وصفهم الملك بالذئاب.. التاريخ الأسود لـ"إخوان الأردن"
جماعة الإخوان تأسست في الأردن عام 1945 بمبادرة من الأردني عبداللطيف أبوقورة بالتشاور مع مرشد الجماعة ومؤسسها بمصر حسن البنا.
ذئاب في ثياب حملان.. هكذا وصف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني جماعة الإخوان في المملكة في حوار سابق له.
ومن هنا لم يكن غريبا أن يتخذ النائب العام الأردني قراراً بوقف مجلس نقابة المعلمين الذي يسيطر عليه التنظيم، وإغلاق مقراتها لمدة سنتين.
والمتابع لتاريخ تلك الجماعة منذ نشأتها عام 1945 وحتى صدور حكم محكمة التمييز، باعتبارها "منحلة" منتصف يوليو/تموز الجاري، يجد أن هذا التقييم هو أصدق وصف يعبر عن تلك الجماعة وتاريخها الأسود.
ففي بداياتها، تقربت جماعة الإخوان من السلطات في البلاد وحاولت خداع الأردنيين وتضليلهم، فركزت جهودها على العمل الخيري والاجتماعي، وقاموا بالتجارة بالقضية الفلسطينية واستغلوها، مطية لتحقيق أهدافهم الخبيثة، وهي السعي للسيطرة على مفاصل الدولة، وإنشاء الخلافة المزعومة.
وتكشفت تلك الأهداف بشكل جلي، وأفصحوا عنها صراحة، في أعقاب ما عرف باحتجاجات الربيع العربي، ليسقط قناع الحملان ويظهر وجه الذئاب.
وفي أعقاب ثورة المصريين على الإخوان بعد عام من صولهم للحكم في 30 يونيو/حزيران 2013، تلقت جماعة إخوان الأردن ضربة قاضية، وبدأ مسلسل الصراع داخلها، وتوالت الانشقاقات والاستقالات، وانتهى الأمر بالقول الفصل، بحكم صدر قبل أيام من أعلى هيئة قضائية في البلاد باعتبار محكمة التمييز تلك الجماعة "منحلة".
عن أبرز محطات في تاريخ "إخوان الأردن" الأسود منذ النشأة وحتى الحل، ومرورا بسعيها إشعال وتأجيج الاحتجاجات ضد الحكومات الأردنية المتعاقبة، وتكشف دعمها للعنف والإرهاب، ومحاولتها توريط الأردن بتعكير علاقاته مع دول شقيقة، تستعرضها "العين الإخبارية".
النشأة والأهداف
تأسست جماعة الإخوان في الأردن يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1945، بمبادرة من الأردني عبداللطيف أبوقورة بالتشاور والتنسيق مع مرشد جماعة الإخوان ومؤسسها في مصر حسن البنا، لتكون أحد فروع تنظيم الإخوان الأم الذي أنشأه البنا عام 1928.
ركزت الجماعة أنشطتها في البداية على العمل الخيري والاجتماعي، الأمر الذي مكنها من الحصول على ترخيص من الحكومة بتأسيسها في 9 يناير/كانون الثاني 1946، ولكن سرعان ما بدأت تعمل على الهيمنة على مفاصل الدولة.
وفي عام 1956 بدأت الجماعة أولى خطواتها على الطريق السياسي بالمشاركة في الانتخابات النيابية ونجح منهم أربعة نواب من بين 40 نائبا.
وفي عام 1992، قررت الجماعة إنشاء ذراع سياسية لها، فأسست حزب جبهة العمل الإسلامي، الذي لعب دورا كبيرا في إشعال وتأجيج الاحتجاجات ضد الحكومات الأردنية المتعاقبة.
ومع إعلان عمان الإصلاح السياسي، عارضه إخوان المملكة بشدة ليقينهم من أنه سيحول دون وصولهم للسلطة، وأعلنوا على مدار فترات متفاوتة مقاطعتهم للانتخابات البرلمانية.
المتاجرة بالقضية الفلسطينية
منذ تأسيسها، قامت جماعة إخوان الأردن بالمتاجرة بالقضية الفلسطينية، لتوسيع شعبيتها وزيادة قاعدتها.
وكان هناك تداخل واضح خلال تسعينيات القرن الماضي بين إخوان الأردن وحركة حماس كفرع للإخوان في فلسطين.
وفي عام 1999 أغلقت السلطات الأردنية مكاتب حركة "حماس" في البلاد، وأصدرت مذكرة اعتقال بحق عدد من قادتها (من حاملي الجنسية الأردنية) بتهمة الانتماء إلى تنظيم "غير أردني" هو حركة حماس، يعمل على أرض بلادهم، قبل أن تسمح لهم بمغاردة البلاد.
ومنذ ذلك الوقت بدأت السلطات رصد علاقات جماعة إخوان الأردن الخارجية وعلاقاتهم بمرشد الإخوان في مصر وبحركة حماس وغيرها.
سقوط القناع
وفي أعقاب اندلاع ما عرف باحتجاجات الربيع العربي أواخر عام 2010، وتصدر جماعة الإخوان المشهد السياسي في أكثر من بلد عربي، بدأت فكرة الحكم تراود إخوان الأردن أكثر من أي وقت مضى، وسقط قناعها وبدأت الكشف عن هدفها الحقيقي في إنشاء دولة الخلافة.
واستغلت جماعة الإخوان الاحتجاجات التي اندلعت في تلك الفترة لأسباب مختلفة وحاولت السيطرة على الشارع الأردني وتوجيهه وفق أجندة سياسية لها علاقة بالصراع على الحكم.
بعد وصول الإخوان للحكم في مصر، كشفت الجماعة صراحة عن هدفها الحقيقي، وفي يناير/كانون الثاني 2013، تعهد زعيمها همام سعيد، الذي كان مراقبًا عامًا للجماعة في ذلك الوقت، بأن الأردن ستكون "دولة في الخلافة الإسلامية".
أهداف تلك الجماعة لم تكن خافية عن السلطات في البلاد، وهو ما عبر عنه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في مقابلة مع مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية في مارس/ آذار 2013.
وشن الملك عبدالله هجوما حادا على الإخوان، واصفا إياهم بأنهم "ذئاب في ثياب حملان"، وأنهم "طائفة ماسونية"، وأن ولاءهم دوماً لمرشدهم العام، قائلا: إن "منعهم من الوصول إلى السلطة هو معركتنا الرئيسية".
رحلة السقوط
أزحات ما عرفت باحتجاجات الربيع العربي الستار عن الوجه الحقيقي لإخوان الأردن، فكانت أيضا هي بداية رحلة سقوطها، وظهور الصراعات بين قياداتها.
فبعد سنتين فقط من تلك الاحتجاجات، وتحديدا في نوفمبر/تشرين الثاني 2012ـ انشقت مجموعة من قيادات الإخوان عن الجماعة بقيادة ارحيل غرابية وأعلنت ما تسمى مبادرة "زمزم"، التي تنادي خصوصا بإنهاء احتكار الخطاب الإسلامي من قبل الإخوان في المملكة والالتفات للشأن الأردني، حين كانت الجماعة منشغلة أكثر بالقضايا الإقليمية.
وتلقى إخوان الأردن ضربة أخرى، بعد ثورة المصريين ضد حكم الإخوان القاعدة الرئيسية لـ "مكتب الإرشاد" الدولي للحركة في يوليو/ تموز 2013.
وفي عام 2015، تلقى إخوان الأردن ضربة ثالثة، عبر أكبر عملية انشقاق، بقيادة المراقب العام السابق، عبد المجيد ذنيبات، الذي حصل على ترخيص من الدولة بإنشاء جمعية جديدة باسم "الإخوان المسلمين" في شهر مارس/ آذار من العام نفسه.
وبذلك أصبحت تلك الجمعية الجديدة هي المرخصة قانونيا، حيث أصبحت جماعة الإخوان الأم في البلاد التي جرى تأسيسها رسميا عام 1946 منحله حكماً من تاريخ 16 يونيو/حزيران 1953 تطبيقاً لحكم المادة 12 من قانون الجمعيات الخيرية رقم 36 لسنة 1953.
لتتوالى الخلافات داخل الجماعة، والتي وصلت ذروتها في ديسمبر/كانون الأول 2015، بالإعلان عن استقالة 400 عضو من حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسية للجماعة .
وبسبب أنشطة الجماعة المشبوهة ورفضها في تصويب أوضاعها، أعلنت السلطات الأردنية في 10 فبراير/شباط 2016، عدم شرعية هذه الجماعة وأغلقت فرع الجماعة بمحافظة العقبة، ليتبعه عدة إغلاقات في إربد وجرش وعجلون والكرك والمفرق ومادبا، إضافة إلى المركز العام بمنطقة العبدلي في عمان، قبل أن تغلق “المقر التاريخي للجماعة”، بوسط البلد في عمان مايو / آيار من العام نفسه.
وفي منتصف يوليو/ تموز الجاري، أصدرت محكمة التمييز، أعلى محكمة أردنية، قرارا حاسما بحل جماعة الإخوان بشكل نهائي وقطعي، واعتبارها فاقدة لشخصيتها القانونية والاعتبارية، لعدم قيامها بتصويب أوضاعها وفقا للقوانين.
وجاء هذا القرار الحاسم في الدعوى التي رفعتها الجماعة المنحلة على دائرة الأراضي والمساحة وعلى جمعية جماعة الإخوان في طلب إبطال نقل ملكية الأراضي والعقارات للجماعة القانونية التي صوبت أوضاعها عام 2015.
مواقف مخزية
ومع قرار حل جماعة الإخوان في الأردن، يستذكر العالم عددا من المواقف المخزية لها، من أبرزها تأييد غزو الكويت في أغسطس/ آب سنة 1990، حيث أيدوا الغزو وكانوا الأكثر تطرفا في موقفهم من بين فروع جماعة الأخوان الأخرى ووصف أحدهم صدام بأنه خليفة المسلمين.
كما دعموا الإرهاب ولعل قيادات في الجماعة تملك تاريخاً حافلاً في الوقوف إلى جانب الإرهاب والعنف، ومن أبرز النماذج على ذلك قيام أربعة نواب ينتمون لجبهة العمل الإسلامي - الذراع السياسية للإخوان المسلمين - بتقديم العزاء في مقتل الإرهابي أبومصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في العراق في يونيو/ حزيران 2006 ووصف أحدهم الزرقاوي بـ"الشهيد والمجاهد" ونزعه لصفة الشهداء عن ضحايا تفجيرات عمان الإرهابية في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 2005، التي تبناها الزرقاوي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، تم اكتشاف خلية سرية من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فيما عرف إعلاميا آنذاك بخلية حماس، حيث اعتقلت السلطات أفراد الخلية الذي ينتمي غالبيتهم إلى نقابة المهندسين الأردنيين، التي تسيطر عليها جماعة الإخوان، في نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول من العام نفسه.
ثم في يوليو/ تموز 2015، قضت محكمة أمن الدولة الأردنية بالسجن لفترات متفاوتة على 12 متهماً أردنياً على خلفية علاقتهم بحركة حماس بعد إدانتهم بأربع تهم تتلخص بـ"تصنيع مواد مفرقعة بقصد استعمالها على وجه غير مشروع بالاشتراك، والقيام بأعمال من شأنها الإخلال بالنظام العام، وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، بالإضافة إلى تجنيد أشخاص بقصد الالتحاق بجماعات مسلحة والالتحاق بها.
عمدت جماعة الإخوان إلى تعكير العلاقات مع الدول الشقيقة، قبل أن تعتقل السلطات الأردنية نائب المراقب العام لجماعة الإخوان في المملكة آنذاك زكي بني ارشيد يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بتهمة "تعكير العلاقة مع دولة شقيقة"، بعد توجيهات إساءة لدولة الإمارات، رفضا للقائمة التي نشرتها أبو ظبي للمنظمات "الإرهابية"، ومن بينها جماعة الإخوان.
وأصدرت محكمة أمن الدولة في فبراير/شباط 2015 حكما بسجنه لمدة عام ونصف العام مع الأشغال الشاقة بتهمة "القيام بأعمال من شأنها أن تعرض المملكة لتعكير صلاتها وصفو علاقتها بدولة شقيقة".