"ياباني أصلي" يتحول إلى تايواني بسبب السيناريو
كان أمام فيلم "ياباني أصلي"، الذي يعود به الفنان أحمد عيد، للشاشة بعد غياب بضع سنوات فرصة ذهبية.. لكن.
كان أمام فيلم "ياباني أصلي"، الذي يعود به الفنان المصري أحمد عيد للشاشة بعد غياب بضع سنوات، فرصة ذهبية ليطرح مقارنة بين العالم المتحضر والذي غزا العالم بالتكنولوجيا المتقنة بعد الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة ممثلا في اليابان ، وبين عالم آخر يعاني التخلف رغم حضارته القديمة الراسخة ممثلا في مصر، مع مزج بُعد إنساني بين حضارتين غائرتين في عمق الزمن بما يمكن أن يشكل التواصل بينهما نموذجا لجسر من المحبة والتفاهم بين الشعوب.
لكن للأسف فإن الفكرة الألمعية تناثرت في سيناريو شديد الضعف والفقر في الإبداع، مثلما طال الفقر كل شيء في الفيلم بدءا من الإنتاج وانتهاء بالصورة، ليتحول ياباني أصلي إلى فيلم تايواني تنقصه الكثير من المهارات ليصبح عملا متكاملا وجذابا.
والفيلم الذي كتبه لؤي السيد وأخرجه محمود كريم ينطلق من فرضية درامية مؤداها وقوع (محرم) شاب مصري في حب فتاة يابانية تعمل في سفارة طوكيو بالقاهرة، وتبادله الحب، ويقرران الزواج، وتعيش معه في شقة بإحدى المناطق العشوائية، وتنجب منه طفلين توأما، وتعود بالطفلين إلى اليابان مجددًا، حتى ينجح محرم في العودة بهما لمصر بشرط قانوني يبرمه داخل السفارة بالقاهرة وهو أن يعيش الطفلان معه ستة اشهر، فإذا تفوقا استمرّا معه بقية العمر، وإن فشلا يعودان للأم.
نحن إذن أمام إرهاصة فنية يمكن ان تشكل فرصة لاستعراض حياة طفلين من اليابان داخل عشوائيات مصرية لتظهر التناقضات التي تدفعنا لاكتشاف أسباب التدهور عندنا والتقدم عندهم، لكن سيناريو الفيلم يهجر هذا الاتجاه تماما ويبدأ في نسج سلسلة من المواقف الساذجة والمفتعلة داخل الحي العشوائي، سواء داخل المنزل الذي يعيش فيه البطل وابناه مع شقيقته وزوجها العاطل، أو الحي الذي يلتحف بكل الموبقات واستغلال الأطفال في العمالة وإهانتهم ووأد بكارتهم المتمثلة في طفل مثل بلية، وممارسة السباب وإلقاء القاذورات على المارة، وغيرها من الصور النمطية للحارة العشوائية في مصر.
بعد ذلك ينتقل الفيلم لكواليس التخلف في المدرسة الابتدائية ثم الإعدادية، قبل أن ينتهي بأن تهبّ الحارة فجأة وبلا أي دوافع إنسانية أو منطقية أو اقتصادية فينصلح حالها حتى لا يعود الطفلان لليابان، رغم انحياز البطل في جملة تشبه المسرحيات التجارية قرب المشهد الاخير بأن وجودهما في اليابان أفضل لمصلحتهما حتى تنهض مصر وتجتاز أزمتها، بينما تأتي زميلته البطلة لتبشره بحصولها على موافقة لالتحاق الطفلين بمدارس المتفوقين، إلا أننا نصل لذروة العبث واللامنطق حيث يسحب الطفلان يدهما من الأم اليابانية ويذهبان لأحتضان أبيهما بعد أن اختارا البقاء بمصر!
النوايا الطيبة لاتكفي بالطبع لصناعة عمل يريد القول إن الوطن جميل رغم كل شيء، وهو ما حاول أن يؤصله في مشاهد الأهرامات والنيل، قبل أن ينتهي بالمستشفى التي تطالب بآلاف الجنيهات نتيجة قيامها بعملية تافهة لغسيل معدة الطفلين بعد شربهما من النيل حتى يعودا له فإذا بهما على مشارف الموت بسببه،
كما يقدم الفيلم اسكتشا في الطريق للمستشفى داخل قسم الشرطة ينام فيه الطفلان مخدرين، بينما يمارس ضابط الشرطة كل أنواع السادية النفسية على البطل، وهو بدوره مشهد شديد الافتعال كان يمكن ان ينتهي بإظهار المحامي هويته، لكن ذلك جانب آخر من الفقر الفني والفكري في عمل كانت له نوايا طيبة فإذا به يسقط في اللامعقول .
أما الإضاءة فهي بدورها لا تسير على منهج واضح للفيلم يناسب موضوعه أو الحالة النفسية لأبطاله، والمونتاج رتيب مما انعكس على الإيقاع، والموسيقى كوكتيل عشوائي بدوره، ليصبح العمل لا هو ياباني ولا حتى مصري أصلي، وإنما محاولة بائسة لصناعة فيلم كوميدي.
أحمد عيد فنان جيد ظهرت موهبته في أفلام من نوعية، حلق حوش وهمام في أمستردام وغيرها، قبل أن يثبت أنه كوميديان مختلف في بطولات من نوعية (اوعى وشك وليلة سقوط بغداد، وأنا مش معاهم، وخليك في حالك)، وأخيرا حظ سعيد الذي قدمه في أعقاب 25 يناير 2011 ، ثم ابتعد لأسباب قال عنها إنها شخصية وبعضها لأسباب سياسية ،
لكنه يعود في هذا الفيلم مذبذبا في عمل مرتبك لا يثير الكوميديا أو الفكر ، ولايكشف حتى عن انحياز سياسي أو وطني بأي حال.
ربما ليهدر بذلك فرصة قد لا تتكرر للتواجد على الساحة السينمائية في توقيت قريب، إلا إذا أعاد حساباته وبنى اختياراته على أسس سليمة تناسب شكله الخارجي البسيط وتلائم كوميديا الموقف الذي عودنا عليه بشرط الكتابة الجيدة والبناء المحكم الذي يقود إلى النجاح.
aXA6IDMuMTQ1LjkxLjExMSA= جزيرة ام اند امز