هجوم تل أبيب.. «ثغرة» في قلب إسرائيل
كيف يمكن لمسيّرة أن تخترق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي وتصل إلى قلب العاصمة في وقت يفترض أن يكون فيه الجيش في حالة تأهب قصوى؟
هذا هو السؤال المتفجر في إسرائيل منذ الإعلان عن التفجير الذي استخدمت فيه مسيّرة «كبيرة جدا»، وفق مسؤول إسرائيلي، وأسفر عن مقتل شخص.
وبحسب المسؤول العسكري، فإن "خطأ بشريًا" وراء عدم اعتراض المسيرة، وهو السبب نفسه الذي يفجر الاستفهام ذاته حول حادثة يطوقها الغموض رغم إعلان الحوثي مسؤوليته عنها.
ما مصدرها؟
حتى بعد مرور ساعات على سقوط مسيرة في وسط تل أبيب، ما أدى إلى مقتل إسرائيلي وإصابة 10، ظل مصدر المسيرة غير واضح بالنسبة لإسرائيل، قبل أن يعلن الجيش أنها "سلاح إيراني تم تطويره" وأُطلق من اليمن.
واتهم الجيش إيران بـ"دعم وتمويل وكلائها في المنطقة من غزة مرورًا بالضفة الغربية وصولًا إلى لبنان واليمن".
وأضاف أن المسيرة المستخدمة في هجوم تل أبيب من نوع "صماد 3"، مشيرا إلى "اعتراض أخرى خارج حدودنا".
ومن جهة ثانية، فإن وصول المسيرة الى تل أبيب وبالتحديد إلى موقع قريب جدا من مقر السفارة الأمريكية، يمثل إخفاقا كبيرا للجيش الذي سارع لاعتبار ما جرى "خطأ بشريا".
وقال المحلل المختص بالشؤون العسكرية نير دفوري بالقناة الإخبارية 12 الإسرائيلية: "لا يزال أصل إطلاق المسيرة غير واضح. وبينما أعلن الحوثيون في اليمن مسؤوليتهم عن الهجوم، فإن هناك احتمالا بأن تكون الطائرة قد أطلقت من الشرق وليس من الجنوب".
وأضاف: "في الماضي كانت هناك محاولات من قبل الحوثيين، وكذلك من قبل الميليشيات في العراق لضرب منشآت استراتيجية في وسط البلاد، لكن حتى الآن، لم تنجح هذه المحاولات".
واعتبر أن "الحادث الحالي تغيير في هذا الاتجاه، إذ تمكنت طائرة دون طيار لأول مرة من الوصول إلى وسط البلاد".
وبحسب دفوري، فإنه "وفقا لتحقيق أولي، تم اكتشاف الطائرة دون طيار في أنظمة سلاح الجو الإسرائيلي؛ ولكن لم يتم اعتراضها بسبب خطأ بشري".
وقال: "يدرك الجيش الإسرائيلي أنه كان هناك خطأ في التقدير، فإنه يتحمل المسؤولية عنه، وبالإضافة إلى ذلك، يشير التحقيق إلى أن المسيرة بعيدة المدى التي حلقت لعدة ساعات باتجاه إسرائيل، أصابت الشقة مباشرة على ما يبدو ولم تنفجر في الهواء".
وأضاف: "قام رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي بتقييم الوضع، وأصدر تعليماته بإجراء تحقيق استخباراتي وتكنولوجي من أجل فهم المسيرة والساحة التي انطلقت منها".
وفي الوقت نفسه، عزز سلاح الجو الإسرائيلي الآن نظام دفاعه الجوي من خلال دوريات الطائرات المقاتلة ذات قدرات الكشف والاعتراض، وفق المصدر نفسه.
وتابع دفوري: "يشغل سلاح الجو الإسرائيلي باستمرار طائرات مقاتلة فوق منطقة البحر الأحمر وفي شرق البلاد للمساعدة في اكتشاف واعتراض التهديدات المحتملة، ورغم هذه الجهود، لم يتمكن نظام الدفاع الجوي من اعتراض المسيرة".
«قصور أمني»
بالنسبة لـ"دفوري، فإن "التحدي الرئيسي يكمن في اكتشاف واعتراض هذه المسيرات في خصائص طيرانها، فهي تطير على ارتفاعات منخفضة ولها توقيع رادار صغير، مما يجعل من الصعب جدا اكتشافها".
