اتفاق إسطنبول.. غذاء العالم يشق "طريقا وعرا" بين ألغام الحرب
تستعد الحبوب الأوكرانية لاسترداد طريقها المعتاد عبر البحر الأسود إلى أفواه الجوعى حول العالم، بينما يخشى مراقبون من ردة الحرب الملتهبة.
وبالأمس، وقعت روسيا وأوكرانيا اتفاقيات مع تركيا والأمم المتحدة، ما يمهد طريق تصدير ملايين أطنان حبوب أوكرانيا، إذ تشتد الحاجة لها عالميا.
- اتفاق الحبوب.. تركيا تكشف عن "دور هام" لتأمين حركة السفن بموانئ أوكرانيا
- غذاء العالم والانفصام السياسي.. هل يتبدد ممر الأمل في البحر الأسود؟
ويأتي الاتفاق ليشكل بارقة أمل لاقتصادات سجلت أزمات غذاء حادة، بينما أوجدت تذبذبا في وفرتها لدى أسواق أخرى، فيما أسواق ثالثة نفذت حمائية تجارية عبر منع صادرات الغذاء، لتعزيز الاكتفاء الذاتي.
ماذا يتضمن الاتفاق؟
ينص الاتفاق على أحكام تتعلق بالمرور الآمن للسفن؛ إذ سيتم إنشاء مركز تحكم في إسطنبول، يعمل به مسؤولون من الأمم المتحدة وأتراك وروس وأوكرانيون لإدارة وتنسيق العملية.
وسيتم إخضاع السفن لعمليات تفتيش للتأكد من أنها لا تحمل أسلحة، قبيل الإفراج عنها والانتقال إلى الأسواق النهائية لها، بعد موافقة اللجنة الواقعة في إسطنبول.
بعبارة أخرى، ستتوجه السفن إلى المياه التركية ليتم تفتيشها من قبل المسؤولين، ثم تنقل حمولتها حول العالم، وتعود لتفتيش آخر قبل العودة إلى أوكرانيا، حيث كان أحد المطالب الروسية الرئيسية هو ألا تحمل السفن العائدة أسلحة إلى أوكرانيا.
وأصر مستشار الرئاسة الأوكرانية ميخائيلو بودولياك على أنه لن تكون هناك سفينة روسية مرافقة للسفن، وأنه لن يكون هناك ممثل روسي موجود في الموانئ الأوكرانية، وقال إن "أوكرانيا تعتزم أيضا ردا عسكريا فوريا في حال حدوث استفزازات".
وبحسب الاتفاق، حصلت أوكرانيا على ضمانات دولية بأن الكرملين لن يستخدم الممرات الآمنة لمهاجمة ميناء أوديسا الرئيسي على البحر الأسود.
وتشمل الاتفاقية بالإضافة إلى الحبوب الأسمدة الروسية والأوكرانية، والتي يرتقب أن تتجه تدريجيا لمختلف أسواق العالم، في مؤشر على حل إحدى العُقد الناجمة عن الحرب المستعرة بين موسكو وكييف.
وستمكن الصفقة أوكرانيا من تصدير 22 مليون طن من الحبوب، ومنتجات زراعية أخرى عالقة في موانئ البحر الأسود بسبب الحرب.
طريق الأمل
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الخطة، المعروفة باسم "مبادرة البحر الأسود"، ستفتح الطريق أمام كميات كبيرة من الصادرات الغذائية التجارية من ثلاثة موانئ أوكرانية رئيسية في البحر الأسود.
والموانئ الثلاثة بحسب غوتيريش هي أوديسا، وتشيرنومورسك، ويوجني.
وقال غوتيريش: "سوف يجلب هذا الاتفاق الإغاثة للبلدان النامية والواقعة على حافة الإفلاس والأكثر ضعفا والواقعة على حافة المجاعة".
وأضاف: "سيساعد ذلك على استقرار أسعار الغذاء العالمية التي كانت بالفعل عند مستويات قياسية حتى قبل الحرب وشكلت كابوسا حقيقيا للبلدان النامية".
وأوكرانيا هي واحدة من أكبر مصدري القمح والذرة وزيت عباد الشمس في العالم، لكن الغزو الروسي للبلاد والحصار البحري لموانئها أوقف الشحنات.
