تقنيات معقدة واختراق ممنهج.. كيف قتلت إسرائيل نصر الله؟
في حرب 2006 حاولت إسرائيل قتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله 3 مرات دون جدوى، لكنها نجحت بعد 18 عاما، فكيف حدث ذلك؟
يوم الجمعة الماضي تعقب الجيش الإسرائيلي نصر الله إلى مخبأ تحت مجمع سكني في الضاحية الحنوبية في بيروت، وألقى ما يصل إلى 80 قنبلة للتأكد من مقتله، مما أدى إلى تدمير 4 مبان سكنية على الأقل.
ورغم تفاخر الجيش الإسرائيلي بالعملية فإنها تظهر ثغرة أيضا، إذ لم تتمكن تل أبيب من تنفيذها إلا بعد 4 عقود من القتال ضد حزب الله، وفقا لما ذكرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين حاليين وسابقين قولهم إن ما تغير هو عمق وجودة المعلومات الاستخباراتية التي تمكنت إسرائيل من الاعتماد عليها في الشهرين الماضيين، بداية من مقتل القائد البارز في الحزب فؤاد شكر.
وتحدث المسؤولون عن إعادة توجيه واسعة النطاق لجهود إسرائيل في جمع المعلومات الاستخباراتية حول حزب الله بعد الفشل في القضاء على الجماعة اللبنانية أو حتى قياداتها العليا في 2006.
وحدة "8200"
وعلى مدار عقدين قامت وحدة الاستخبارات المتطورة "8200" في إسرائيل، ومديرية الاستخبارات العسكرية التابعة لها، التي تسمى أمان، باستخراج كميات هائلة من البيانات لرسم خريطة للمليشيات سريعة النمو في الجبهة الشمالية، وفق الصحيفة.
وقالت ميري إيسين، ضابطة الاستخبارات السابقة، إن هذا تطلب تحولاً جذرياً في نظرة إسرائيل إلى حزب الله، موضحة أن الاستخبارات الإسرائيلية وسعت نطاق رؤيتها للحزب فنظرت إلى ما هو أبعد من جناحه العسكري، وبالتحديد إلى طموحاته السياسية وارتباطاته المتنامية بالحرس الثوري الإيراني وعلاقة حسن نصر الله بسوريا.
وتابعت: "عليك أن تحدد، بهذا المعنى، ما الذي تبحث عنه بالضبط.. هذا هو التحدي الأكبر، وإذا تم ذلك بشكل جيد، فإنه يسمح لك بالنظر إلى المشهد بكل تعقيداته، والنظر إلى الصورة الكاملة".
وأضافت أن المخابرات الإسرائيلية باتت تشير منذ ما يقرب من عقد من الزمان إلى حزب الله على أنه "جيش إرهابي"، وليس "جماعة إرهابية"، مشيرة إلى أن التحول المفاهيمي هو الذي أجبر إسرائيل على دراسة الحزب عن كثب وعلى نطاق واسع.
وأعطى نمو حزب الله فرصة لإسرائيل لدراسته خاصة مع انتشار قواتها في سوريا، وما ظهر كان "صورة استخباراتية" كثيفة كشفت عمن كان مسؤولاً عن عمليات الحزب، ومن كان يحصل على ترقية، ومن كان فاسداً.
"الانتشار في سوريا"
ووفقا لـ"فاينانشال تايمز"، فإن التوسع في سوريا ترك الحزب عرضة للجواسيس الإسرائيليين الذين يبحثون عن منشقين محتملين.
هنا، قالت رندا سليم من معهد الشرق الأوسط في واشنطن "لقد أضعف ذلك (الانتشار في سوريا) آليات الرقابة الداخلية لدى حزب الله وفتح الباب للتسلل على مستوى كبير".
كما خلقت الحرب في سوريا تدفقا في البيانات التي أصبح معظمها متاحا لجواسيس إسرائيل وخوارزمياتهم، مثل "ملصقات نعي الشهداء" التي كان يستخدمها الحزب بانتظام، لكنها كانت تعج بالمعلومات بما في ذلك البلدة التي كان العنصر يعمل فيها وأين قُتل، ودائرة أصدقائه الذين نشروا الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي.
