مشاورات السويد اليمنية.. مسار بناء الثقة تمهيدا لحل سياسي
جولة خامسة للمشاورات اليمنية تنطلق اليوم في ستوكهولم تبعث الآمال من جديد بتعبيد الطريق نحو حل سياسي يؤمن سلاما دائما لليمنيين
جولة خامسة للمشاورات اليمنية تنطلق، اليوم الخميس، في العاصمة السويدية ستوكهولم، تبعث الآمال من جديد بتعبيد الطريق نحو حل سياسي يؤمن سلاما دائما لليمنيين.
جولة تعقب أخرى فاشلة كانت مقررة في السادس من سبتمبر/أيلول الماضي، بجنيف، والتي أجهضها تعنت الحوثيين ورفضهم الذهاب إلى المدينة السويسرية لحضور الاجتماعات.
ويحتسب التئام هذه الاجتماعات نجاحا للتحالف العربي بقيادة السعودية، الذي هب منذ 2015 تلبية لدعوة من حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي لدعم الشرعية باليمن ومواجهة الانقلاب الحوثي.
المشاورات بمثابة محطة جديدة تأتي بمعطيات قد تكون مختلفة نوعا ما، أملا في تدارك جولة جنيف الأخيرة التي وأدها الحوثيون في مهدها، وقبلها جنيف أيضًا وبيل السويسريتان عام 2015، ومشاورات الكويت في 2016.
أجندة غير معلنة
المحادثات التي ستنعقد في قلعة "جوهانسبيرغ سلوت" التي تم ترميمها خارج ستوكهولم، ستكون غير مباشرة، فيما سيقوم المبعوث الأممي مارتن جريفيث، بجولات مكوكية بين وفدي الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي.
وعلى غير عادتها، لم تعلن الأمم المتحدة -حتى اللحظة- عن برنامج محدد للمشاورات، حيث اكتفى المبعوث الأممي مارتن جريفيث بالإعلان عن الاجتماعات المرتقبة بشكل عام خال من تفاصيل دقيقة.
ويرى خبراء أن التكتم على البرنامج مقصود من المنظمة الدولية خوفا من بروز تعقيدات جديدة أو تحفظات حول فحوى الجلسات، ما من شأنه إجهاض الجولة، ولا سيما من طرف مليشيا الحوثي التي سبق أن أفشلت محادثات السلام.
لكن مصادر متطابقة ذكرت أن المشاورات ستقتصر على إجراءات بناء الثقة والإطار العام لمفاوضات مقبلة متوقعة والجانب الإنساني.
وفي وقت سابق الأربعاء، أكد وزير الخارجية اليمني ورئيس الوفد الحكومي المفاوض خالد اليماني -في تصريحات إعلامية- تأكيده على "عزم الحكومة تحقيق خطوات إيجابية لبناء الثقة في مشاورات السويد".
وأوضح اليماني أن تحقيق ذلك سيكون "من خلال الاتفاق وتنفيذ إجراءات إطلاق سراح كافة الأسرى والمختطفين والمخفيين قسرا".
سيناريوهات مفتوحة
رغم وصول طائرة وفد الحوثيين إلى العاصمة السويدية برفقة المبعوث الأممي إلا أن المخاوف من انسحابه من المشاورات في أية لحظة لا تزال تخيم على الوضع العام للاجتماعات المرتقبة.
فالثابت هو أن قبول المليشيا بحضور الاجتماعات هذه المرة يأتي لعدة أسباب -وفق مراقبين- في مقدمتها تغير موازين القوى على الأرض، وسيطرة قوات الشرعية على المعادلة الميدانية بدعم وإسناد قوات التحالف.
عامل مهم وقد يكون الأهم يفسره مراقبون بأنه لو كانت الإحداثيات على الأرض في صالح الانقلابيين لما قبلوا أبدا بالجلوس إلى طاولة المشاورات.
لكن ورغم ذلك، تظل المخاوف من إجهاض حوثي محتمل للاجتماعات لأي سبب أمر وارد للغاية بالنسبة لمليشيات تنتعش من الحرب ويقبرها السلام، تماما كما فعلت في جولات سابقة.
فخلال مشاورات جنيف التي كانت ستنعقد سبتمبر/أيلول الماضي، رفضت المليشيا الذهاب إلى المدينة السويسرية لحضور الاجتماعات، متذرعة بحجج واهية، وآملةً بتغير المعادلة العسكرية على الأرض لصالحها.
وبالمدينة نفسها عام 2015، انتهت المشاورات وكأنها لم تنعقد بسبب تعنت المليشيا أيضا وإصرارها على المشاركة بـ"حوار قوى سياسية"، أي ترفيع مستوى تمثيلها بالمفاوضات إلى أكثر من وفدها.
أما في الجولة الثانية من المفاوضات، التي يصطلح عليها إعلاميا وسياسيا بـ"جنيف 2"، والمنعقدة بمدينة "بيل" السويسرية، فتمكن المبعوث الأممي حينها إسماعيل ولد الشيخ أحمد من تجاوز مسألة الاختلاف حول صيغة الحوار.
وجرى الاتفاق على هدنة بالتزامن مع انطلاق المفاوضات في 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، غير أن الحوثي اخترق الهدنة، ما قاد نحو نهاية خالية الوفاض للمشاورات.
تاريخ قريب يفضح تكتيك المليشيا والفوبيا التي تتملكها من المحادثات والمشاورات، لأن الحل السياسي عادة لا يخدم مصلحة مجموعة انقلابية تسعى إلى الوصول إلى الحكم عبر سفك الدماء وتخدم مصالح دول أخرى.
أمل بالنجاح
في المقابل، تشير العناصر المتوفرة حاليا والمؤشرات الإيجابية التي سبقت انعقاد المشاورات إلى أن نجاح المشاورات في تحقيق اختراق بملفي بناء الثقة والأسرى والمعتقلين وارد للغاية أيضا.
فمساء الإثنين الماضي، أجلت الأمم المتحدة جرحى للحوثيين من صنعاء، قبل الإعلان عن التوقيع على اتفاق تبادل الأسرى والمحتجزين على مراحل ووفق جدول زمني محدد.
وبهذا الاتفاق، تكون الخطوة الأكبر نحو تحقيق اختراق بملف الأسرى، قد تحققت بالفعل، خصوصا أن الطرفين اتفقا حتى على الوسيط في عملية التبادل (اللجنة الدولية للصليب الأحمر).
خطوات ثابتة تقطعها الحكومة الشرعية مسنودة من التحالف العربي نحو بداية حل سياسي للأزمة، في مسار يبدو بغاية الوضوح، ومبني على التمسك بأن تقوم أي مقترحات وأفكار للحل على أساس المرجعيات السياسية الثلاث وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الأممي 2216.
مسار يرنو لاستكمال بنوده بالعاصمة السويدية، والتقدم نحو بلورة الحل السياسي من خلال نقاط محددة، تبدأ بالحسم ببناء الثقة والملفات الشائكة، تمهيدا لمفاوضات من شأنها أن تعيد لليمنيين سلاما طال أمد هجرانه لوطنهم.