وقعت شركة الكهرباء الأردنية (شركة مساهمة عامة)، عقداً مع كونسورتيوم تقوده «نوبل أنرجي» الأميركية وشريكتها «ديليك» الإسرائيلية، لشراء 45 بليون متر مكعب من الغاز من حقل «ليفايثان» على مدى 15 سنة. وسيتم التصدير بعد الانتهاء من تطوير الحقل وبدء الإنتاج عام 20
وقعت شركة الكهرباء الأردنية (شركة مساهمة عامة)، عقداً مع كونسورتيوم تقوده «نوبل أنرجي» الأميركية وشريكتها «ديليك» الإسرائيلية، لشراء 45 بليون متر مكعب من الغاز من حقل «ليفايثان» على مدى 15 سنة. وسيتم التصدير بعد الانتهاء من تطوير الحقل وبدء الإنتاج عام 2019، إضافة الى تشييد خط أنابيب بين الأردن وإسرائيل. وتقدر قيمة الغاز المستورد على مدى 15 سنة بنحو 10 بلايين دولار. وسعر الغاز مرتبط بسعر نفط «برنت»، مع سعر أدنى وسعر متوسط.
وكانت الشركة الأردنية وقعت مذكرة تفاهم مع الكونسورتيوم عام 2014 لاستيراد الغاز. لكن غُض النظر عن هذا التفاهم في حينه على أثر الخلافات الداخلية الإسرائيلية حول دور الشركات الاحتكاري من خلال التحكم في سعر الغاز في السوق المحلية، وأثر ذلك على المستهلك الإسرائيلي، ودور الوقود في التأثير في كلف إنتاج الصناعة الإسرائيلية. وكانت مذكرة التفاهم هذه أثارت معارضة في البرلمان والرأي العام الأردني، إضافة الى معارضة شديدة في الكنيست، ما أدى الى تأجيل التفاهم. لكن على رغم هذه الخلافات، ثابرت الحكومتان الإسرائيلية والأميركية على المضي قدماً بالمشروع، الذي لا يزال في حاجة الى موافقة الحكومة الأردنية للحصول على الموافقات القانونية له.
ضغطت الولايات المتحدة بوسائل مختلفة على الأردن لاستيراد غاز إسرائيلي، كما هناك محاولات إسرائيلية دؤوبة لتصدير غاز «ليفايثان» الى مصر. ويكمن الهدف الأساس للتصدير الى الدول العربية المجاورة التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل، في تغيير موازين العوامل الجيوسياسية لمصلحة تل أبيب من خلال الدور الإسرائيلي المهم في تصدير الطاقة لهذه الدول ربما لعقود. فاستيراد كميات ضخمة من الغاز الإسرائيلي سيجعل الدول المستوردة معتمدة على إسرائيل في تقرير سعر الغاز المحلي، ومن ثم سعر الكهرباء للمستهلك المحلي والصناعة الوطنية. هذا يعني تغلغل إسرائيل في قطاع الطاقة العربي وتأثيرها في تكاليف الإنتاج الصناعي، ما قد يجعله غير قادر على التنافس مع البضائع الإسرائيلية.
هناك سبب آخر لإعطاء إسرائيل والولايات المتحدة، أولوية لتصدير غاز «ليفايثان» للدول المجاورة. فتطوير الحقل يكلف 6 بلايين دولار للمرحلة الأولى. وتشير معلومات الى أن أعضاء الكونسورتيوم في حاجة الى الاقتراض من المصارف الدولية، ما يضطرهم الى الحصول على عقود بيع وشراء سريعة لاستعمالها كضمان للقروض، ويحتاجون أيضاً الى تقليص المصاريف، مثل تشييد الأنابيب القصيرة للدول المجاورة، بدلاً من الطويلة ذات الكلف العالية للأسواق الأوروبية، ناهيك برسوم الترانزيت. ويذكر أن إسرائيل تحاول تصدير الغاز عبر أنبوب يمتد الى تركيا ومن ثم الى الأسواق الأوروبية. لكن العلاقات الإسرائيلية - التركية شهدت سلسلة من الاضطرابات تعرقل المفاوضات.
من جهة أخرى، تحاول إسرائيل التصدير عبر خط أنابيب يمر بقبرص ثم اليونان ليلتقي هناك مع منظومة خطوط أنابيب الغاز الأوروبية. لكن تواجه هذا المشروع عقبات، منها طول الخط الذي يمتد 1300 كيلومتر تحت سطح المياه، ويبلغ عمق المياه ما بين قبرص واليونان في بعض المناطق نحو 2500 متر تحت سطح المياه. ولا يوجد خط أنابيب غاز مشابه على هذا العمق بحراً.
وصرح نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير الصناعة الأردني جواد العناني الى جريدة «فايننشال تايمز»، بأن الحكومة الأردنية طالبت السلطات الإسرائيلية بتنازلات تجارية ومالية قبل الاتفاق النهائي. وأنه طالب بخاصة السماح للأردن بتصدير سلع للضفة الغربية ببليون دولار سنوياً، أو نحو ما مقداره ربع أو خمس قيمة الصادرات الإسرائيلية السنوية لها. وأضاف: على رغم اتفاقية السلام لعام 1994 ما بين البلدين التي مضى عليها 22 سنة، لم تسمح إسرائيل بزيادة الصادرات الأردنية للضفة. ولم ترد إسرائيل علناً على هذا المطلب الأردني حتى الآن. وتابع العناني أن هدفه هو محاولة حصول الأردن على ميزات اقتصادية، إضافة الى محاولة استيعاب النقمة الشعبية المتوقعة ضد الاتفاق. وطالب العناني أيضاً بأن تتحمل إسرائيل تكاليف تشييد خط الأنابيب الى الأردن، وطوله 26 كيلومتراً وكلفته 70 مليون دولار. وسأل: «لماذا على الأردن دفع تكاليف الأنبوب، خصوصاً إذا قررت إسرائيل مستقبلاً أن تستعمله للتصدير الى جهات أخرى؟» وكان الأردن اتفق في نيسان (أبريل)2015 على استيراد كميات محدودة من الغاز الإسرائيلي عبر خط أنابيب قصير يمتد جنوب البحر الميت، لاستعماله في توليد الكهرباء في المعامل في جنوب البلد.
يذكر أن كلفة استيراد الأردن النفط الخام ومنتجات بترولية مختلفة، بلغت نحو 40 في المئة من موازنة الدولة لعام 2014. وسياسة الأردن الطاقوية تعتمد الاستعمال المتزايد للغاز وبدائل الطاقة المستدامة من شمس ورياح، إضافة الى درس إمكان استعمال الطاقة النووية والنفط الصخري المحلي بدلاً من المنتجات النفطية المستوردة. لكن يبقى استعمال هذه البدائل(باستثناء الغاز) برامج مبكرة. وكان الأردن يستورد الغاز الطبيعي المصري بأسعار منخفضة نسبياً حتى ثورة 2011، حين نسفت المنشآت الأرضية لتصديره في العريش مرات عدة، ما أدى الى انقطاعه فترات طويلة وألحق أضراراً بالاقتصاد الأردني. وينتج الأردن كميات محدودة من الغاز الطبيعي من حقل الريشة. واتفق عام 2012 على أثر انقطاعات الغاز المصري، على استيراد الغاز المسال القطري من خلال شركة «شل». ويتم ايصال الغاز المسال الى باخرة مستأجرة يحول عليها الغاز المسال للحالة الغازية ويوصل بشبكة الأنابيب الغازية الأردنية. وبلغت تكاليف المشروع 65.5 مليون دولار. وتم تمويله من قبل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية.
وكما هو متوقع، اندلعت التظاهرات المعارضة للاتفاق مباشرة بعد الإعلان عنه. ونددت جمعيات مدنية أردنية وفلسطينية بالاتفاق، مطالبة بإلغائه. وانتشرت تظاهرات الاتحادات النقابية والجمعيات المهنية في عمان وإربد والمفرق والسلط تعبر عن استهجانها الاتفاق. وطالب بعض المنظمات بمقاطعة شركة الكهرباء من خلال إغلاق رمزي للكهرباء في المنازل لليلة واحدة للتعبير عن سخطهم. وينتظر المراقبون الموقف الذي سيتبناه مجلس النواب الأردني الذي انتخب أخيراً.
نقلًا عن صحيفة الحياة
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة