قبل 37 عاما تجرّأت إسرائيل وأعلنت القدس عاصمة موحدة لإسرائيل متحدية كل القرارات الدولية وذلك بعد أن وقعت اتفاقية السلام مع السادات
قبل 70 عاما احتلت إسرائيل ما يسمى اليوم بالقدس الغربية وبقيت القدس الشرقية التاريخية في عهدة الأردن، وقبل 50 عاما احتلت إسرائيل كامل مدينة القدس بعد أن هزمت الجيوش العربية في "نكسة" مشهودة وكان للدعم العسكري الأمريكي والغربي تأثيره الكبير في انتصار إسرائيل الساحق الماحق.
وقبل 37 عاما تجرّأت إسرائيل وأعلنت القدس عاصمة موحدة لإسرائيل متحدية كل القرارات الدولية، وذلك بعد أن وقعت اتفاقية السلام مع السادات واطمأنت نسبيا إلى سقوط الخيار العسكري عند العرب بعد خروج جيش مصر من المعادلة، ولكن الولايات المتحدة تصدرت طابور المحتجين على هذا القرار ونقلت سفارتها من القدس الغربية إلى تل أبيب.
وقبل أكثر من ربع قرن أضاع صدام حسين بوصلة القدس التي كان ينادي بتحريرها واحتلت جيوشه الكويت في مفاجأة تاريخية قسمت العرب إلى معسكرين، إذ وقفت بعض الدول العربية ومن خلفها القوميون العرب والإخوان المسلمون في معسكر صدام، وكانت القيادة الفلسطينية ضمن مَن وقفوا مع هذا المعسكر الجائر للأسف الشديد، وعلى الجانب الآخر وقفت السعودية ومصر وبقية دول الخليج في معسكر تحرير الكويت عبر الاستعانة بجيوش الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول.
اليوم نجد أنفسنا أمام معركة دبلوماسية وثقافية كبيرة لا تنفع فيها جعجعة تجار الكلام ورواد حفلات التخوين مثلما لا ينفع فيها تهافت أنصار التطبيع الذين يروّجون لسلام مجاني تضيع في دهاليزه المعتمة حقوق الفلسطينيين والعرب
وكان من النتائج المباشرة لهذه الكارثة التاريخية والانقسام العربي الكبير توقيع منظمة التحرير الفلسطينية والأردن اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وفي هذه الأجواء العربية المثخنة بالجراح حانت الفرصة للكونجرس الأمريكي كي يصدر القانون الذي يلزم الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حيث لم يعد ثمة عالم عربي يستحق أن يحسب له الأمريكيون أو الإسرائيليون حسابا.. ولكن رؤساء أمريكا المتعاقبين: (كلينتون، بوش الابن، أوباما) فضلوا تأجيل القرار لستة أشهر تعقبها ستة أشهر أخرى وهكذا.. وكأنهم ينتظرون انهيارات أكبر في العالم العربي والإسلامي، وهذا ما حدث بالفعل، إذ استغلت إسرائيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتي طعنت أمريكا في القلب لسحق الانتفاضة الفلسطينية دون رحمة، والانقلاب على عملية السلام الهشة مع الفلسطينيين، ثم دخلت إيران على الخط لتنشر الأحقاد الطائفية الدموية بين بني يعرب، وهي أحقاد مرعبة وسريعة لا يمكن أن تكون إسرائيل بعيدة عنها.. ثم جاء الربيع العربي وما تلاه من فصول دموية تفرعت وتشعبت وتداخلت لتتحول فيما بعد إلى موجات إرهابية شملت العالم أجمع.
وهكذا في كل ستة أشهر يقوم فيها رئيس أمريكا بتأجيل القرار يكون هناك عشرات الآلاف من القتلى العرب الذين سقطوا برصاص عرب آخرين حتى جاء ترامب فقام بتأجيل القرار لستة أشهر مثل أسلافه كي يتأكد من أن هذه الأمة قد فقدت أي قدرة على الحركة بالفعل قبل أن يتخذ القرار المنتظر في الجولة الثانية ويفي بالوعد الذي قطعه على نفسه في الانتخابات.
واليوم نجد أنفسنا أمام معركة دبلوماسية وثقافية كبيرة لا تنفع فيها جعجعة تجار الكلام ورواد حفلات التخوين مثلما لا ينفع فيها تهافت أنصار التطبيع الذين يروّجون لسلام مجاني تضيع في دهاليزه المعتمة حقوق الفلسطينيين والعرب.. وعلينا أن ندرك بأن الدفاع عن مبدأ القدس عاصمة لفلسطين هو واجب كل إنسان يهمه انتصار الحق على الباطل وليس العرب والمسلمين فقط، صحيح أن مهمة الدفاع عن القدس – فعلا لا قولا – تبدو مهمة صعبة وشاقة في زمن الهوان العربي ولكنها مسؤوليتنا التاريخية، فإذا تخلينا عن حق الفلسطينيين اليوم فسيأتينا في الغد مَن يرغمنا على التخلي عن حقوقنا!
نقلاً عن " عكاظ "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة