يولي الجانبان التركي والإسرائيلي اهتماما متزايدا لاستعادة الدفء إلى علاقاتهما التي توترت عقب حادثة الاعتداء الإسرائيلي على السفينة التركية مرمرة التي كانت في طريقها إلى غزة عام 2010.
وعلى هذا الأساس، اتخذ البلدان خلال السنوات الماضية سلسلة خطوات توجت باستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بينهما العام الماضي، وتأتي زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى تركيا تعبيراً عن استعادة هذا الدفء.
في التوقيت، تحمل الزيارة دلالات عدة للجانبين، فالزعيمان نتنياهو ورجب طيب أردوغان يعانيان من ظروف داخلية ضاغطة، حيث تشهد إسرائيل احتجاجات كبيرة رفضاً لمشروع التعديلات القضائية التي يصر نتنياهو عليها، بينما الرئيس أردوغان بعد فوزه بولاية ثالثة، دخل في امتحان تحقيق وعده بتجاوز الأزمة المالية جراء تراجع قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وعليه يتطلع كل منهما إلى تحقيق فوائد سياسية واقتصادية متبادلة من هذه الزيارة، لا سيما مع بروز أهمية الطاقة في العلاقات بين الدول، حيث تطرح تركيا مشروع مد أنبوب لنقل الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر تركيا، وسيكون لهذا المشروع أهمية كبيرة إذا تحقق، بسبب اشتداد التنافس الإقليمي على الطاقة في شرقي المتوسط.
الأمر الثاني، أن التحسن الجاري في العلاقات التركية - الإسرائيلية، يأتي في ظل سياق إقليمي، وانعطافة في السياسة الخارجية التركية نحو العالم العربي، وفي ظل اتفاقات السلام التي وقعتها إسرائيل مع كل من الإمارات والبحرين والسودان، وكذلك الاتفاق السعودي - الإيراني، وهو ما يؤكد أهمية الدبلوماسية في تحسين الاستقرار والسلام في المنطقة، ومواجهة التحديات على المستوى الإقليمي في ظل نزاعات كبرى يشهدها العالم، لا سيما النزاع الأوكراني الذي تحول إلى صراع بنيوي بين الأطلسي وروسيا، وهو صراع ترك تداعيات عالمية على مستوى الطاقة والغذاء والدواء، وعليه فإن الجهد الإقليمي الجاري على مستوى المنطقة يكتسب أهمية بالغة في هذه المرحلة.
في الحديث عن التحسن الجاري في العلاقات التركية - الإسرائيلية، لا بد من التوقف عند أمرين أساسيين؛ الأول: السعي الأمريكي الدائم إلى تحقيق هذا التحسن في العلاقات بين الحليفين المهمين للإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، من أجل الاستفادة من التعاون بينهما في كيفية التعامل مع التطورات الجارية في المنطقة والعالم.
والثاني: الرغبة التركية - الإسرائيلية المتبادلة في استعادة الدفء إلى هذه العلاقات انطلاقاً من أهمية كل طرف للآخر في منظومة العلاقات الإقليمية في المنطقة، ولعل اللافت في سير هذا التحسن، هو الخطاب التركي الذي يتخلى تدريجياً عن النبرة العالية لصالح خطاب تصالحي، خاصة بعد فشل رهانها السابق على جماعات الإسلام السياسي، تحديداً الإخوان.
ولعل ما يحرك هذا المسعى، هو الاعتقاد التركي بأن إسرائيل ما زالت تشكل عاملاً أساسياً لتحسين العلاقة مع واشنطن، لا سيما بعد قمة الأطلسي في ليتوانيا التي شكلت خطوة مهمة على طريق استعادة تركيا بعدها الأطلسي في سياستها الخارجية من جهة، وإمكانية تدوير الخلافات مع واشنطن مع جهة ثانية، في حين إسرائيل تفكر بأبعد من تحسين العلاقات مع تركيا، إلى الاستفادة من دور الأخيرة في آسيا الوسطى والقوقاز، لا سيما أذربيجان حليفة تركيا، التي تحتل مع تركيا مكانة مهمة في الاشتباك الجيوسياسي الجاري بين إسرائيل وإيران، كذلك تدرك إسرائيل أهمية العلاقات الثنائية مع تركيا، ليس على الصعيد الاقتصادي والتجاري فحسب، بل على صعيد الصفقات العسكرية، فتركيا كانت على الدوام واحدة من أهم مستوردي السلاح الإسرائيلي، فضلاً عن تحديث ترسانتها من الأسلحة لا سيما الدبابات، وعليه يمكن القول إن المؤسسة الإسرائيلية للتصنيع العسكري ستكون أكثر الجهات المستفيدة من عودة هذه العلاقة، وتفعيل الاتفاقيات والصفقات العسكرية التي جُمدت خلال الفترة الماضية.
دون شك، تنظر تركيا وإسرائيل إلى تحقيق جملة من المكاسب السياسية والاقتصادية والإقليمية والمحلية من تحسن العلاقات بينهما، وفي المحصلة تظهر اللحظة السياسية الراهنة وكأن هناك تقاطعاً تركياً - إسرائيلياً يمكن أن ينتج تفاهماً أو اتفاقاً على استعادة العلاقات إلى سابق عهدها الدافئ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة