العلاقات القطرية مع تل أبيب أخذت منحى خطيراً
لا يغيب عن العقل العربي حتى ولا عن الأنظمة العربية أنه كلما توجهت الأمة العربية إلى فلسطين دعماً، والوقوف إلى جانبها تقوى وتزداد شأناً ورفعة وترتفع نهضوياً، ويحسب لها حساب على أنها ذات قوة وبأسٍ ولا يمكن للسياسات الغربية تجاوز ما تبتغيه تلك الأنظمة العربية، كونها اتخذت قراراً موحداً سواء كان على مستوى الهيئات والمنظمات الدولية أم كان موقفاً عاماً حيال قضايانا القومية.
ازداد حجم التبادل التجاري بين الدوحة وتل أبيب لهذا العام عن السنوات المنصرمة، وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت في تقريرها إن وزارة الدفاع القطرية تستورد قطع غيار عسكرية ومعدات لسلاح المشاة من تل أبيب، ونسبة 75% من تصدير إسرائيل من المعدات تحصل عليه الدوحة.
وحيال ما ينتاب المنطقة العربية من انتكاسات سياسية واختراقات في الجدار العربي، يتحرك الغرب السياسي بكل تصميم على وضع سياسة تروق له، دون الأخذ بأي موقف عربي وطني، ودون إبداء رأيه قبل اتخاذ أي إجراء إزاء سياسته التي يفرضها على العرب بالقوة، متجاوزاً كل المواثيق الدولية والقرارات ذات السيادة الوطنية، ذلك ما يجعل المنطقة أكثر صراعاً وتشابكاً لاسيما وأن الغرب يبدي تنسيقاً واضحاً مع الجماعات الإرهابية المسلحة، وبالتنسيق مع بعض دول منطقة الشرق الأوسط، وهذه دولة قطر التي تعدّ من أبرز الداعمين للإرهاب في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، لاسيما أن علاقاتها تزداد رسوخاً مع صانعي الإرهاب.
واليوم الرهان على تنظيم القاعدة وداعش، وبعض الفصائل التكفيرية في سبيل أخونة المنطقة، ودفع العلاقات القطرية الإسرائيلية قدماً إلى الأمام تقارباً وتخطيطاً، مما يرسّخ سياسة إسرائيل بوضعها الحالي؛ وتبقى مرتاحة ولا منغصات تحيط بها أو تؤثر على حياتها وبقائها على الدوام في أمن وأمان، حتى أن حلفاء إسرائيل في الغرب وصلوا إلى قناعة تامة لا يخالجها الشك أنهم ليس لديهم أية بدائل، إنما هم الذين يدفعون بالإرهابيين نحو تفجير الأوضاع وبعناصر إرهابية ودعم لا محدود من قبل الدول الضالعة في تفجير المنطقة كلما جنحت نحو التهدئة، لكن قتلة العرب هم قنّاصة وقطاع طرق وفصائل داعشية متطرفة.
وهذه المجموعات المتأسلمة ليست بالمعنى الحقيقي إسلامية، أو جوهرها الإسلام بمعانيه النبيلة خلقاً وأسلوباً، لكنها ضد الإسلام قولاً واحداً، فخنجر داعش من صنع كولومبيا الأميركية وهو من أسلحة الجيش الأميركي، والبنتاغون لن يحارب الإرهاب لأن إسرائيل هي دولة إرهابية تقتل وتحتل وتطرد وتقف مع داعش.
ومراراً كانت الطائرات الأميركية تحمل قادة عسكريين ومدنيين من تنظيم الدولة لإنقاذهم أو نقلهم إلى موقع آخر؛ ليتسنى لهؤلاء، الحركة والتفوق في الميدان، وهذه التنظيمات التكفيرية تحثّ على قتل العربي وإبادة المسلم، ولا تحثّ على قتل الإرهابي العنصري الصهيوني الذي احتل الأرض العربية واستباح الآمنين فيها وروّع أبناء ونساء فلسطين.
واللحظة الذهبية اليوم تبدو لإسرائيل فيما يجري في المنطقة، وبخاصة تعاملها اقتصادياً ودبلوماسياً وحتى مالياً مع دولة قطر لدعم المتطرفين، ذلك ما يؤكده الدبلوماسي الإسرائيلي سامي ريفيل في كتابه المُعنوَن "إسرائيل على جبهة الخليج العربي" والصادر عن مؤسسة يديعوت أحرونوت وترجمه محمد البحيري تحت عنوان "قطر وإسرائيل ملف العلاقات السرية".
ويتمحور الكتاب حول مفهوم واحد ألا وهو أن قطر لعبت دوراً واسعاً وهدّاماً مع إسرائيل للدخول إلى العالمين العربي والإسلامي، والدبلوماسي الإسرائيلي ريفيل في كتابه يبين لنا الاختراق الإسرائيلي للعاملين في الديوان الأميري القطري وكبار المسؤولين القطريين منذ أكثر من عقدين من الزمن، ويتحدث عن صعوبة نسج العلاقات القطرية الإسرائيلية التي شارك فيها هو بنفسه، لولا الصحبة والمساعدة التي حظي بها من مسؤولين كبار في قصر الأمير ووزارة الخارجية القطرية، وشركات قطرية وأولئك الذين فتحوا بيوتهم وخيامهم أمام الإسرائيليين على حد تعبيره.
