"العين الإخبارية" تحاور الفائز بـ"البوكر العربية": "دفاتر الورّاق" كانت تحديا كبيرا
شعور مختلف اختبره الكاتب جلال برجس، الثلاثاء، بعد تتويجه بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2021 عن روايته "دفاتر الورّاق".
بين فرحة عارمة وشعور مضاعف بالمسؤولية، يحكي الكاتب صاحب الـ10 أعمال أدبية بين رواية وقصة وشعر وترجمة، لـ"العين الإخبارية" في حوار اتسم بالصراحة والمتعة والمنطقية.
جلال برجس الأديب والشاعر والصحفي ومقدم البرامج، من مواليد 1970 بمحافظة مادبا الأردنية، درس هندسة الطيران وعمل في هذا المجال لسنوات، ثم انتقل بعدها للعمل في الصحافة ومنها إلى مجال الأدب الرحب.
توجت أعمال سابقة له بجوائز مختلفة من بينها: جائزة كتارا للرواية العربية 2015 عن رواية (أفاعي النار/حكاية العاشق علي بن محمود القصاد).
أيضا حاز جائزتي رفقة دودين للإبداع السردي عام 2014 عن رواية "مقصلة الحالم"، و"روكس بن زائد العزيزي للإبداع" 2012، عن المجموعة القصصية "الزلزال".
اختيرت رواية الكاتب الأردني باعتبارها أفضل عمل روائي نُشر بين 1 يوليو/حزيران 2019 و31 أغسطس/آب 2020، بعدما تفوق على 6 منافسين من الأردن وتونس والجزائر والعراق والمغرب وصلوا جميعا للقائمة القصيرة لـ"البوكر".
تقع أحداث "دفاتر الورّاق" في الأردن وموسكو خلال الفترة بين 1947 و2019، وتحكي الرواية قصة إبراهيم، بائع الكتب والقارئ النهم، الذي يفقد متجره ويجد نفسه أسيرَ حياة التشرّد.
وبعد إصابته بالفصام، يستدعي إبراهيم أبطالَ الروايات التي كان يحبها ليتخفّى وراء أقنعتهم وهو ينفِّذُ سلسلةً من عمليات السطو والسرقة والقتل، ويحاول الانتحار. كل هذا قبل أن يلتقي بالمرأة التي تغيّر مصيره.
الدفاتر تتوزع بين إبراهيم وبين شخوص الرواية، وهم متقاطعون مع البطل، وتحكي مضمون هذه الحكاية المؤلمة والمتشظيّة. إنها حكاية المهمشين الذين دائماً ما يُنظر إليهم بإهمال أو لا ينظر لهم أصلاً، حيث يعيشون إلى جانب نمو طبقة متنفذّه فاسدة.
كما تشير الرواية إلى أهمية البيت، رمزاً للوطن وتلامس واقعاً صعباً ليس في الأردن فحسب، بل في المنطقة العربية بشكل عام، إلى نص الحوار:
بداية، مبارك فوزكم بجائزة "بوكر العربية" 2021 عن روايتكم "دفاتر الوراق". ماذا يمثل الفوز بالنسبة لكم؟
يعني لي الكثير، أولا لأن الفوز لأي رواية يفتتح طرقا ومسارات عديدة نحو القارئ، وبالتالي فإن المسألة علاقة تشاركية بين القارئ والكاتب، الذي ينهمك ويكتب حتى تصل هذه الكلمات إلى القراء وبالتالي فإن أحلام الكاتب لا تقتصر على عدد من القراء وإنما يريد أن هذه الشريحة الواسعة حتى تتسع رقعة الوعي.
أحداث الرواية تقع بين الأردن وموسكو خلال الفترة بين 1947 و2019، كيف استطعت من خلال إبراهيم رصد حكايات المهمشين ومآسيهم؟
كان تحديا كبيرا أن أجمع كل هذه التناقضات، الخسارات، الأحلام، وكل ما يصبو إليه كثير من الناس على الصعيد الأردني ومثيليه العربي والعالمي. كل ما سبق كان تحديا بالنسبة لي أن أضعه في شخصية إبراهيم في قالب مقنع وبطريقة تجعل الفكرة والمحاميل المعرفية تصل إلى عقل وقلب القارئ.
نحن نلاحظ في هذه المرحلة أن رقعة المهمشين تزداد على الصعيدين العربي والعالمي، وباتت تعلن صوتها احتجاجا على سوء الوضع، وبناء عليه، ولأن فكرة الرواية قائمة على ثيمة البيت وضرورة حمايته بتعدد أشكاله ومستوياته، فإن على الرواية أن تتخذ دورا استشرافيا بناء على كثير من العناصر التي تحيط بنا وتنظر إلى المستقبل وتنبه.