كما كانت جنازات قتلى حزب الله في سوريا كاشفة، حيث أخرجت أحيانًا كبار القادة من الظل.
وقال يزيد صايغ، زميل بارز في مركز كارنيغي للشرق الأوسط "لقد تحولوا من كونهم منضبطين للغاية ومتشددين إلى السماح بدخول عدد أكبر مما ينبغي من الناس" إلى الحزب.
وكان التركيز الموسع لإسرائيل على حزب الله في المنطقة مصحوبا بميزة تقنية متنامية لا يمكن التغلب عليها، هي أقمار التجسس والطائرات المسيرة المتطورة وقدرات القرصنة الإلكترونية التي تحول الهواتف المحمولة إلى أجهزة تنصت.
البحث عن التفاصيل
وتجمع إسرائيل الكثير من البيانات لدرجة أنها لديها مجموعة مخصصة، هي الوحدة 9900، التي تكتب خوارزميات تقوم بغربلة كميات مهولة من الصور المرئية للعثور على أصغر التغييرات، على أمل تحديد جهاز متفجر على جانب الطريق، أو فتحة تهوية فوق نفق أو الإضافة المفاجئة لتعزيزات خرسانية، مما يشير إلى وجود مخبأ.
وبمجرد تحديد هوية أحد عناصر حزب الله يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات، التي يتم سحبها من أجهزة يمكن أن تشمل الهاتف المحمول لزوجته، أو عداد المسافات في سيارته الذكية أو موقعه.
ويمكن تحديد هذه المعلومات من مصادر متباينة مثل طائرة مسيرة أو من كاميرا مراقبة وحتى من صوته الملتقط على ميكروفون جهاز التحكم عن بعد في التلفزيون الحديث.
وسمحت هذه التقنية لإسرائيل بتحديد القادة من المستوى المتوسط لفرق مكافحة الدبابات التي أزعجت الجيش الإسرائيلي عبر الحدود، وفق الصحيفة.
وقال أحد المسؤولين إنه في مرحلة ما راقبت إسرائيل جداول القادة لمعرفة إذا كان قد تم استدعاؤهم فجأة، وهنا تتحسب لهجوم.
لكن كل عملية من هذه العمليات تتطلب الوقت والصبر لتطويرها، وعلى مدى سنوات تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من ملء بنك أهداف ضخم.
وقال مسؤول إسرائيلي سابق "كانت لدى إسرائيل الكثير من القدرات، والكثير من المعلومات الاستخباراتية المخزنة في انتظار استخدامها، وكان بوسعنا أن نستخدم هذه القدرات منذ فترة أطول كثيراً أثناء هذه الحرب، لكننا لم نفعل".
موقع نصر الله
وفي الأشهر الأخيرة إن لم يكن السنوات الأخيرة نجحت الاستخبارات الإسرائيلية تقريباً في إتقان تقنية سمحت لها، على الأقل بشكل متقطع بتحديد مكان نصر الله، الذي كان يشتبه في أنه كان يعيش في الغالب تحت الأرض في شبكة من الأنفاق والمخابئ.
وفي الأيام التي أعقبت 7 أكتوبر/تشرين الأول، انطلقت طائرات حربية إسرائيلية بتعليمات بقصف موقع كان نصر الله موجود فيه، لكن الغارة أُلغيت بطلب من واشنطن، حسب ما ذكر أحد المسؤولين الإسرائيليين.
ويوم الجمعة الماضي، حددت الاستخبارات الإسرائيلية موقعه مرة أخرى متوجهاً إلى ما أسماه الجيش الإسرائيلي "مخبأ القيادة والسيطرة"، لحضور اجتماع ضم العديد من كبار قادة حزب الله وقائد إيراني كبير لعمليات الحرس الثوري حيث جرى قتله.