قبل الاتفاق، كان يتم نقل بعض الحبوب عبر أوروبا عن طريق السكك الحديدية والطرق والأنهار، لكن أسعار السلع الأساسية مثل القمح والشعير ارتفعت خلال الحرب التي استمرت قرابة خمسة أشهر.
هل يحل الاتفاق أزمة الغذاء؟
يرتقب أن يهدئ الاتفاق من أسعار الحبوب المرتفعة، وهو ما حصل فعلا مساء الجمعة، بتراجع أسعار القمح عالميا من قمته البالغة 550 دولارا في مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين، إلى قرابة 310 دولارات للطن مساء الجمعة.
لكن الأسعار ما تزال أعلى بمقدار 20 دولارا للطن مقارنة مع فترة ما قبل الحرب الروسية الأوكرانية، لكن تشير تقديرات محللي أسواق السلع إلى هبوط الأسعار لمتوسط 270 دولارا لطن القمح بحلول نهاية الأسبوع المقبل، إن لم تطرأ مفاجآت.
ويعود الهبوط الكبير في الأسعار المتوقعة نهاية الأسبوع المقبل إلى أن السوق ستشهد ضخا على دفعة واحدة للحبوب والأسمدة، ما سيخلق حالة انتقال من تذبذب المعروض إلى تخمة المعروض.
إلا أن بعض الأسعار قد تحتاج إلى وقت حتى تستقر، خاصة تلك المرتبط نموها بالحاجة إلى الأسمدة الزراعية، للعودة بمستويات الإنتاج كما كانت عليه سابقا.
تحديات الاتفاق
على الرغم من التفاؤل الذي أبداه الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة وأوكرانيا، إلا أن المخاوف من تجاوز بنود الاتفاق قد تعيد الأزمة إلى المربع الأول.
التحدي الأول المرتبط بالاتفاق هو اكتشاف أسلحة داخل السفن العائدة إلى أوكرانيا بعد تفريغها من الحبوب، ما يعني خرقا محرجا للمشاركين في توقيعه.
بينما التحدي الثاني هو أن تستغل روسيا الاتفاق والممرات الآمنة لتنفيذ هجمات بحرية وبرية على ميناء أوديسا على البحر الأسود، وبالتالي خسارة أوكرانيا لأهم النقاط الاستراتيجية.
كانت روسيا تطمع في السيطرة على أوديسا في عام 2014 عندما تم ضم جزيرة القرم، إلا أن المنطقة والميناء دافعتا بقوة أمام الهجوم الروسي في ذلك الوقت.
وفي وقت سابق السبت، ضربت الصواريخ ميناء أوديسا بالغ الأهمية لإمدادات الحبوب العالمية، وسط تصاعد الإدانات العالمية.
وارتفعت حدة المخاطر من تعريض صفقة الحبوب للخطر.
وقال أوكرانيا اليوم: "هزت سلسلة من الانفجارات مدينة أوديسا بجنوب البلاد، حيث أصابت أحد أهم الموانئ في البلاد بعد أقل من 24 ساعة من توقيع اتفاق لتأمين عبور ملايين الأطنان من الحبوب عبر طرق البحر الأسود".
ولم يصدر تعليق فوري من الكرملين، بينما جاء الهجوم قبل يوم من الموعد المقرر لوزير الخارجية الروسي لبدء جولة في أفريقيا، حيث من المتوقع أن يحاول تحميل الغرب مسؤولية نقص الغذاء.
ماذا لو فشل الاتفاق؟
ستقود فرضية فشل الاتفاق إلى تعميق أزمة الحبوب، إذ ستدفع عديد الاقتصادات حول العالم للبحث عن الحبوب ولو بأسعار مرتفعة لتأمين الغذاء، بينما ستكثف دول أخرى من حمايتها التجارية.
الأهم، أن الحبوب ستكون في حالة غير صالحة للاستهلاك الآدمي بعد فترة من بقائها في الموانئ، وسط مخاوف من تعرضها بالكامل للتلف، ما سيفقد أوكرانيا عائدات صادرات بالمليارات.
وتعتبر روسيا أيضا مُصدرا رئيسيا للحبوب والأسمدة، ومن المفترض أن تسهل الاتفاقية بيع هذه السلع في السوق العالمية.
aXA6IDE4LjExOC4xOTMuMjIzIA== جزيرة ام اند امز