زلزال الهزيمة، وفوز مرشح حزب الشعب الجمهوري، ينهيان ربع قرن من هيمنة «العدالة والتنمية» على إسطنبول.
إسطنبول تهزم أردوغان، وهي التي في الماضي أوصلته إلى كرسي رئاسة الدولة، فهزيمة مرشح أردوغان رغم منحه فرصة ثانية، لاقت معارضة محلية ودولية باعتبارها انتكاسة للديمقراطية، وهيمنة الحزب الحاكم على السلطة.
خسارة بيزنطة أو القُسْطَنْطِيْنِيَة أو الأسِتانة أو إسطنبول، تعد هزيمة معنوية للحزب الحاكم، خصوصاً في أحياء كانت معقلاً لتيار «الإخوان»، مثل حي السلطان أيوب وحي الفاتح، وبالتالي لا يمكن النظر إلى الهزيمة الانتخابية على أنها مجرد خسارة بلدية وحكم محلي لا يتجاوز خدمات البنية التحتية والصرف الصحي والخدمات المحلية الأخرى، فالواقع التركي أن إسطنبول هي بوصلة اتجاه تحدد مَن سيحكم تركيا، وليس فقط بلديتها، وهذا بشهادة أردوغان نفسه، الذي وصفها بالقول: «مَن يَفُز في إسطنبول، يَفُز في تركيا»... وهو الطامع في عودة العثمانية الثانية، ليكون هو سلطانها.
في اعتقادي أن إسطنبول، بمكوناتها المختلفة، هي مَن هزمت أردوغان ومرشحه وحزبه، أصحاب السلطة الأحادية الإقصائية التي يمارسها حزب «الإخوان»، فالتجربة كانت مكررة في مصر باسم «الحرية والعدالة»، وفي ليبيا باسم «العدالة والبناء»، وفي تركيا «العدالة والتنمية»، وجميعها أحزاب تنهل من نبع واحد هو المرشد.
هزيمة جديدة بعد الانشقاقات في حزب أردوغان، وظهور أحمد داود أوغلو معارضاً لسياسات أردوغان، بعد أن كان ذراع أردوغان وحليفه، والذي أقر بأخطاء حزبه بالقول: «تُظهر نتائج الانتخابات أن سياسات التحالف أضرّت بحزبنا سواء على مستوى الأصوات أو كيان الحزب»، وسيكون لها انعكاس كبير وخطير، على مستقبله السياسي، خصوصاً أنها تُترجَم على أنها بداية الانهيار.
قال الفائز إمام أوغلو إن «16 مليوناً من سكان إسطنبول جددوا إيماننا بالديمقراطية والثقة في العدالة». ففوز إمام أوغلو، أمام هزيمة مرشح أردوغان بن علي يلدريم، ضربة قاسية للرئيس أردوغان. فخسارة مرشح حزب العدالة والتنمية تعد مؤشراً خطيراً جداً على تهاوي شعبية الحزب الممثل الرسمي لجماعة «الإخوان».
انتخابات إسطنبول وصفتها «نيويورك تايمز» بأنها أكبر هزيمة لأردوغان في حياته، خصوصاً أنها خسارة بعد ربع قرن من سيطرتهم على منصب بلدية إسطنبول، فمرشح أردوغان كانت خسارته بفارق أكثر من 800 ألف صوت في الانتخابات المعادة، رغم الحشد الذي قام به حزب العدالة والتنمية وأن خسارته السابقة في الانتخابات الماضية كانت بفارق 13 ألف صوت، مما يؤكد الرفض الشعبي لسياسات حزب العدالة والتنمية، خصوصاً المرتبطة بتنظيم جماعة «الإخوان»، حيث فشل الحزب في إقناع الشارع والقوى الوطنية بأنه المرشح الأفضل.
رغم إقرار أردوغان بهزيمته، التي لم يكن أمامه سواها، فإن زلزال الهزيمة، وفوز مرشح حزب الشعب الجمهوري، ينهيان ربع قرن من هيمنة «العدالة والتنمية» على إسطنبول، ويفتحان الباب أمام اعتدال اتجاه البوصلة الانتخابية في تركيا.
خسر مرشح أردوغان، وفاز إمام أوغلو الذي خاطب سكان إسطنبول دون استثناء أو إقصاء قائلاً: «سنحقق العدالة في هذه المدينة، وسوف نحقق أشياء عظيمة معاً»، وتنتظره ملفات ثقيلة، بدءاً من فتح ملفات الفساد في ظل ظروف صعبة من نسبة تضخم بلغت 20% وانهيار الليرة التركية ونسبة بطالة مرتفعة، وعندما نعرف أن البصل مثلاً تسبب بأزمة ومشكلة لحكومة أردوغان، حينها تصبح خسارة مدينة بحجم إسطنبول وثقلها الاقتصادي والسياحي، لها أهمية كبيرة.
الهزيمة سببها الرئيسي هو الغرق في طموحات ومطامع أردوغان الشخصية في الزعامة العثمانية الثانية، وهو ما جعله يتورط في دعم جماعات في دول إقليمية يظن أنها ستدور في فلك سلطانه ومنها ليبيا، التي حاولت جماعة «الإخوان» الليبية ربط ليبيا بخلافة أردوغان العثمانية، مما تسبب بخسارة سياسية لأردوغان، كان من الممكن استثمارها بشكل أفضل في إطار احترام سيادة الدول، بدلاً من إرسال شحنات أسلحة للمقاتلين في طرابلس، في مخالفة صريحة لقرارات مجلس الأمن بحظر السلاح.
في اعتقادي أن إسطنبول، بمكوناتها المختلفة، هي مَن هزمت أردوغان ومرشحه وحزبه، أصحاب السلطة الأحادية الإقصائية التي يمارسها حزب «الإخوان»، فالتجربة كانت مكررة في مصر باسم «الحرية والعدالة»، وفي ليبيا باسم «العدالة والبناء»، وفي تركيا «العدالة والتنمية»، وجميعها أحزاب تنهل من نبع واحد هو المرشد.
نقلاً عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة