بعد إقرار قانون المعقولية.. المحكمة العليا بإسرائيل ضحية وأمل في آن
مرر الكنيست قانون مثير للجدل، ضحيته الأساسية هي المحكمة العليا الإسرائيلية، ورغم ذلك تعول المعارضة على نفس المحكمة لوقف القانون.
القانون، الذي أقره الكنيست، يحظر على المحكمة التدخل في قرارات الحكومة ولكن المعارضة أعلنت أنها ستلجأ للمحكمة ضد القرار المثير للجدل.
وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، في تغريدة على "تويتر": "انتظروا، دعوا المحكمة العليا تناقش القانون وعندها فقط تتخذ القرار الأصعب على الإطلاق".
وأضاف "سنقوم صباح الغد بتقديم التماس إلى المحكمة العليا ضد هذا التشريع الخاسر، وضد الإلغاء الأحادي الجانب للطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل، وضد الطريقة المناوئة للديمقراطية التي جرت بها المناقشات في لجنة الدستور".
ولكن في غياب محكمة دستورية في إسرائيل، فإن ثمة مخاوف من أن الخلاف ما بين الحكومة والمحكمة العليا قد يدفع الأمور باتجاه أزمة دستورية.
ما الذي جرى؟
وفاجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الداخل والخارج بإصراره على المصادقة على قانون "تقليص حجة المعقولية".
وسادت توقعات بأن نتنياهو قد يعمد إلى التخفيف من صيغة القانون أو حتى تأجيل التصويت بعد الاحتجاجات المحلية ودعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تأجيله.
ولكن نتنياهو، الذي حضر مباشرة من المستشفى، حيث خضع لعملية زرع جهاز تنظيم ضربات القلب، إلى الكنيست، بدا مصمما على موقفه.
وشارك نتنياهو بنفسه في عملية التصويت التي استمرت أكثر من 3 ساعات وبدأت باعتراضات من المعارضة ثم التصويت بالقراءتين الثانية والثالثة على مشروع القانون ليصبح قانونا.
وما بين تصويت وآخر كان نتنياهو يخرج من قاعة الكنيست متحدثا على هاتفه النقال دون أن يكون من الواضح من الجهة التي يتحدث إليها.
دراما
إلى ذلك، تواصلت الدراما ومحاولات التوصل إلى حل وسط حتى ما قبل التصويت في الكنيست، إذ كشف مسؤولون إسرائيليون النقاب عن محاولات جرت في اللحظات الأخيرة لمحاولة التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والمعارضة.
وكانت المفاجأة أن من يقف خلف محاولة التوسط هو وزير المالية اليميني بتسلئيل سموتريتش الذي كان من أبرز الداعمين للقانون.
محاولة سموتريتش هذه أغضبت صديقه وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي سارع على الفور لانتقاد هذه المحاولة وهدد بإسقاط الحكومة في حال التوصل إلى حل وسط.
وقال بن غفير في تغريدة على حسابه في "تويتر": "لسوء الحظ، تتفاوض أطراف من التحالف مع نفسها وتفكر في الوصول إلى حل وسط من شأنه إبطال القانون. أي حل وسط في التصويت على قانون المعقولية سيكون وصمة عار على اليمين بأكمله".
ولكن فور التصويت كتب: "دولة يهودية وديمقراطية".
وكان واضحا أن بن غفير ضمن عدم قبول نتنياهو بحل وسط حينما جلس إلى جانبه قبل التصويت وبدت عليه ملامح الرضا. غير أن التوتر كان واضحا على وزير الدفاع يوآف غالانت الذي كان يسعى لإقناع نتنياهو بقبول حل وسط.
وتعرضت جهود غالانت هذه لانتكاسة بعد المعارضة الشديدة من قبل وزير العدل ياريف ليفين الذي بدوره تحرك بشكل مكوكي داخل الكنيست لضمان إقرار القانون.
ولجأ غالانت إلى زعيم حزب "شاس" أرييه درعي، المقرب من نتنياهو، ولكن دون جدوى. ثم تحدث غالانت مع زعيم المعارضة يائير لابيد ووزير الدفاع السابق بيني غانتس، ولكن كان من الواضح أن الأمور وصلت إلى طريق مسدود.
وصوت غالانت لصالح القانون رغم أنه قال لمقربين منه إن القرار بالتصويت كان خطأ.
وسعى قادة أجهزة الأمن الإسرائيلي لمحاولة التأثير على نتنياهو بتأجيل التصويت، ولكنه أرجأ الاجتماع معهم إلى ما بعد التصويت.
وبعد أن أيقنت المعارضة أن نتنياهو مصر على التصويت، غادروا جميعا قاعة الكنيست ليقتصر الحضور على النواب من الأحزاب الشريكة في الحكومة وعددهم 64.
وبعد انتهاء التصويت كانت النتيجة 64 من أعضاء الكنيست الـ120 مع القانون، فيما تغيب باقي النواب وهو ما يعني أن مشروع القانون قد تحول إلى قانون بالفعل.
ولم يخف نواب المعارضة احتجاجهم خلال الجلسات وقاطعوا التصويت أكثر من مرة ولكن دون جدوى.
وقال الكنيست في بيان: "صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة الثالثة على اقتراح قانون القضاء (تقليص حجة المعقولية) بتأييد 64 عضو كنيست دون معارضة أي من أعضاء الكنيست بعد أن قاطعت المعارضة التصويت وغادر جميع أعضائها قاعة الهيئة العامة".
وأضاف: "بموجب التعديل في حجة المعقولية، فإن تقليصها يعني عدم سريان الحجة على قرارات الحكومة، رئيس الحكومة والوزراء".
تفسير القانون
وفسر وزير العدل ياريف ليفين في الهيئة العامة للكنيست أسباب القانون بالقول، "إن استعمال حجة المعقولية هو ليس فقط أمر يخص وجهة نظر شخصية أو مسألة قضائية، وإنما تتيح هذه الحجة للقاضي أن يقوم بأمر إضافي آخر لا يوجد أي مكان له في المحكمة، وبدون معايير".
وأضاف "هل هذا معقول، أم غير معقول. وحسب ماذا بالضبط؟ وحسب أي مؤشر؟ أين هي مدرسة تعليم المعقولية التي يمكن تعلم ما هو معقول فيها؟ هل يوجد مكان كهذا؟ من الواضح أنه لا يوجد. لو كان هناك مدرسة كهذه كنت سأركض لأدرس فيها. كنت أول من سيسجل للتعلم فيها".
وتابع: "لكن لم يكن هناك شيء كهذا ولا يمكن أن يكون، لأن المعقولية هي وجهة نظر شخصية.. المعقولية ليست ضمن قوانين العقود ولا الأدلة، هي ليست قضائية. من قال إن ما ينظر إليه القاضي بشكل معقول هو أكثر أمر معقول؟ من أقر أن المواقف الشخصية الخاصة بهم هي أفضل من تلك التي يتمتع بها الوزراء؟".
ولكن زعيم المعارضة يائير لابيد قال "لم تكن الدولة أبدا منذ تأسيسها أمام عرض كهذا من الفوضى الشاملة.. الواقع يشير إلى أنكم تقومون بتفكيك الدولة".
نص القانون
وجاء في نص القانون "على الرغم مما ورد في هذا القانون الأساسي، فإن أولئك الذين يتمتعون بالسلطة القضائية بموجب القانون، بما في ذلك المحكمة العليا، لن ينظروا في [قضية] ولا يصدروا أمرًا ضد الحكومة أو رئيس الوزراء أو وزير الحكومة، استنادا لقاعدة المعقولية".
وحتى ما قبل صدور القانون، كان بإمكان المحكمة العليا، أعلى هيئة قضائية في البلاد، أن تنظر في التماسات ضد قرارات صادرة عن الحكومة او رئيسها أو الوزراء فيها.
ويحد القانون من صلاحيات المحكمة بهذا الشأن.
وهذا القانون ليس نهاية المطاف وإنما هناك 5 مشاريع قوانين أخرى سيبحثها الكنيست في الأشهر القادمة تحد بشكل أكبر من صلاحيات المحكمة العليا.
aXA6IDMuMTcuMTgxLjEyMiA= جزيرة ام اند امز