للقوات لأسباب دفاعية.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن إسرائيل تلقت إشارات عن نوايا مصرية وسورية للتحرك قبل 50 عاما، لكنها لم تأخذها على محمل الجد.
وما أشبه اليوم بالبارحة، إذ قال الجيش الإسرائيلي إنه لم تتوفر لديه معلومات دقيقة عن نية الفصائل الفلسطينية التحرك عسكريا.
وتطرق الناطق باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هغاري، اليوم الخميس، لأول مرة، إلى التحذيرات الاستخباراتية التي سبقت هجوم عناصر حماس.
وقال هغاري في الإيجاز الصحفي اليومي "لم نكن نملك أية معلومة قبيل الهجوم حول مدى قوته وحجمه، هذا أمر سنجري تحقيقا حوله"، مضيفا "علينا أن نقدم الإجابات الضرورية للجمهور بعد أن ننهي الحرب".
وتابع "كانت هناك تقارير عن تحرك القوات، لكن لم نفهم أنه كان هجوماً كبيراً، فالتحذير من تحرك القوات ليس أمراً غير عادي".
المعطى الثاني: مشاورات منتصف الليل
بحسب ما طالعته "العين الإخبارية" في قناة "الأخبار 13" الإسرائيلية، فإن المعلومات التي وصلت قبل ساعات من الهجوم أدت إلى محادثات هاتفية بين كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي في منتصف الليل، وكانت نتيجتها أنه سيتم إجراء تقييم آخر للوضع في الصباح.
ويقول رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت إن الإنذار الليلي لم يصل إليهما.
وفي مذكرات الحرب لعام 1973 أدى اتصال هاتفي في منتصف الليل أيضا إلى إيقاظ مائير التي توجهت فورا إلى مقر وزارة الدفاع، لعقد سلسلة من الاجتماعات بعد معلومات أولية عن إمكانية تحرك مصر وسوريا عسكريا.
ومع ذلك لم تتمكن رئيسة الوزراء الراحلة من الحصول على معلومات مؤكدة إلا متأخرا، وحينما بحثت تحرك الجيش الإسرائيلي كانت القوات المصرية والسورية قد تحركت بالفعل.
المعطى الثالث: أمريكا والنصر
وفي محاولة منها لاستدراك الموقف، أعلنت مائير أن إسرائيل ستنتصر بالحرب.
الإعلان ذاته صدر عن نتنياهو بعد ساعات من تسلل المسلحين الفلسطينيين عبر حدود قطاع غزة، وبداية هجوم "طوفان الأقصى" الذي أسفر عن مقتل 1300 في الجانب الإسرائيلي وإصابة نحو 3000 آخرين.
أثناء اتصالاتها، قبيل الحرب، كانت مائير على اتصال مع وزير الخارجية الأمريكي آنذاك هينري كيسنجر الذي تظهر الوثائق أنه كان يحذر مصر وسوريا من شن هجمات على إسرائيل في ذلك الوقت.
وتقول مائير في مذكراتها: "في نفس اللحظة سمعنا صوت صافرات الإنذار في تل أبيب وبدأت الحرب، ليت الأمر اقتصر على أننا لم نتلق إنذارات في الوقت المناسب، بل إننا كنا نحارب في جبهتين في وقت واحد".
وتضيف:" كان التفوق علينا ساحقا من الناحية العددية سواء من الأسلحة أو الدبابات أو الطائرات أو الرجال.. كنا نعاني من انهيار نفسي عميق.. لم تكن الصدمة في الطريقة التي بدأت بها الحرب فقط، ولكنها كانت في حقيقة أن معظم تقديراتنا الأساسية ثبت خطؤها. فقد كان الاحتمال في أكتوبر ضئيلا".
أما في أكتوبر/تشرين الأول 2023 فإن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن ما بين 800-1000 مسلح فلسطيني اخترقوا الحدود في سيارات دفع رباعي ودراجات هوائية وسيارات، وهاجموا دفعة واحدة 22 تجمعا سكانيا إسرائيليا و11 قاعدة عسكرية.
واليوم أيضا، وبعد 6 أيام من الحرب في غزة وصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل للقاء نتنياهو في مقر وزارة الدفاع بتل أبيب.
زيارة بلينكن جاءت بعد 4 اتصالات هاتفية يومية بين نتنياهو والرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي أعلن دعمه غير المحدود للتحرك العسكري الإسرائيلي.
النهاية
على إثر حرب أكتوبر 1973 تعرّضت غولدا مائير لضغوط داخلية نتيجة الأحداث فأقدمت على تقديم استقالتها.
فيما تشير تقديرات إسرائيلية إلى أن نتنياهو سيتعرض لتحقيق قاس بعد انتهاء الحرب، دون وجود مؤشر على نيته الاستقالة.
ويشير استطلاع للرأي العام، طالعته "العين الإخبارية" في صحيفة "جروزاليم بوست" الإسرائيلية، الخميس، إلى أن 56 من الإسرائيليين اليهود يقولون إن على نتنياهو الاستقالة.
فيما يرى 52% من الإسرائيليين اليهود أن على وزير الدفاع يوآف غالانت الاستقالة.
aXA6IDE4LjIxNi4xNzQuMzIg جزيرة ام اند امز