وكما يعرف الجميع، الرواية لا تقدم حلولا إنما تطرح أسئلة لكن ما فائدة هذه الأسئلة إن وجدت لها الإجابات؟ بالضرورة أن تخلق حالة كبيرة من الوعي.
تفوقت روايتك على 6 روايات في القائمة القصيرة لكتّاب من الأردن وتونس والجزائر والعراق والمغرب، ما الذي جعلها تتصدر اللائحة برأيك؟
في رأيي الخاص، الروايات التي وصلت القائمة القصيرة هي روايات جميلة وعظيمة وقدمت أطروحات إنسانية مهمة ومعظمها تتمحور حول ما يمر به الإنسان في هذه المرحلة، حتى لو كان الذهاب إلى منحى تاريخي، لأن حتى هذا المنحى التاريخي يعالج الواقع.
لكن ما الذي ميز "دفاتر الوراق" عن الباقي فأنا لا أدري. أنا الآن جلال القارئ وليس الروائي. ربما تجد الإجابة عند لجنة التحكيم المشكورة لاختيار هذه الرواية لتكون الفائزة. أعتقد ليس من حقي أن أقول اختيرت هذه الرواية لسبب لم يتواجد في باقي الروايات الأخرى.
أحببت الروايات الست جميعها، وحتى معظم روايات القائمة الطويلة التي قرأتها باهتمام واستمتاع أجد فيها الكثير الجميل.
قليلة هي الروايات العربية التي عالجت الفصام وحاكت تفاصيله بالدقة التي عشناها مع إبراهيم، كيف استعديت لتروي لنا معاناة بائع الكتب بحياته الجديدة؟
أحضر كثيرا قبل الكتابة، ولا أذهب إلى الورقة مباشرة وأبدا الكتابة وأنتظر الوحي الذي أراه مسألة وهمية. كتابة الرواية 99% منها اشتغال و1% موهبة وهذه قناعاتي، وفي المرحلة التي سبقت كتابة الرواية قمت بالكثير من مسارات البحث والتقصي حتى أصل إلى نتيجة قصوى تكون قادرة على أن تدفعني لكتابة الرواية.
المرحلة الأخرى هي تقمص شخصيات الرواية، ومن أصعب الشخصيات التي أمضيت وقتا كي أتقمصها هي شخصية إبراهيم الوراق. تخيل أنت شخص مصاب بالفصام ويقبع في داخله صوتان، واحد خير والآخر شرير ولديه الكثير من العناصر في داخله، لذا أمضيت وقتا حتى أشعر أني قادر على كتابة إبراهيم الوراق.
نسمع دوما من الفائزين في مجالات مختلفة أن الفائز يصبح أمام تحد في أعماله التالية، هل الأمر عينه ينطبق على الكتابة أم أن للكتابة عالمها الخاص غير المتأثر بأي عوامل خارجية؟
قبل هذا الشرف الذي نلته من الجائزة العالمية للرواية العربية كنت خائفا من الاستعجال في الكتابة والنشر، وبالتالي عليّ أن أحترم القارئ وألا أقع في التكرار وأبتكر مسارات أخرى مختلفة عن الروايات التي سبقتها.
هذا قبل الجائزة، فما بالك بعد الجائزة. هذه المسؤولية التي يتحتم عليّ أن أرفع منسوب هذا الحذر، لكنه ليس الذي يجعلني أخسر لذة الكتابة وفطرة الذهاب إلى النص.
لا أخفي أني أتخوف من الرواية القادمة، لكن هذا خوف وقلق طبيعيين بحيث يجب عليّ أن أكون في حالة تأن كبيرة واختيار شديد، لأنني الآن أُقرأ وبشكل جيد وبالتالي عليّ أن أقدم شيئا لائقا بالقارئ العربي وبما نمر به.
تخوض مجالات الكتابة بأشكالها المختلفة، فأنت شاعر، وصحفي وأيضا معد ومقدم البرنامج الإذاعي "بيت الرواية". أي عالم من هذه العوالم يسرق جلال برجس أكثر؟
هذا سؤال صعب، للأمانة استفدت من كل هذه الزوايا، من الإعلام، من كتابة الشعر، من كتابة القصة، من اشتغالي السابق في الصحافة، من مهنتي، لكن دعني أذهب إلى سؤال آخر يتفرع من سؤالك الجميل: أين يجد جلال الإنسان نفسه؟ أجدها في الكتابة.
لحظة العيش الحقيقية هي أثناء الكتابة، أشعر كأني في غاية التوازن. جربت لفترة الإقلاع عن الكتابة لمدة عام، وبالتالي أنصهر في بوتقة القراءة، لكني وجدت نفسي كائنا أعرجا لا تستقيم خطاه فعدت للكتابة وتعافيت وأدركت أنه لا مناص من الكتابة.