قلعة جوهانسبرج بستوكهولم.. الوجه الآخر لمشاورات اليمن
قلعة جوهانسبرج تقع بين المناظر الطبيعية الخلابة وتغرق في هدوء يعيد ترتيب الذاكرة المبعثرة ويخلصها من الارتباك ويوضح الرؤى.
لم يكن اختيار الأمم المتحدة قلعة جوهانسبرج بمنطقة "ريمبو" شمال العاصمة السويدية مقرا يحتضن المشاورات اليمنية والوفود المشاركة من الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي؛ عبثيا بالمرة.
فتلك القلعة المنتصبة بين المناظر الطبيعية الخلابة تغرق في هدوء يعيد ترتيب الذاكرة المبعثرة، ويخلصها من الارتباك، ويوضح الرؤى بعيدا عن صخب مدينة ستوكهولم.
في هذا المكان حلّت الوفود المشاركة، وجلست تحت سقف واحد، وفيه أيضا أمضى أعضاؤها ليلة هادئة، بعيدا عن عدسات الصحفيين وأسئلتهم.
هو المكان الذي قال عنه المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث، في كلمته خلال مؤتمر انطلاق المشاورات التي تواكبها "العين الإخبارية"، من مقر انعقادها، الخميس: "إنه صُمّم بصورة تسمح بأن ينعم الوفدان المشاركان بالخصوصية"، مضيفا: "أنام كطفل هانئ كل مساء" بعيدا عن الصحافة.
وفي الواقع، فإن تصريحات جريفيث بهذا الخصوص لم تكن مجرد إسقاط أو دردشة جانبية كما يتوقع البعض، وإنما للرجل حنكة دبلوماسية واسعة جعلته يدرك قيمة التفاصيل الصغيرة في حل الأزمات الكبيرة.
تفاصيل لم يغفلها حتى قبل وصوله إلى ستوكهولم، لعلمه المسبق بأن تعنّت المليشيات من أجل مطالب صغيرة قد يُجهض الجهود المبذولة على جميع المستويات، وأن السلام بالنسبة إلى انقلابيين يشكل حجر عثرة بمسارهم.
وفي هذا الإطار جاء إجلاء الأمم المتحدة لجرحى الحوثيين من صنعاء بموافقة التحالف العربي، حتى تقطع على المليشيات الطريق نحو المناورة من جديد عبر رفضها الجلوس إلى طاولة المشاورات.
وعلى ما يبدو، فإن المليشيات التقطت الطُّعم، إذ أعلنت مباشرة عقب إجلاء جرحاها التوقيع على اتفاق مع الحكومة الشرعية والتحالف العربي على تبادل الأسرى مرحليا، ووفق جدول زمني محدد.
خلق فرصة لقاء مباشر
يمتلك اللقاء المباشر بين الأشخاص تأثيرا مختلفا وقدرة سحرية على قلب المواقف وتليينها وتغيير بوصلتها بدرجات متفاوتة.
وهذه أيضا من النقاط التي لعب عليها جريفيث من خلال وضع الوفود بمكان واحد، ما يخلق فرص اللقاء المباشر، حيث يكون الأمر لافتا نوعا ما في المرة الأولى، ثم يصبح بتكراره اعتياديا فيكسر الحاجز النفسي والرفض والتعنت.
وأما إشارة جريفيث إلى نومه "كالطفل الهانئ بالليل بعيدا عن الصحافة" فله دلالته أيضا، لأن الحديث عن النوم الهانئ والهدوء بعيدا عن صخب المدينة وضغط الصحافة من شأنه أن يبث نوعا من السكينة في نفوس أعضاء الوفود الحاضرة.
سيستحضر كل واحد منهم ليلته الماضية، ويدرك بالفعل الهدوء الذي حظي به في المكان، ما يبعث في أوصاله السلام، ولهذا تأثير كبير على الأداء خلال المشاورات وعلى ردود الفعل والمواقف.. هذا إن كانت مليشيات الحرب الحوثية تفقه مفردات المشهد.
حركة ذكية من المبعوث الأممي الذي أدرك أن تهيئة الظرف النفسي المناسب سيكون له دور حاسم في تحديد مخرجات مشاورات ستوكهولم، وقد يكون أبرز عامل يقود نحو كبح الانفعال غير المبرر للمليشيا في كل مرة، الذي ينتهي إما بإجهاض الاجتماعات وإما بإفشالها.
تكتيك يعكس حنكة دبلوماسية، لكنه -مع ذلك- لا ينفي أي احتمالات أخرى من فشل قد يتسبب فيه الحوثيون، وهم الرافضون لسلام سيقضي على أجنداتهم باليمن والمنطقة، وسيبعثر أوراقهم وأوراق إيران القابعة في خلفية المشهد.
احتمالات وسيناريوهات تظل رهينة بما ستتمخض عنه المشاورات، وبمدى نجاح وصفة جريفيث النفسية في حمل المليشيات على الرضوخ لمطالب المجتمع الدولي، والإذعان لخارطة طريق تقود نحو حل سياسي باليمن.