وقال: "تؤكد مصادر أمنية أن إسرائيل تخوض الآن حملة جديدة وصعبة. البلد يتعرض للهجوم من 360 درجة، من كل اتجاه ممكن، وليس هناك قدرة في العالم، بما في ذلك إسرائيل، على اكتشاف واعتراض 100% من كل ما يطلق عليها، سواء كانت صواريخ أو قذائف أو طائرات دون طيار".
ومن جهته، قال المحلل العسكري في موقع "واينت"، يوآف زيتون: "في كشف صارخ عن أوجه القصور الأمنية، فشلت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية -بما في ذلك الرادارات المتمركزة في الجو والبر والبحر- في اكتشاف طائرة دون طيار معادية تقترب من تل أبيب، أحد أكثر الأهداف الاستراتيجية في البلاد".
وأشار إلى أنه "لم يتم إطلاق أي صفارات إنذار أو تنبيهات قبل انفجار طائرة دون طيار فوق تل أبيب في وقت مبكر من صباح الجمعة، ما أدى إلى مقتل رجل متأثرا بشظايا وإصابة 10 آخرين على الأقل، وأفاد شهود عيان بوجود أصوات طنين عالية قبل الانفجار".
وقال زيتون: "يسلط هذا الحادث الضوء على فشل كبير في أنظمة الدفاع الجوي التابعة للجيش الإسرائيلي، ففي رده الرسمي، اعترف الجيش بالخلل".
وأوضح أن التحقيق الأولي يشير إلى أن الانفجار في تل أبيب نتج عن سقوط هدف جوي، ولم يتم إطلاق أي صفارات الإنذار، فيما يخضع الحادث لمراجعة شاملة. وتقوم قوات الأمن الإسرائيلية حاليًا العاملة في مكان الحادث.
إلا أن زيتون أضاف: "يبدو أنه لم يرصد أي رادار للجيش الإسرائيلي -سواء على الأرض أو في الجو أو في البحر- الطائرة دون طيار المعادية في أثناء اقترابها، ما ترك السكان غير منتبهين للخطر الوشيك قرب أحد المواقع الاستراتيجية الإسرائيلية، على بعد أمتار قليلة من السفارة الأمريكية في تل أبيب".
واعتبر أن "هذا الإغفال يمثل هفوة أمنية خطيرة في وقت كان ينبغي أن تكون فيه جميع أنظمة الدفاع الجوي في حالة تأهب قصوى".
ويرى زيتون أن "هذا الحادث يثير تساؤلات جدية حول مدى استعداد إسرائيل لمواجهة مثل هذه التهديدات في حالة نشوب حرب شاملة، بما في ذلك المواجهات المحتملة مع حزب الله في لبنان".
وقال: "أحد التحديات في الكشف عن الطائرات دون طيار هو ارتفاع طيرانها المنخفض"، مستدركا: "رغم ذلك، فإن الطائرات دون طيار التي يتم إطلاقها من مسافات كبيرة يجب أن تظل قابلة للاكتشاف، ما يؤكد الحاجة إلى تحسين قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلية".
دلالات وسياق
بدوره، رصد مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات دلالات الهجوم، معتبرا أن «عدم معرفة كيف نجح الهجوم بطائرة دون طيار في الإفلات من أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلي متعدّدة الطبقات، يشير إلى الصعوبات التي تواجهها تلك الدفاعات في مواجهة واكتشاف تلـك الطائرات الهجومية صغيرة الحجم".
كما تطرق إلى توقيت الهجوم، معتبرا أن "توقيت الهجوم يعكس أجواء التصعيد في المنطقة".
وأوضح أن الهجوم سبقه بساعات إعلان الجيش الإسرائيلي استهداف أحد قادة حزب الله، وقبل ذلك تهديدات لحسن نصر الله أمين عام الحزب باستهداف مناطق جديدة في إسرائيل حال مواصلتها لتلك الهجمات.
كذلك تصويت الكنيست الإسرائيلي ضد إنشاء دولة فلسطينية، الذي يشير إلى معارضة حازمة لخطط السلام، قبل أيام قليلة من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى واشنطن.