اغتيال كينيدي.. "جاكي" لا يبحث عن القاتل؟
يعد جون كينيدي من أكثر الرؤساء الذين صنعت هوليود أفلاما سينمائية عن فترة رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية
يعد الرئيس الراحل جون كينيدي (29 مايو/أيار 1917- 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1963) من أكثر الرؤساء الذين صنعت هوليود أفلاما سينمائية عن فترة رئاسته للولايات المتحدة ، ولا ينازعه في هذا سوى الرئيس أبرهام لينكون رئيس الولايات المتحدة في الفترة (1861-1865).
لعل ذلك يرجع إلي أن الاثنين قد قتلا وهما في منصب الرئاسة، لكن جون كيندي، يتميز بأن السينما لم تهتم فقط بفترة رئاسته وحياته، ولكنها اهتمت أيضا بأرملته، والتي كانت محط اهتمام الصحف والسينما من بعد زواجها من المليونير اليوناني أوناسيس.
يتناول المخرج الشيلي "بابلو لاران" من خلال فيلمها "جاكي" الفترة التالية لاغتيال الرئيس كينيدي، واللحظات التي مرت على أرملته جاكلين كينيدي، ومحاولتها لتقديم جنازة شعبية له مشابهة لتلك التي أقامها الشعب الأمريكي للرئيس إبراهام لينكولن.
وبالتالي نحن أمام فترة محددة في حياة جاكلين كينيدي، وهي فترة ما بعد مقتل الرئيس في دالاس ونقل جثمانه، وتحضيرها للجنازة.. من خلال الرجوع للماضي عبر فلاش باك يسرد لنا من خلاله كاتب السيناريو "نوح أبينهايم" اللحظات الهامة في حياة جاكلين للتحضير للجنازة، من خلال سرد جاكلين لقصتها مع صحفي مجلة "لايف" الأمريكية الذي قام بمقابلة صحفية معها، بعد عام من الحادث.
قدم الفيلم "ناتالي بورتمان" في دور جاكي، لتقدم دورا كبيرا لها، يرفعها لمصاف كبار ممثلي هوليوود وهي في الخامسة والثلاثين من عمرها، وتترشح لنيل جائزة الأوسكار للمرة الثانية في حياتها، منذ بدايتها في عالم السينما، مع دور الطفلة ماتيلدا في فيلم (ليون 1994)، من إخراج المخرج الفرنسي "لوك بيسون، الذي تم تصوير فيلم جاكي بمدينة السينما التي يملكها في باريس، وكانت قيادة فريق التصوير لمدير التصوير الفرنسي "ستيفان فونتين"، وهو نفسه من قام بتصوير فيلم (Elle) من إخراج بول فيرهوفن، والذي كان ضمن ترشيحات جوائز الأوسكار الأخيرة.
فيلم "جاكي" هو العمل الهوليودي الأول للمخرج الشيلي "بابلو لاران"، الذي طالما نقد الحكم الديكتاتوري للجنرال "بينوشيه"، عبر أفلامه، مقدما واحدة من أروع الأفلام عن شاعر شيلي الكبير "بابلو نيرودا".
والغريب أنه مع فيلم "جاكي"، خرج من تقاليد السينما السياسية التي طالما قدمها من خلال أفلامه، ليدخل عالم سينما هوليود العاطفي المتوجه نحو مشاعر الجمهور الأمريكي، الذي يتعاطف مع أرملة كيندي التي ترغب في جعل جنازته تاريخية، مماثلة لجنازة أحد رموز المجد الأمريكي، أبراهام لينكولن.
بالطبع الفيلم مكتوب بحرفية عالية لسيناريو كلاسيكي جدير بالسينما الهوليودية، حيث يستخدم الفيلم الفلاش باك، عبر محاكاة فيلم تليفزيوني قديم بالأبيض والأسود، قامت جاكلين كيندي بتصويره، مع قناة "سي بي أس)"الأمريكية، تتحدث فيه عن لمستها الفنية التي ستضيفها إلي البيت الأبيض من بعد قدومها، وقام الفيلم بالمزج ما بين "الوثائقي" بالأبيض والأسود، والفيلم نفسه ليعطينا إحساسا بأننا أمام جاكلين نفسها أثناء تصوير الفيلم. ومن هنا نبدأ ندرك أن الفيلم يحاول أن يرسم لنا صورة جاكلين المرأة ذات الذوق الرفيع الراقي، لينتقل معنا بعد ذلك عند مقتل زوجها، لصورة جاكلين الأرملة المصدومة التي تحاول أن تجعل من جنازة زوجها أسطورة لتخليده، في الحقيقة نحن في بداية صنع صورة عاطفية للمرأة التي تقف شامخة ضد القدر، أي بداية صنع صورة أسطورية لجاكلين كيندي.
ولكي ندخل أكثر في طريق الأسطورة تلمح جاكلين كينيدي للمسرحية التي كان يحبها جون كينيدي معها، وهي مسرحية "الملك أرثر وفرسان المائدة المستديرة"، والمعروفة باسم "كاميلوت"، بطولة "ريتشارد بيرتون"، و"جولي أندرسون"، والتي ظلت تعرض بنجاح منقطع النظير من سنة 1960 وحتى سنة 1963.
فهي وكينيدي في تماثل من شخصية الملك أرثر وحبيبته.. وبجانب هذا الجانب الهوليودي الذي تتميز به الثقافة الأمريكية من حيث الإحالة لمرجع من مراجع عالم الاستعراض، سواء كان سينما أو مسرحا، تحيلنا جاكلين، أو بالأحرى يحيلنا الفيلم إلي الرئيس الراحل إبراهام لينكولن، محرر العبيد، والذي مات مقتولا هو أيضا.
فنشاهد غرفة نومه، ونشاهد "جاكي" تراجع وثائق مراسم جنازته، من أجل صنع جنازة مشابهة لزوجها، تنتصر في فرضها على الأجهزة الأمنية الرافضة للفكرة.
ولكي تكتمل صورة الأسرة الأمريكية الأصيلة يجب استدعاء الدين، فنجدها في جلسات حوار مع القسيس "لعب الدور العملاق الراحل جون هارت"، لتعلن له عن الظلم الذي وقع عليها، ليهديها إلي طريق الله من جديد، و تنهي صورة الأسطورة مع مشاهد دفن أولادها الراحلين مع أبيهم في مقبرة واحدة، لتلتقي القلوب بين الأب وأولاده، وليرقد بسلام الملك أرثر، محرر العبيد، الشهيد من أجل الديمقراطية.
المجتمع الأمريكي بالطبع يحتاج لتلك الصورة الأسطورية، بعد أن ساءت الأوضاع، ووصلنا لمرحلة رئيس جديد، ليس الملك أرثر، بل ملك العقارات والبرامج التليفزيونية، وحلت الفجاجة محل الأسطورة.
لم يشغل الفيلم تساؤلات مشروعة عن كيفية قتل كينيدي، ومن قتله، ومن قتل المتهم بقتله، ولم يجعل زوجته "جاكي" تسأل سؤالاً واحداً عن ذلك، كما لم يشغله ما تردد عن سوء العلاقة الزوجية بينهما، لتعدد علاقاته من نجمات هوليود، وعلى رأسهم مارلين مونرو، كل تلك أسئلة لا تهم الفيلم.
فتلك أسئلة يبحثها فيلم آخر، يبحث عن الحقيقة، نحن هنا نبحث عن صناعة الأسطورة، ولندع الحقيقة لمن يبحث عنها.