وبالمقابل أوضحت صحيفة يسرائيل هيوم الإسرائيلية في التاسع عشر من أيلول عام 2017م عن اتصالات قطرية إسرائيلية تهدف لإبرام اتفاق يتوسط بموجبه اللوبي الصهيوني لدى الإدارة الأمريكية، لتخفيف الضغط على الدوحة، مقابل استعادة جثث الجنود الإسرائيليين الذين تحتجزهم الفصائل الفلسطينية في غزة، ومهندس الاتفاق السفير الإسرائيلي بالأمم المتحدة داني دانون الذي تواصلت معه الدوحة لربطها باللوبي الصهيوني، وأجرى لقاءات مكثفة مع زعماء المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة، والذي أكد أنه ينبغي على الدوحة إبداء حسن نواياها بالضغط على الفصائل الفلسطينية لإعادة جثث الجنود الإسرائيليين، وفي حال قبول قطر بشروطها فإن اللوبي الصهيوني لن يمانع في القيام بذلك.
والعلاقات القطرية مع تل أبيب أخذت منحى خطيراً، وبخاصة بعد تكليف أحد الأمراء القطريين من أسرة خليفة بن حمد آل ثاني، وذلك في كانون الثاني عام 2017م بزيارة إسرائيل والاجتماع مع أعضاء في حكومة نتنياهو، وكان الهدف من هذه الزيارة التوقيع على عدة اتفاقيات صناعية وتكنولوجية.
وترسخت العلاقة القطرية مع الكيان الصهيوني حتى بدت واضحة لكل المتابعين لدور قطر مع العدو الإسرائيلي، بالرغم من انعدام العلاقات الدبلوماسية ما بين الجانبين، وأوضحت تقارير الصحف الإسرائيلية متانة هذه العلاقات مشيرة إلى تصريحات أمير قطر تميم بن حمد عن طبيعتها، والتي تحمل جوانب متطورة تجمعه بالمسؤولين الإسرائيليين والتي تتعلق بشؤون المنطقة وملفاتها الساخنة.
والتنسيق يجري مع السلطات الإسرائيلية في كل المجالات، ففي الجانب السياحي تعد قطر الدولة الوحيدة من بين الدول الخليجية التي تستقبل السياح الإسرائيليين على أراضيها بكل حفاوة بالغة، وضمن الاتفاقيات المعهودة.
وقد وافق وزير السياحة الإسرائيلي باريف ليفين على إحضار مرضى من قطر للعلاج في إسرائيل في تموز 2017م، بالإضافة إلى نقل ستين يهودياً عبر الخطوط الجوية القطرية من اليمن إلى إسرائيل عبر الدوحة في عملية أشرفت عليها تل أبيب.
وكذلك إعلان شركة أركيع عن استمرار رحلاتها إلى قطر وتعاقد أمير قطر مع جهاز الموساد وأمان وشاباك لتكليف الشركة الإسرائيلية بروخر كاهايا بحماية كأس العالم عام 2022م، مقابل ملياري دولار وعمولة 5 بالمائة عن كل تذكرة، كما أن الجامعات القطرية استقبلت لهذا العام في شهر آب، 220 طالباً إسرائيلياً للدراسة ومنحت معظمهم الجنسية القطرية .
العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل تتم عبر تركيا، حيث تصدّر تل أبيب لدولة قطر معدات ومحركات، في حين تستورد إسرائيل من قطر المواد الخام المستخرجة من البترول، والتي تستخدمها في تصنيع البلاستيك أكثر المواد المشهورة بها إسرائيل في مجال التصدير، وازداد حجم التبادل التجاري بين الدوحة وتل أبيب لهذا العام عن السنوات المنصرمة، وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت في تقريرها إن وزارة الدفاع القطرية تستورد قطع غيار عسكرية ومعدات لسلاح المشاة من تل أبيب، ونسبة 75بالمائة من تصدير إسرائيل من المعدات تحصل عليه الدوحة.
آلية التواطؤ القطري مع دولة الغدر والعدوان الإسرائيلي معروفة، واتضحت مراميها الهادفة إلى تفكيك الأنظمة العربية واختراق الأمن القومي العربي، وهذا الأسلوب تعتمده إسرائيل وهو من صلب سياستها العنصرية، والذي فتح لها المجال وهيأ لها الأسباب الحكومة القطرية بتعاونها ودعمها للإرهابيين، وما كانت إسرائيل تحلم أبداً بمثل هذا التعاون الواسع الذي تبديه دولة قطر على مختلف الأصعدة، رغم أن سجل إسرائيل الأسود يمتلئ بالأعمال العدوانية، فعندما وضع الكونت برنارد ممثل الأمم المتحدة في عام 1948م تقريره ضد الانتهاكات الصهيونية في الأراضي العربية المحتلة؛ قام متطرف صهيوني باغتياله في مدينة القدس، لكن من يقف ويساند أكبر حركة عنصرية تستهدف المنطقة برمتها لا يفكر إطلاقاً بتبعات ونتائج ما تفضي إليه نتائج تلك الممارسات الجائرة بحق أمن وسلامة المنطقة العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة